فرحة انتصار “الأمعاء الخاوية” على الاحتلال تفسدها حكومة جديدة لفياض
القدس المحتلة، رام الله – حلت الأسبوع الماضي ذكرى النكبة الـ٦٤ على الفلسطينيين وسط تغيّرات كبيرة في المنطقة أبرزها أحداث “الربيع العربي”. وترافقت الذكرى لهذا العام بحدثين بارزين، الأول جاء إيجابياً برضوخ الاحتلال الإسرائيلي، لمطالب الأسرى الفلسطينيين خوفاً من استشهاد المضربين عن الطعام منذ اكثر من شهرين، ما قد يؤدي إلى انتفاضة ثالثة، لن تكون قادرة على السيطرة عليها، لاسيما مع اعتمادها سياسة “طاقية الإخفاء” منذ اندلاع “الربيع العربي”. أما التحول الثاني فحمل معه سلبيةً بعدما أدت الحكومة الفلسطينية الرابعة عشرة في تاريخ السلطة الفلسطينية، والثالثة في عهد سلام فياض، اليمين الدستورية، أمام الرئيس محمود عباس، بعدما أثار تشكيلها جدلاً جديداً على الساحة الفلسطينية التي تعاني من الجمود السياسي، والانقسام، وغياب المقاومة، وقرب الإفلاس المالي، وسط مخاوف أن تؤدي الخطوة الى مزيد من التمزق الفلسطيني-الفلسطيني وتكريس الانقسام.
شرطة الاحتلال الإسرائيلي تعتقل طفلاً فلسطينياً في القدس المحتلة في ذكرى إحياء النكبة. (رويترز) |
مئات الجرحى في ذكرى النكبة
أحيا الفلسطينيون، الثلاثاء الماضي، الذكرى الرابعة والستين للنكبة، حيث خرج الآلاف في تظاهرات عمّت مدن الضفة الغربية وبلداتها وقراها، وداخل القدس المحتلة، وأراضي العام 1948، وقطاع غزة، رافعين شعاراً واحداً “راجعين راجعين”، فيما امتلأت المستشفيات الفلسطينية بالجرحى الذين سقطوا في مواجهات مع جنود الاحتلال عند نقاط التماس.
وأصيب أكثر من 300 فلسطيني خلال مواجهات بالقرب من سجن “عوفر” في غربي مدينة رام الله، وبالقرب من حاجز قلنديا العسكري في شمالي القدس المحتلة.
وانطلقت مسيرة من مدينة رام الله في الضفة باتجاه سجن “عوفر”، ضمن فعاليات إحياء ذكرى النكبة، وللتأكيد على دعم الأسرى، وللتشديد على أن نجاحهم في تحقيق أهدافهم، ضمن إطار معركة “الأمعاء الخاوية”، لا يعني توقف الفعاليات الداعمة لهم. ودفعت قوات الاحتلال بأعداد كبيرة من جنودها الى المكان، وأطلقت الرصاص المطاطي وقنابل الغاز بغزارة شديدة، لكنها حرصت على عدم قتل المتظاهرين لعدم استفزاز الشارع العربي. كذلك، شهدت أنحاء عديدة في الضفة مواجهات كان أبرزها حين حاول مئات الفلسطينيين اجتياز أحد الحواجز العسكرية في غربي رام الله، محاولين “الزحف نحو مدينة الرملة المحتلة”. وأفاد شهود عيان بأن جنود الاحتلال اعتدوا بالضرب المبرح على المشاركين في الفعاليات قبل اعتقال عدد منهم.
وفي مدينة بيت لحم، أصيب أكثر من خمسين فلسطينياً بجروح بعد إطلاق جنود الاحتلال الرصاص المعدني المطاط وقنابل الغاز. وحاول شبان فلسطينيون اقتحام مسجد “بلال بن رباح” في بيت لحم قبل أن تتدخل قوات الاحتلال وتمنعهم، بعدما هددت باقتحام المدينة بالكامل في حال لم ينسحب الشبان من محيط المسجد الذي تحتله إسرائيل وتزعم أنه “آثار يهودية”.
إلى ذلك، شهدت مدينة القدس المحتلة منذ ساعات الفجر الأولى مواجهات عنيفة في منطقة العيسوية ومعبر قلنديا في شمالي القدس، بعدما اقتحمت قوات الاحتلال العيسوية، وانتشرت في شوارعها وأحيائها. وبعيداً عن المواجهات، شاركت حشود من الفلسطينيين في تظاهرة مركزية في مدينة رام الله. وفي نابلس في شمالي الضفة، تجمع الآلاف أمام مقرّ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) للتأكيد على حق العودة. وفي الخليل في جنوبي الضفة، خرج الآلاف للتظاهر حاملين الأعلام الفلسطينية وصور الأسرى.
وفي هذه الأثناء، تظاهر آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة أمام مقر الأمم المتحدة وسط الدعوة لعدم العودة للمفاوضات مع إسرائيل والتمسك بالوحدة وخيار المقاومة.
وفي أراضي العام 1948، نظمت تظاهرة مركزية أخرى في قرية اللجون المهجّرة المحاذية لمدينة أم الفحم داخل الخط الأخضر، حيث شارك المئات إحياءً لذكرى النكبة. وفي السياق، نفذت مختلف المدن والبلدات الفلسطينية داخل أراضي 1948 إضراباً عاماً، في وقت انطلقت مسيرات شعبية من مراكز المدن رافعة الأعلام الفلسطينية وأسماء أكثر من 500 قرية ومدينة دمّرتها العصابات الصهيونية وهجّرت سكانها.
انتصار معركة “الأمعاء الخاوية”
جاء انتصار معركة “الأمعاء الخاوية” ليؤكد حرص إسرائيل على عدم استفزاز الشارع العربي في ظل التوترات العربية-العربية والإيرانية-العربية التي تصب في مصلحتها من خلال تحييدها من الصورة ودفع الصراع المذهبي كواجهة لصراعات المنطقة بدلا من الصراع العربي- الإسرائيلي.
وبعد 28 يوماً على بدء الأسرى “معركة الأمعاء الخاوية”، وإعلان الأسرى الإداريين الإضراب عن الطعام منذ أكثر من 50 يوماً، ومن بينهم الأسيران بلال ذياب وثائر حلاحلة، اللذان وصلا إلى أقصى مدة يمكن لإنسان أن يضرب فيها عن الطعام (77 يوماً)، توصلت الحركة الأسيرة وسلطات الاحتلال إلى اتفاق، برعاية مصرية، قضى بالاستجابة لمعظم مطالب الأسرى.
وذكرت وسائل الإعلام الفلسطينية، أن مصلحة السجون الإسرائيلية رضخت للاتفاق وقامت بإخراج جميع أسرى العزل وتجميعهم في سجن “هداريم”. وذكرت مصادر من داخل السجون أن الأسرى المعزولين، قد وصلوا إلى أقسام سجن “هداريم”، ومن بينهم الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، وحسن سلامة، وعبد الله البرغوثي.
ووقعت اللجنة العليا لقيادة الإضراب على هذا الاتفاق، الذي تم التوصل إليه برعاية مصرية، مع مصلحة السجون الإسرائيلية في سجن عسقلان لإنهاء الإضراب عن الطعام. وجرى توزيع نص الاتفاق على سجون الاحتلال كافة، وكان أول من تلقى بنوده هما الأسيران ذياب وحلاحلة.
وذكر بيان صادر عن جهاز المخابرات المصرية أن “الجهاز قام خلال الفترة الممتدة بين 9 و14 أيار (مايو) الحالي بإجراء لقاءات واتصالات مكثفة مع السلطة الفلسطينية وقادة الفصائل وممثلي الأسرى، للتنسيق بشأن التحرك المشترك لتنفيذ مطالب الأسرى المشروعة وتحسين أوضاعهم تمهيداً لإنهاء الإضراب”.
وأوضح وزير شؤون الأسرى عيسى قراقع أن الاتفاق نص على إنهاء سياسة عزل الأسرى خلال 72 ساعة، والسماح بزيارة أهالي معتقلي قطاع غزة بعد شهر من توقيع الاتفاق، وتحسين الظروف المعيشية والإنسانية في السجون والاستجابة لمطالب الأسرى بهذا الشأن.
وفي ما يتعلق بملف الاعتقال الإداري، قال قراقع إن ملف أي معتقل إداري سيتم فحصه من قبل الجهات القضائية، ولن يتم تجديد اعتقال الأسرى الذين لم تتوفر بحقهم معلومات أمنية.
وأشار بيان صادر عن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) إلى أنه بموجب الاتفاق “سيمتنع الأسرى عن أي عمل يدعم الإرهاب… وينطبق التفاهم على السجناء الأمنيين كافة من الفصائل كافة وفي السجون كافة وسينطبق على الأسرى المستقبليين كذلك”. وتابع البيان أنه “في مقابل ذلك، وافقت إسرائيل على إعادة السجناء الموجودين في العزل الانفرادي إلى الزنازين العادية والسماح بزيارات أقارب الدرجة الأولى من قطاع غزة والضفة الغربية”.
وفي ما يتعلق بالأسرى الإداريين أوضح “الشاباك” أنهم “سينهون إضرابهم عن الطعام وسيتم إطلاق سراحهم عند انتهاء محكوميتهم الإدارية الحالية ما لم يتم تقديم مزيد من الأدلة حول قضاياهم”.
بدوره، قال المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مارك ريغيف إنه “رداً على طلب من الرئيس الفلسطيني، فاوضت إسرائيل على نهاية إضراب الأسرى، ونأمل في أن تدفع هذه البادرة نحو بناء الثقة بين الطرفين”. وفي إطار الاتفاق، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن نتنياهو صادق على تسليم السلطة 100 جثة شهيد فلسطيني من مقابر “الأرقام”.
حكومة تكريس الإنقسام؟
وشملت حكومة فياض الجديدة 24 وزيراً، من بينهم ست نساء، وأربعة وزراء من القدس، وأربعة آخرون من غزة، وتسعة وجوه جديدة. ومن أبرز التعديلات التي أجريت على الحكومة، إدخال وزير جديد للمالية بدلاً من فياض، فيما كان هناك 13 وزيراً من المستقلين، وتسعة من “حركة فتح”، وواحد من “الجبهة الديمقراطية”، وآخر من “حزب فدا”.
وبحسب التشكيلة الجديدة سيبقى في منصبه كل من وزير الخارجية رياض المالكي، والداخلية سعيد أبو علي، والأسرى عيسى قراقع. وكان الرئيس الفلسطيني قد أكد أن الهدف الأول للحكومة الجديدة “هو الإعداد للانتخابات المحلية التي تأخرت كثيراً، والآن أصبحت ضرورة قصوى لا بد من إجرائها في كل أنحاء الوطن بقدر ما نستطيع”، مضيفاً “نتمنى أن تستكمل هذه الحكومة ما بدأته الحكومة السابقة لرفع مستوى الأداء الوطني… لأن بعض الأمور لا تحتمل التأخير”.
من جهتها، اعتبرت عدة فصائل فلسطينية تشكيل الحكومة الجديدة ضربة للجهود التي تبذل من أجل إتمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام الفلسطيني المتواصل منذ خمس سنوات. واعتبرت “حماس” أن تشكيل الحكومة الجديدة “ترسيخ للانقسام” بينها وبين السلطة الفلسطينية. وقال المتحدث باسم حركة “حماس” فوزي برهوم إن التعديلات الجديدة على حكومة رام الله تمثل “ضربة لجهود المصالحة”، معتبراً أن التعديل الوزاري الجديد تكريس للخطأ وترسيخ لغياب الشرعية وتعزيز للانقسام، مشيراً إلى أن “هذه السياسة الترقيعية لن تفيد الشعب ولن تجدي نفعاً لأن هذه الحكومة لم تكن خيار الشعب الفلسطيني ولم تأخذ الثقة من المجلس التشريعي”. بدوره، اعتبر مستشار رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، يوسف رزقة، أن الحكومة الجديدة غير شرعية كونها “لم تنل ثقة المجلس التشريعي”. كذلك، قال القيادي في حركة “الجهاد” خالد البطش لوكالة “أنباء الشرق الأوسط” إن هذا التعديل مرفوض، “والمطلوب من الرئيس الآن أن يقوم بإجراء مشاورات سريعة لتشكيل حكومة الكفاءات التي نص عليها اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة”. وقال عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رباح مهنا إن هذا التعديل يؤكد تصميم كل من حكومتي غزة ورام الله على المضي قدماً في عدم التقدم بخطوات جدية نحو المصالحة وإنهاء الانقسام.
Leave a Reply