إن أدنأ أنواع الحروب هي التي تعمل بخسة في الظلام، وأدنى أدناها هو أن تخون أمانتك في الناس دون علمهم حين تتلوى من تحت كالأفاعي خيانة للأمانة وغدراً بالأمان.
سئمنا رؤية أجسام بشرية برؤوس أفاعٍ أشكالها كريهة وقلوبها برائحة نتنة. مقابر مظلمة ليس لها نوافذ لتطل على العالم الجميل كارهة أن تشرف على قصور الصالحين لتتأمل البرزخ في انتظار الجنة والنعيم.
نحن محتاجون الى بناء المواطن العربي من الداخل وإعادة صياغته بما يتلاءم مع إرثه وحضارته. يا صديقي تعال معي كي نوصد هذا الباب القزم بقوة إلغاء الهمّ ونقيم فضاءً رحباً يتسع بالمحبة الطيبين، تعالوا كي نشيد قصوراً لآحلامنا شاهقة بمقام اليقين غير منصة المغضوب عليهم ولا الضالين، ذلك انتصار للخير ما دمنا في هذه الجالية أحياء. تعالوا نعمل بلا خطب عصماء كي نرى شاهد عيان، أو بصمة لهويتنا على جدار محبتنا ونتعلم كيف نحفر عليه بخط واضح أبجديتنا من جديد، فإن الصمت في ذلك عصيان.
نعم لقد أقمنا دور العبادة ولم نعمرها بقلوب عابدة الا بقليل من الصالحين، اقمنا مؤسسات لخدمة مواطنينا لكنها خلت من الابتسامة والترحيب، فلَحنَا في اقامة نواد ثقافية، لكنها فئوية فأثرت سلباً، لا ايجاباً علينا. تمكنا بفضل اعتصامنا بـ”الحبل السري” أن نبث الفوراق، ونقسّم الإرث، ونفتت الهوية الغالية، وأن نمزّق الحلة القشيبة والعباءة الطاهرة التي وجب بالحب أن تكون خيمة لنا تقينا حر الصيف وبرد الشتاء لأننا لم نعتصم بـ”حبل الله”.
لقد كرهنا هذه الدمى التي تشاجر نفسها في الجسد الواحد الذي صار يئن من مخالب الردة. نحن لم نستطع بهذه الفسيفساء الملونة أن نتناغم في فضائنا لوحة عربية خالصة من نسيج الدم والعرق والهوية. يا سادة نحن، ويا أسفاه على نحن، من نبتت في طينتنا كل حضارات الكون وديانات السماء التي ما سمعنا ولا أطعنا فما استطاعت أن تهذب من أخلاقنا، أي منتج هذا القيء الذي يصرع فينا الجمال الكامن ويؤسس على السطح ذلك القبح المقيم الذي يوحي بفساد الذوق والذمة. نحن وإن درنا فإنما قد درنا في ذات الحلقة الضيقة، وكأنما ندور حول أنفسنا لا نقدم بل نؤخر لأن للوقت قيمة.
تعالوا نبدأ الآن لنشيد الأفعال بدلا من الأقوال فقد نافقنا كثيراً، وأضعنا الوقت كثيراً، ولن أستحي أن اضرب مثلا أن “بعشرة دولارات فقط” تبرعاً منا، بعدد أفراد جاليتنا الكريمة، نجمعها بصندوق كل عام وليكن تكليفاً من خلال بعض المؤسسات الدينية (مساجد وكنائس) والمؤسسات الاجتماعية. ولم أقل كل ليلة، تنفق بشكل باهت بلا معنى ولا طعم، في مقهى على أنغام نرجيلة. هذا الصندوق هو المعنى الحقيقي للتكافل الاجتماعي الذي سيوفر لنا مشروعاً تجارياً كل عام يرى فيه العاطلون عن العمل أو المحتاجون منصباً محترماً يسد حاجتهم عند الضرورة كما أنه سيدر أرباحاً ليعاد ضخها في مجتمع الجالية بشكل استثمارات مستمرة لتعين أبناءها وتعلي من شأنها المالي والاقتصادي في ظل الأزمات الراهنة التي نعيشها. إن التكافل الاجتماعي لهو السبيل الناجع للنهوض بالمجتمع عوضاً عن السلوك الفوضوي الناتج عن حالة التردي والبطالة، فيقوّض سوء مظهرنا وسلوك بعضنا الشائن الذي يلوث صورتنا متناسين أن “الدين معاملة”.
نحن نحتاج لبناء مسرح يبرز جوانب حياتنا الاجتماعية في ظل مجتمع يربو على خمسين الف مواطن عربي في منطقة ديربورن وديربورن هايتس وحدها، نكبّل فيه يد الرذيلة ونطلق العنان للفضيلة، ولن يتأتى ذلك الا بتذويب الفوارق ولمّ الشتات بالاتكال على القواسم المشتركة بيننا لايجاد المُجْمِعات وتهميش المُفرِّقات. نحتاج الى مشاريع مشتركة لكل الجالية على اختلاف أطيافها لنجد أنفسنا بائعين ومشترين في ممارسة حقيقية تكفل لكل الشرائح الذوبان في بوتقة المصلحة الواحدة والمصير الواحد يجمعنا العمل الواحد والمكان الواحد فتذوب الحساسية بين أصابع المحبة الكامنة فالدين لله والوطن للجميع.
نحن محتاجون الى “صندوق الجالية” هذا لنقتسم فيه الرغبة الحقيقية ونعلن عن قدرتنا على التنمية لسد حاجة المحتاجين والعاطلين، الأمر الذي يمكن أن يتحقق بثمن بخس جداً، لا شيء في قاموس أي حاسوب، لكنه يصنع الكثير. وحتى ننال العلا لا بد أن نعتلي أول الدرج والألف ميل تبدأ من الخطوة الأولى وليكن حصادنا معلنا ويا حبذا في يوم الاحتفال بالصداقة العربية الاميركية من كل عام ليكون اعلاناً واضح الملامح نبرز فيه وجهنا المشرق الذي لطالما انتظرناه ولم يطل علينا ضمانا لتحريك الساكن فينا واعلانا يكفل لنا المحبة والازدهار.
دعونا نأكل من طبق واحد من معون عربي النكهة.
Leave a Reply