مع أن العرب الأميركيين مضطرون لتصنيف أنفسهم كأميركيين بيض في بيانات الإحصاءات والتطبيقات الخاصة بشؤون الجنسية والهجرة، كونهم لا توجد خانة خاصة للعرب أو الآسيويين، وكونهم لا يشبهون بأية حال أصحاب الخانات الأخرى من هسيبانيك وجنوب آسيويين ولاتينيين وأفارقة أميركيين وغيرهم، مع الإحساس أن يفعلون ذلك بنوع من “البهجة” و”الاعتزاز” الخاصين. وهذا أمر يحيل إلى التفكير حول التناقض العجيب بوجودنا هنا.
وملخص الفكرة أننا، وأقصد هؤلاء الذين أسعفهم الحظ بحصولهم على الجنسية، بيض السحنات، ولكننا في الواقع نتعرض لسياسات تمييز سرية تدرجنا بلا شك في عداد السود أو الأفارقة الأميركيين (وهذه فكرة لا تروق للكثيرين.. فقط بسبب اللون)، ويصح إلى درجة كبيرة ما قاله الناشط داود وليد “في أنه لا يمكن عزل سياسات التنميط والتمييز ضد العرب والمسلمين عن تاريخ التمييز العنصري في الولايات المتحدة، مع وجود مفارقة أخرى وهي أن “العرب البيض” غير مقبولين من قبل الأميركيين البيض الذين قبلوا أقليات أخرى عانت بدورها من التمييز مثل الإيرلنديين والإيطاليين واليهود وغيرهم”.
وبالفعل، تسجل هذه الالتقاطة الذكية والعميقة لوليد، مع استبعاد سماع ما يماثلها من قبل الناشطين العرب الذين تكاثروا وأصبحوا “طبقة اجتماعية خاصة” تقوم أولوياتها بالإصرار على حضور جميع “النشاطات الثقافية (وعلى نحو لافت.. الهابطة منها) وحفلات الغناء (وعلى نحو لافت الهابطة منها) والاجتماعية من أفراح وأتراح”. طبقة ليس لديها وقت لتحك رأسها من كثرة الانشغالات والاجتماعات وتنزيل صورها على “الفيسبوك”، وليس عندها طبعا وقت فراغ للقراءة والتحليل والكتابة (للصحافة مثلا) ومنهم من لا يجيد الإنكليزية أصلا رغم إقامته هنا من عشرات السنين. أهلين!
إذن، وحسب وليد والواقع والحقيقة، فنحن لسنا بيضا. لسنا “وايت” لأن مصطلح الـ”وايت” يتجاوز مسألة لون البشرة والعيون الملونة والشعر الأشقر. الـ”وايت” ليس عرقا وإنما ثقافة وطريقة حياة وتفكير. وبالتالي فنحن بعيدون جدا عن هذه الفئة التي تشكل، شئنا أم أبينا، العمود الفقري في الثقافة الأميركية (مع الاعتراف والتأكيد بأنها هجينة ومتنوعة إلى حد كبير).
وبسبب تعرضنا للتمييز على هذا النحو الدارج والمجحف فنحن أقرب إلى أن نكون سودا وزنوجا.. و”عبيدا”.. وهذا الوصف الأخير وما يختزن من إحالة عنصرية وفوقية مازال دارجا على ألسنة الكثيرين من أبناء جاليتنا، رغم اختبارها للمعاملة الدونية، أو المتشككة في أضيق الأحوال، من قبل بعض المتعصبين، وما زيارات القس تيري جونز وباميلا غيللر إلا أمثلة فاقعة حول نماذج التفكير المتعصب لدى بعض الـ”وايت”.
“أنا سوداء.. وجميلة”. شعار ظهر في تاريخ الأفارقة الأميركيين النضالي ضد التمييز والاضطهاد والاستعباد.. والفصل العنصري، ومؤاده ذلك الاعتداد بما يعتبره الآخرون نقيصة أو مكونا دونيا في شخصية الإنسان، وهو شعار، بالإضافة إلى ذلك، يختزن وعيا شعوريا وتصميما ذكيا لا يقوم على نفي “التهمة” أو تحييدها أو التنصل منها وإنما على التأكيد أنها ليست خطأ أو دركا أقل. يعني بدل الإصرار الدائم من قبل بعض الناشطين والتأكيد في كل مرة أننا “أميركيون وأننا قدمنا التضحيات من أجل الوطن الأميركي”، صار من الضروري أن نجاهر ونواجه الآخرين فيما يعتبرونه “نقيصة” أو “شبهة”، والقول بالتالي، مثلا: “أنا عربي.. وجميل” عندما يقع التمييز على العرب، والقول: “أنا مسلم.. وجميل” عندما يقع التمييز على المسلمين.
في تاريخ الأفارقة الأميركيين في هذه البلاد كنز عظيم على العرب والمسلمين إعادة قراءته واستثماره في مقارعة الحملات التي تنظم ضدهم في السر والعلن، مع الانتباه إلى ضرورة استغلال الطاقة العاطفية في معاناة السود الأمركيين.. التي اجتذبت آلاف البيض، الـ”وايت” والتي ماتزال قادرة إذا ما تم التعامل بذكاء أن تستقطب آلاف الـ”وايت” إلى جانب العرب والمسلمين.
في إحدى النشاطات الذكية والطريفة، والتي يبدو أنها لا تعني جاليتنا في هذا الركن من القارى، نظم مجموعة من الكوميديين رحلة فنية في أرجاء الولايات المتحدة بعنوان: “المسلمون قادمون!”، لاقت استحسانا واستظرافا من قبل الكثير من الأميركيين. على كل حال، صاحبة الفكرة هي مسلمة.. هندية واسمها نيجن فارساد!
Leave a Reply