على مدى ثلاثة أيام، استمع اللبنانيون لجلسات ردح وشتائم كان أبطالها ممثلي الأمة من مختلف الأطراف. والحق يُقال ان المناقشات النيابية الأخيرة لأداء حكومة نجيب ميقاتي بلغت مستويات غير مسبوقة لناحية الجرأة في اطلاق النعوت والاتهامات في ظل خطابات فاحت منها رائحة الطائفية والمذهبية، في حين تحولت احداث سوريا و”الشعوبية” الايرانية، بحسب وصف احد نواب تيار “المستقبل”، الى مادة اضافية دسمة زادت من حدة الكلمات، ليتأكد ان الهم المعيشي هو في ذيل قائمة اهتمامات الكتل النيابية. ولعلّ كلمة رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة كانت خير معبّر عن حقيقة المشهد بإعلانه صراحة ان القضية ليست قضية حكومة، مشيراً بشكل غير مباشر الى ظروف الأحداث الاقليمية وارتباطها بالتوازنات المحلية، وإن كانت عناوين “سلاح المقاومة” وشخص نجيب ميقاتي وأداء وزراء “التغيير والإصلاح” تصدرت قائمة المواضيع التي صوّب باتجاهها نواب المعارضة.
وطوال ايام المناقشة، تصاعدت وتيرة السجالات لتلامس الخطوط الحمر، ما استدعى جهداً اضافياً من رئيس المجلس نبيه بري لضبط الوضع والتخفيف من توتر داخل أروقة البرلمان الذي اختتم المناقشات بقيام الشيخ سامي الجمّيل بطرح الثقة بالحكومة ما استلزم اجراء عملية تصويت نالت بموجبها الحكومة الثقة بأغلبية 63 نائبا، في مقابل 3 أصوات من المعارضة بعد ان خرج معظم نواب “14 آذار” من الجلسة. مع الإشارة الى ان عددا من نواب الأكثرية الذين كانوا غائبين عن الجلسة الأخيرة قدموا في الدقائق الأخيرة استعدادا للتصويت على طرح الثقة، وفي طليعة القادمين النائب سليمان فرنجية والنائب طلال إرسلان.
وسُجّل عدم مبالاة شعبية بجدية ما نقلته شاشات التلفزة المحلية، في ظل انشغال الشرائح الشعبية بالارتفاع المجنون لسعر صفيحة البنزين الى 40 الف ليرة، والاضرابات المنوعة التي تلوح القطاعات النقابية بتنفيذها احتجاجا على تدهور الأوضاع الاقتصادية.
الاختلاف حول قانون الانتخاب حلّ ضيفاً ثقيلاً على المجلس النيابي، في حين حاول الرئيس بري تحقيق خرق من خارج المجلس بإعلانه دعم النسبية في القانون الجديد، وهو ما كان محط ترحيب من قبل رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي يقوم بزيارة هي الأولى من نوعها لرئيس لبناني الى أستراليا.
وكشف سليمان عن أفكار عديدة كان قد تداول بها مع الرئيس بري حول موضوع النسبية وكيفية الوصول الى مجلس نيابي لا طائفي يحافظ على المناصفة (تلغى الطائفية أولاً عند المسلمين كما تلغى عند المسيحيين) و”تدريجياً نصل الى لبنان دائرة انتخابية واحدة مع وضع مجلس الشيوخ موضع التنفيذ” (يقترع كل ناخب لمرشح واحد في هذا المجلس). غير ان النائب وليد جنبلاط كان أبرز المعارضين لمساعي بري-سليمان، فأعرب عن “عدم حماسة” ازاء مجلس الشيوخ “لأننا إذا أردنا تطبيق اتفاق الطائف بشكل حرفي فإن إنشاء مجلس الشيوخ مرتبط بإلغاء الطائفية السياسية، ولا أظن ان المناخ ملائم في الوقت الحاضر للخوض في إلغاء الطائفية”. كما رفض جنبلاط قانون النسبية ضمنا مفضلا البقاء على قانون الستين “الذي ما زلت متمسكا به وأجد فيه الخيار الواقعي”.
ويقوم طرح بري على إجراء الانتخابات النيابية على أساس اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وفق النظام النسبي، على ان يُصار بعدها الى استحداث مجلس الشيوخ، بحسب ما ينص عليه اتفاق الطائف.
وبينما كان مجلس النواب يشهد مبارزات خطابية، كانت الهموم المطلبية تستمر في التفاعل، فيما حاول الرئيس ميقاتي احتواء الحركة الاحتجاجية على ارتفاع سعر البنزين، بالطلب من وفد من “اتحادات ونقابات قطاع النقل البري” إرجاء الإضراب الذي كان قد قرره منتصف الاسبوع، علماً أن ميقاتي وافق مبدئياً على طلب تحديد سقف سعر صفيحة البنزين بثلاثين ألف ليرة للسائقين العموميين فقط، وليس لكل اللبنانيين. وفي سياق متصل، قرر المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام الإضراب العام في كل المؤسسات والمصالح العامة والخاصة في القطاعين العام والخاص يوم الخميس 3 أيار (مايو) المقبل.
Leave a Reply