أن تزرعي شجرة أخرى في الحديقة.. هذا يعني أنك تحبين الوقوف على النافذة. ولا شيء آخر. ولكنها ستذبل -الشجرة الاستوائية- لإنها وبكل بساطة لا تمطر هنا على مدار العام.
امتلأ الصالون بالنباتات. البرندة بالزرع. الزوايا بالمنحوتات الخشبية والنحاسية والبرونزية. امتلأت الحيطان بالمشغولات اليدوية. المطبخ بالموسيقى. ولكن البيت مازال شاردا وكأنه غارق في التفكير..
وأيضا.. هذا المساء، ذكرتِ اليقطين عشرين مرة بلا سبب، هكذا بلا سبب. وأنا أيضا فكرت بلا أي سبب إن كانت تمطر الآن في دمشق، وفكرت كذلك ملياً بطفل سريع يولد بعد خمسة أيام من الحب..
/
رغم المدينة. رغم عشرين عام من المدينة. ماذا يعني أن تعلمي الطفلة كيف ترسم الألف المقصورة: أن الألف المقصورة سهلة هكذا.. كالبطة!
أنْ -رغم عشرين عاما من المدينة- تضعين حزمة سنابل على جدار في الصالون. حزمة سنابل بشعرها الأسود الطويل مربوطة بشريطة حمراء. (هل الشريطة الحمراء دم مجازي يجري من القمح؟).
أنْ -بعد هذي السنين- أفرك السنابل بيديّ، وأنثر الحَبّ على السطح.. لحمام غريب. أنني ما زلت أفكر ببيادر مشنوقة. بطيور جائعة. ببط بلدي. أنكِ.. مثلي: أن ألفا مقصورة سهلة.. هكذا.. كالبطة!
/
أن بعد الأيام المطيرة هذا الصحو النظيف لسماء زرقاء. سماء صافية، حتى لترى البيوت التي في شعاب الجبل. لترى الحملان في عيون الذئاب. سماء برائحة زرقاء خفيفة.. كأنما القادمون من البحر.. أسلافنا.
أنْ.. تعودَ من العمل قبل الظهيرة، كي تبدل كنزتك الصوفية بقميص أزرق. في الخزانة.. وترى إلى القميص المطوي منذ شهور عتيقة، وترى إلى رائحة صنوبر ونوم وخشب يتذكر..
أن تلبسَ قميصك، فتمتلئ برائحة وشهوة بعيدة، ثم يتلبد قميصكَ بالغيوم..
/
أنكما -بآلاء ربكما- تزرعان الأشجار خضراء. خضراء العناصر الأكيدة. وأسرّة الحب خضراء. خضراء حتى ليرقّ البحر، كأنه في ظهيرة يتذكر..
خضراء.. كيمياءات الدم، ودفقات الحب في المد البحري. خضراء.. الخراف البيضاء والذؤبان الوحيدة على قمة الجبل. خضراء.. أسماء الأطفال الذين لم يأتوا، وخضراء أنتِ، وأنا أخضر بين الكلمات الخضر: أشيروا إلي لتعرفوني!
/
هكذا، كذكر أخير في السلالة، يتملى الأعشاب والجداول الصغيرة، ويلحظ رف الطيور التي تهاجر، ويتمتم بحكمة قديمة: من الخير أن تسافر المراكب جنوبا!
Leave a Reply