يفتح الجدل الدائر حول محاكمة النجم المصري عادل إمام بابا على تفحص بعض “التفكير الثوري الجديد” حيث من الواضح أن عقلية ثأرية باتت تحكمه وتروجه في سياق تصفية الحسابات واجتثاث “الثقافات” السابقة التي كانت مدعومة من قبل الأنظمة المخلوعة.
وبغض النظر، عن موقع صاحب “طيور الظلام” في النظام الآفل وعلاقته به، سواء على المستوى السياسي أو الشخصي، فمن المعروف إن إمام كان من أنصار الرئيس المخلوع حسني مبارك ومن المناصرين لتوريث الحكم لابنه جمال، مع أنه لم يكن عضوا في الحزب الوطني (الذي كان حاكما في مصر) قبل انتصار الثورة المصرية. وموقف إمام وبغض النظر عن أسبابه الحقيقية يبقى خيارا سياسيا مكفولا قانونيا وأخلاقيا ولا يجوز الاقتصاص منه عبر طريق جانبية، كاتهام النجم المصري بازدراء الأديان، والمقصود هنا الإسلام، واحتقار المظاهر الدينية في أفلامه، مثل “الإرهاب والكباب” و”الإرهابي” و”حسن ومرقص”.
وإمام الملقب بـ”الزعيم”، تتخذ محاكمته رمزا أبعد ومعنى أعمق، بسبب “زعامته” الفنية، وهذا يعني في جملة من يعنيه أن “المنتصرين الثوريين” يعملون على الإطاحة بكل “زعماء” المرحلة السابقة، ومحاكمتهم ورشقهم بالتهم وحشرهم بالزاوية.
لقد انتصرت الثورة في مصر، ولكن السؤال يبقى: لماذا لا يتحلى المنتصرون بأخلاق النصر؟ لماذا تنخر الثأرية “الثقافة الجديدة” في بلد معروف بتسامحه ورقة شعبه، والمقصود هنا: مصر الذي وصفها القرآن “ادخلوها بسلام آمنين”.
ليس الطغاة وحدهم هم الآبقون والظالمون. إذ ثمة ثوريين أشد فسقا وفجورا وحقدا وكراهية، ونتذكر هنا سلوك المنتصرين في بلد عربي آخر أطاح “ثواره” بديكتاتورهم، ثم بدأوا حملة تطهير رفعت نهارا جهارا شعار: الاجتثاث!
ونتذكر في هذا السياق، كيف انبرت مجموعة من المنافقين والمزاودين على ثورة 22 يوليو المصرية في العام 1952 إلى الطلب من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أن يمنع أم كلثوم من الغناء بوصفها “رمزا” من رموز عهد الملك فاروق. لكن القائد الأسمر رفض تلك المزاعم وسخر منها، وصارت أم كلثوم في عهده سيدة الغناء العربي، وكوكب الشرق..
وليس عادل إمام وحده في هذه المحنة، فإلى جانبه فنانون آخرون، ومن المتوقع أن تكر السبحة، ويحاكم كتاب وأدباء وسياسيون.. وربما موسيقيون وراقصات.. وقد تصل السكين إلى ذقن شعبان عبدالرحيم نفسه، الذي لا أحد يأخذه على محمل الجد. الثوريون.. لا يوفرون أحدا في هذه الأيام!
ونتذكر في السياق، مع الفارق، الثورة الفرنسية وغباء وحقد بعض “أبطالها” الذين قادوا العالم الفيزيائي لافوزاييه إلى المحكمة بتهمة قيامه بترطيب تبغ الجنود في الجيش الملكي الفرنسي (!!). اقتيد لافوازييه إلى المحكمة.. وهناك سمع بأذنيه ما قاله قضاة المحكمة: “الجمهورية ليست بحاجة إلى علماء بل هي بحاجة إلى عدالة”!. وأصبحت هذه الجملة وصمة في تاريخ القضاء الفرنسي.
نعم.. الجمهوريات بحاجة إلى عدالة. ولكن هذه العدالة لا تتحقق بقتل العلماء بالضرورة. وهذا ما لم يفهمه القضاة الفرنسيون خلال محاكمة لافوازييه الذي تقدمت زوجته بطلب استرحام فرفضه القاضي قائلا: “إن الثورة لا تحتاج إلى عباقرة”، لكن زميلا له قال: “إن قطع رقبة لافوازييه لا يستغرق أكثر من دقيقة واحدة، ولكن مئة سنة لا تكفي لتعوضنا عن واحد مثله”.
ويثبت التاريخ.. أن الثورات بحاجة أيضا إلى عباقرة أكثر مما تحتاج إلى قضاة أصلاف.
Leave a Reply