يرتبط إسمه بكبار
الفنان سمير صفير |
ين في العالم العربي، ويطلق عليه لقب “صانع النجوم”، إلا أنه يرفض هذا اللقب معتبرا أن الوحيد الذي يصنع المواهب هو الله عز وجل. مسيرته الفنية تزيد عن الـ25 عاما من العطاءات التي لم تنضب وتستمر في التألق والبروز، إنه الملحن اللبناني ورمز من رموز الساحة الفنية سمير صفير.
زار صفير الولايات المتحدة الأميركية وكان لـ”صدى الوطن” لقاء خاص معه أطلعنا فيه على أعماله الفنية الجديدة ومواقفه من الإعلام والفن ومشاريعه المستقبلية، ولم يخل اللقاء من الحديث بالسياسية.
– ما هي أبرز المحطات في مسيرتك الفنية؟
– منذ صغري أحببت الموسيقى والفن وكان إيماني بموهبتي هو سر نجاحي، فأنا أؤمن أن الإنسان الذي يصدق نفسه يصدقه الناس. كان أول عمل فني قدمته يحمل عنوان “بلاش عذاب يا قلبي” ولاقى أصداء إيجابية في الوسط الفني الأمر الذي دفع بالفنانين الى التهافت طلبا لألحاني. وبدأت مسيرتي مع الفنانة نجوى كرم بكاسيت “شمس الغنية”، وثم إنتقلت لتلحين الأغاني للفنان عاصي الحلاني والفنان وائل كفوري ومعهم كانت النقلة النوعية. فكانا بمثابة الجناحين الذين بهما حلقت في عالم التلحين والفن. وإستطعت تقديم الألحان لألوان غنائية متعددة منها الرومنسية والشعبية والبدوية والتي أحبها الجمهور كثيرا.
– من كان له التأثير الأكبر على شهرتك في الوسط الفني؟
– الحقيقة أن أكثر الفنانين الذين تعاملت معهم أثروا بمسيرتي الفنية وكان لهم الفضل في شهرتي، أمثال وائل كفوري وعاصي الحلاني ونوال الزغبي وأصالة وفضل شاكر ونانسي عجرم وملحم زين وأيمن زبيب..
– الى أي مدى تهتم بكلمات الأغاني التي تلحنها؟
– أنا أؤمن بمقولة “قل لي ماذا تلحن أقل لك من أنت”. ولكن للأسف اليوم نجد أن الأغاني يشوبها الضياع، فلا نعرف ماذا يحاول المطرب أن يقول في أغنيته. وأنا أرفض ان ألحن كلاما لا يحمل معنى وفكرة ورسالة معينة. وأعتقد أن السبب في الضياع الذي يشوب معظم الأغاني هو أنه لا يوجد مدارس فنية، إضافة الى تدني المستويات على كل الصعد في مجتمعاتنا وإنعكاس ذلك سلبا على الفن وأهل الفن. فنشهد ظهور الكتاب الذين لا يعرفون الكتابة والملحنين الذين لا يفهمون بالتلحين والمطربين الذين يقتربون بغنائهم من كل شيء عدا الفن الراقي.
– ما هو سبب لجوء معظم الفنانين الى الغناء الشعبي؟
– شهدْتُ خلال المراحل الفنية التي عايشتها الكثير من الظواهر النافرة من كتابٍ لا يجيدون الكتابة وملحنين يسرقون الألحان ومغنين لا يجيدون الغناء ولكن إنتشار هؤلاء سببه الأول والأخير هو الإعلام الهابط. فتجد المحطات التلفزيونية والإذاعية تعمل على الترويج للفن المبتذل والتافه مقابل حفنة من الدولارات..وهذا يشرح سبب إبتذال الأغنية الشعبية.
– منْ مِنَ الفنانين اليوم تقدر أعمالهم؟
– هنالك الكثير، فتحتَ كل شجرة أرز وصنوبرة في لبنان هنالك فنان بكل ما في الكلمة من معنى، إما يغني أو يكتب أو يلحن أو يمثل أو يخرج.. أما سوريا فهي مصنع من الأغاني والثروات الفنية وكذلك الأمر في الدول العربية. ولكن المشكلة أن لا أحد يعير هذه المواهب الحقيقية أي إهتمام، وليس هنالك من صناعة تستثمر الأعمال الفنية الجيدة. فيكون أكثر التركيز على العنصر النسائي والترويج للأمور الجنسية والفنون التافهة والهابطة والمبتذلة.
والمشكلة الأكبر هي أن الإعلام يتحجج دائما بالقول أن هذا ما يريده الناس، ولكن ذلك غير صحيح. فإذا راقبنا برامج الهواة نجد أن هذه المواهب الشابة دائما تختار تأدية أغان لكبار الفنانين أمثال عبدالحليم حافظ وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ووديع الصافي وفيروز..ولا يختارون الأغاني الحديثة لتأديتها. فالناس إذا لا تريد الفن الهابط ولكن الإعلام يسعى دائما الى تقديم هذه الفنون على حساب غيرها.
– من هم الشعراء الذين كان لهم فضل في شهرتك؟
– هنالك الكثير من الشعراء أمثال نزار فرنسيس، الذي بدأت معه مسيرتي الفنية التي تكللت بالنجاحات المتتالية ولدينا أرشيف من الأعمال المشتركة. وهنالك نبيل أبو عبدو وكريم العراقي وعلي الخوار.. ولا يهمني فعلا إسم الشاعر بقدر ما يهمني مضمون الشعر ورسالته، فلا أبحث عن الأسماء بقدر ما أبحث عن معنى الكلام.
– كيف جاءت أصداء عملك الأخير “الناس أجناس” الذي قمت بغنائه وتلحينه؟
– عرضت هذه الأغنية على أكثر من فنان منذ أربع سنوات ولكنهم دائما كان يطلبون تغيير بعض الجمل من الأغنية مثل “عقلهم كومة زبالة” و”الناس بالقدم تنداس”، وذلك لإعتقادهم أن الناس لن تتقبل هكذا كلام. ولكن العكس كان الصحيح. فالأغنية لاقت ترحيبا وأصداء إيجابية واسعة. وأعتقد أنه آن الآوان أن يبدأ الفنانون بحمل رسالة تعكس ما يعيشه الناس من ظروف إقتصادية ومعيشية وحياتية صعبة.
وأحضر لأغنية جديدة تحمل رسالة الى الإعلام الهابط، وتقول: “مرة وعيت الصبح عصوت عم يقول/معنا حبوب البحص يا مين شاريها/بياع عم يزين حب البحص بالمكيول/وأسعار متل الدهب وأكتر مغليها/ضحكت وقلت هالبياع شو مسطول/متقل البيعة وحاملها وعم يداريها/مفكر حبوب البحص يمكن دهب مشغول/ومن كل عقلو حدا ينفعوا فيها/الا وعفجأة شفت واللي شفتوا مش معقول/في حدا قرب حبوب البحص ينقيها/صبحان مين مثبت بالناس عقول/ معقول هيدا يشتري ويدفع ثمن فيها/وشفتوا اشترى وقفت وصرت مذهول/ الحق عالبياع أو عالعم يشتريها/وبهيك حالي يا ترى مين أكتر المسؤول/وشبهت بهيك الوضع للفن تشبيهة/البياع وسيلة وبتنقل عطول/الإعلام يعني الإسم والفن هاويها”..
– ما هو رأيك بالبرامج المستوردة من الغرب والتي تبث على الفضائيات العربية أمثال “أراب أيدول” و”ستار أكاديمي” و”أراب غوت تالنت” و”سوبر ستار”؟
– أنا لست ضد أخذ أفكار برامج من الخارج وتحويلها الى برامج عربية ولكن أعرف جيدا أن العقل العربي قادر على خلق وإبتكار أفكار جديدة وخلاقة دون الحاجة الى إستيراد الأفكار من الغرب. ومثال على ذلك برنامج “ستديو الفن” الذي كان بداية الشهرة للعديد من الفنانين الكبار.
– لماذا كثرت سرقة الألحان في الآونة الأخيرة وخصوصا من تركيا والهند؟
– ليس كل الألحان التي تأخذ من بلدان أخرى تعتبر سرقة، فمنها ما يسمى بالـ”التكييف” أي عندما تقوم الشركة المنتجة بشراء حقوق الألحان الخاصة بفنان آخر وتعيد إنتاجها. أما السبب الرئيسي في لجوء الفنانين الى سرقة الألحان هو أن أكثر هؤلاء هم “تجليطة”. ففي الدول الغربية يحدث “التكييف” وسرقة الألحان ولكن بنسبة لا تتعدى الـ15 بالمئة والـ85 بالمئة من الألحان تكون إنتاجا محليا. أما في بلداننا العربية فالمسألة معكوسة..
– برأيك ما هو سبب هبوط المستوى الفني والإعلامي في العالم العربي؟
– السبب في الإنحطاط الفني اليوم هو حكام الدول العربية، فعندما بدأ الحكام والملوك يهتمون بالبترول والبورصة والدولار أكثر من الإبداع والفنون والثقافة بدأت الحضارة بالإنهيار والمستويات الثقافية بالهبوط. وأذكر على سبيل المثال، الرسام العالمي الشهير بيكاسو والموسيقار الكبير موزار اللذين كانا محتضنين من قبل البلاط الملكي في بلجيكا والنمسا ويكرمان على إبداعاتهما من الملوك. وقد شهدنا هذا النموذج من التعامل في زمن الملك فاروق والرئيس جمال عبد الناصر. فالرئيس الراحل عبد الناصر وفي عز النكسة، فكر في مصالحة السيدة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب لأنه إعتبر أن الخلاف بينهما ينعكس بصورة سلبية على المجتمع وأنه بمصالحتهما سيخلق عزا لمصر.
أما اليوم فمن هو الرئيس أو الملك أو الحاكم الذي يهمه أمر فنان أو فنانة؟ فحتى السيدة فيروز مهملة في لبنان ولا أحد يسأل فيها. كما أن الإعلام أصبح مملوكا من أطراف خاصة ومحتكرا من فئات سياسية وغير سياسية، الأمر الذي جعل من مصداقيته شبه مستحيلة. ويتجه الإعلام نحو ما يسمى بالصحافة الصفراء والأخبار الفضائحية. والأنكى من ذلك هو أن القيمين على المحطات التلفزيونية والإذاعات في لبنان أشخاص تافهون. ففي السابق كان يعمل بمبدأ “الفيلتراج”، أي إختيار الأعمال الملائمة التي يراد بثها على شاشات التلفزة والإذاعات كي يقدم للجمهور نوعية معينة من الفنون، أما اليوم “ضايعة الطاسة” ويقع الإختيار على الأعمال التافهة وتوضع الجيدة على الرف.
– ما هو موقفك من “الربيع العربي” وما يجري في سوريا ؟
– إن “الربيع العربي” سكته طويلة والتغيير آت لا محالة. وهذا الربيع سيتلوه ربيع آخر وآخر حتى يحصد النتائج المبتغاة. ومن الناحية الفنية شهدنا كيف أثر “الربيع العربي” على الفن في مصر، فعدنا نسمع أغاني السيد درويش ومحمد فوزي..
سوريا موضوع آخر، ما يحدث في سوريا هو “خريف عربي” غايته تدمير “الربيع العربي”. وأحزن جدا من واقع الحال، فسوريا هي بوابة العالم والكرامة العربية والعروبة وأم الحضارات ومن بلاد الشام ظهر الأنبياء ونشأ الحرف وكل شيء.. وأؤمن أن التغيير أمر لا بد منه، ولكن ليس بقوة السلاح بل بورقة، والمقصود بالورقة هو توجه الناس الى صناديق الإقتراع.
– هل تعتقد أن الفنان في العالم العربي ينال حقه؟
– في العالم العربي ليس هنالك فنان أو مبدع نال حقه أو كُرِّم وهو حي. وتجري العادة أن يكرم الفنان بعد مماته، وهذه مسألة سيئة جدا. وقد آن الأوان أن يكرم الفنانون والمبدعون في العالم العربي في حياتهم لأن عطاءات هؤلاء هي سبب فخر وعزة لكل واحد فينا.
– رسالة أخيرة..
– يجب على الشعوب العربية أن تتخطى العشائرية والطائفية والفكر المنغلق. وأرجو من الجاليات العربية الموزعة في كل أصقاع الأرض أن يمدوا شباكهم ويعيدوا أوصالهم بأوطانهم وأن يشاركوا بأصواتهم في الإنتخابات لأن بهم نستطيع أن نحدث التغيير الحقيقي ومن خلال تجاربهم يمكننا أن نعيد بناء أوطان حضارية.
Leave a Reply