دمشق – واصلت المجموعات المسلحة المدعومة من الخارج، خلال الأسبوع الماضي، أنشطتها التخريبية في أكثر من بؤرة على الأراضي السورية، في محاولة متواصلة لإجهاض خطة أنان وإغراق البلاد بالفوضى.
الأسد: نصائح السعودية
حول الديمقراطية أمر مضحك!
هذه الفوضى حذر الرئيس السوري بشار الأسد، الأربعاء الماضي، الدول التي تحاول إثارتها في سوريا من أن هذا الأمر قد يرتد عليها وينتشر في المنطقة، معتبرا أن الأحداث في سوريا جزء من الحرب من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية في المنطقة برمتها.
إلى ذلك، أكدت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، في تقرير لها، أن المسلحين السوريين المعارضين بدأوا خلال الأسابيع الأخيرة يتلقون أسلحة أكثر تطورا وبكميات أكبر مقارنة بالفترة السابقة، بتمويل من دول الخليج والتنسيق الجزئي من جانب الولايات المتحدة، وذلك نقلا عن ناشطين معارضين ومسؤولين أميركيين وأجانب.
وذكرت الصحيفة أن مسؤولي الإدارة الأميركية شددوا على أن واشنطن لا تزود المعارضة المسلحة بالسلاح ولا تمول شراءها له، لكنها بدلا عن ذلك توسع اتصالاتها بالقوى المعارضة المسلحة “لتزويد دول الخليج بتقييم عن مصداقية المقاتلين والبنية التحتية للقيادة والقتال”.
الأسد
واعتبر الأسد، في مقابلة مع قناة “فيستي 24” الروسية، أن “الأحداث في سوريا جزء من الحرب من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية”.
وقال “عندما تكون بلادك في موضع استراتيجي مهم، وتطل على البحر الأبيض المتوسط، وتمر بها جميع الطرق، من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق، فستمسك مثل هذه الحرب حتما. ولكن الأمر ليس فقط في وجود الغاز، ولكن أيضا في دور بلادنا في المنطقة. إنه دور استراتيجي. وهم (الغرب) يحاولون باستمرار تهميش نفوذ سوريا وتقليصه داخل حدودها، لكنه أمر مستحيل، وسيبقى نفوذنا أوسع دائما”. وتابع إن “الحروب من أجل النفط والغاز أمر واقع حقا. وهي تجري حاليا في آسيا الوسطى، مثلا، على الحدود الجنوبية لروسيا، وفي بعض المناطق الأخرى”. وعن علاقات سوريا مع السعودية، قال الأسد “نحن لن نتحدث معهم أبدا عن أي شيء. كانوا فقط يقدمون لنا نصائحهم حول كيفية بناء الديمقراطية في سوريا وحول كيفية عملها. لكنه أمر مضحك”.
وحول العلاقات مع قطر، قال “لم نتحدث مع قطر عن الغاز أبدا. لم يكن الغاز في الأجندة الثنائية، حتى في الوقت الذي كانت علاقاتنا طبيعية”. وأشار إلى أن “سوريا كانت مستعدة دائما لتقديم أراضيها لنقل الغاز والنفط من العراق وإيران إلى دول حوض البحر الأبيض المتوسط، ومن دول الخليج إلى تركيا وأوروبا”. وأضاف “لقد بحثنا مسألة نقل النفط والغاز مع تركيا وأذربيجان والعراق والأردن. لقد بحثناها مع الكثير من الدول، لكن ليس مع قطر”.
وأعلن الرئيس السوري أنه سيلتقي قريبا مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي انان. وقال “إنهم (الغرب) لا يتحدثون إلا عن العنف، لكن عن العنف من طرف الحكومة، ولا يذكرون الإرهابيين إطلاقا. وما زلنا في الانتظار. انان سيأتي إلى سوريا هذا الشهر، وسأسأله عن الأمر”. وأشار الأسد إلى زيادة عدد العمليات الإرهابية بعد وصول بعثة المراقبين الدوليين إلى البلاد، لكنه أكد أن الوضع تحسن من حيث انخفاض حدة المواجهة المباشرة. وقال “لقد سحبنا قواتنا. لكن في ما يخص الهجمات الإرهابية، فقد ازداد عددها كثيرا وأصبح أكثر مما كان عليه منذ بداية الأزمة”.
وعن “الجيش الحر”، قال “هذا ليس جيشا، وهو ليس حرا: إنهم يتلقون الأسلحة والمال من الخارج، من مختلف البلدان، إنهم عصابة مجرمين”. وأضاف “هناك مرتزقة أجانب، لقد أوقفناهم وسنعرضهم”. وأكد أن “دمشق تمتلك معلومات عن أن عناصر المعارضة السورية المسلحة قد تدربوا على أساليب التدخل العسكري في معسكرات في كوسوفو. وقال “لا أعرف ما إذا كانوا مسلحين أم لا. لدينا معلومات عن أن مجموعة من المعارضين السوريين زارت كوسوفو للتدريب على أساليب التدخل العسكري، وعلى جلب “الناتو” إلى سوريا. نحن نمتلك هذه المعلومات، ونحن متأكدون من صحتها”.
وعن عمليات تهريب الأسلحة، قال “حتى الآن كان معظم الأسلحة يأتي من لبنان وتركيا، لكننا لا نملك أدلة تؤكد أن سلطات هاتين الدولتين كانت تشجع التهريب. وتحاول هذه الدول في الوقت الأخير، لا سيما لبنان والأردن، أن تكافح التهريب، أن توقفه. لا أريد أن أقول إن موقف دول جوار سوريا تغير بعد الأحداث في سوريا ولبنان والدول الأخرى. وقد أصبح واضحا لسلطات هذه الدول أنه ليس الربيع العربي، لكنها فوضى. وإذا كنتم تزرعون الفوضى في سوريا، فقد ترتد عليكم”.
وقال الأسد إن الانتخابات التشريعية أظهرت أن غالبية السوريين “تدعم السلطة القائمة وتواصل دعم نهج الإصلاحات”. وأضاف إن “الانتخابات تعكس إرادة الشعب، إنها رسالة قوية للجميع، في داخل البلاد وخارجها”. وتابع إن “الشعب السوري لم يخف من تهديدات الإرهابيين الذين حاولوا منع الانتخابات وإرغامنا على التراجع عنها”. وقال الأسد، مشيرا إلى المعارضة، ان “الدعوة الى مقاطعة الانتخابات كأنها دعوة الى مقاطعة الشعب، وبالتالي لا أعتقد انهم يملكون أي وزن أو تأثير في داخل سوريا”.
وعن موقفي روسيا والصين، قال “إنهما لا تؤيدانني كرئيس، كما أنهما لا تؤيدان ما يسمى بالنظام السوري. لا أحب هذه العبارة، لدينا كيان الدولة. لكنهما تؤيدان الاستقرار الإقليمي وتتفهمان جيدا أهمية سوريا الجيوسياسية ودورها في المنطقة”. وأشار إلى أن “غياب هذا الدعم قد يؤدي إلى الفوضى في سوريا وكل المنطقة”. وقال “قد تنتشر الفوضى من سوريا إلى جميع الأنحاء. وأعتقد أن الأمر يتعلق، ليس بسوريا فحسب، لكن بالاستقرار الدولي”.
وردا على سؤال حول دور باريس في الأزمة وانتخاب فرانسوا هولاند رئيسا، قال الأسد “آمل أن يفكر الرئيس الجديد بمصالح فرنسا. أنا أكيد أنها لا تقوم على مواصلة بث الفوضى في الشرق الأوسط والعالم العربي بأسره”. وأضاف “السؤال هو معرفة ما كسبته فرنسا في العام الماضي من خلال موقفها حيال سوريا وليبيا ودول أخرى”. وتابع “شاركت في العدوان العسكري (على النظام الليبي) وهي مسؤولة عن مقتل مئات آلاف الليبيين”. وأكد أن “الفوضى الجارية والإرهاب، كل هذا ستكون له عواقب على أوروبا، لأنها ليست بعيدة عن منطقتنا، ويمكننا القول إننا جيران جنوب أوروبا”.
المراقبون وسط النيران
تعرضت مهمة المراقبين الدوليين في سوريا لتهديد اضافي، الأسبوع الماضي، عندما احتجزت مجموعة منهم وسط النيران في خان شيخون التي شهدت مجزرة راح ضحيتها اكثر من عشرين قتيلا، وانفجرت عبوة بقافلة ما ادى إلى إصابة عدد من سياراتهم، وسط انتهاكات متصاعدة لوقف العنف في مختلف انحاء سوريا التي بات المراقبون ينتشرون فيها. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان، “ارتكب النظام السوري مجزرة في ظل وجود المراقبين الدوليين في مدينة خان شيخون في محافظة ادلب ذهب ضحيتها 20 شهيدا وعشرات الجرحى، وذلك اثر إطلاق النار خلال تشييع شهيد سقط في قرية تمانعة الغاب بريف حماه”.
ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن رئيس بعثة المراقبين الدوليين إلى سوريا الجنرال النروجي روبرت مود قوله، في دمشق، إن “عدد المراقبين وصل إلى أكثر من 200 مراقب، وقد تم إنشاء موقع للفريق في محافظة دير الزور”. وأكد “استمرار عمل فريق المراقبين في سوريا بشكل جيد”. وأعلن مود أن لبعثته تأثيرا مهدئا للوضع على الأرض.
ويرجح المراقبون أن عملية خان شيخون مدبرة من قبل المسلحين للإيحاء بمسؤولية النظام عن قتل المدنيين.
وفي ترجمة لعمل المجموعات المسلحة على الأرض، حذر وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل من أن “الثقة” في جهود المبعوث الدولي والعربي كوفي انان “بدأت تتناقص كثيراً وبسرعة”، ورفض الاتهام السوري لدول الخليج بالتدخل في الازمة السورية، واعتبره مبرراً لتدخل دمشق في لبنان ودفعه الى القيام بأمور لا يريدها، فيما أكد المستشار الأعلى لقائد الثورة الإسلامية في إيران غلام علي حداد عادل، أن “النظام السوري يحظى بدعم شعبي، ولذلك فإنه لن يسقط بتنفيذ بضعة تفجيرات”.
“البعث” يفوز بالانتخابات
وفي سياق آخر، أعلنت دمشق نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في 7 أيار الحالي، والتي أظهرت استمرار سيطرة حزب “البعث العربي الاشتراكي” وحلفائه على البرلمان، ما يرجح تكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة. وحقق حزب “البعث” ما كان متوقعاً، حيث فازت لوائحه الانتخابية بغالبية مقاعد مجلس الشعب، وقد حملت هذه المرة اسم “لائحة الوحدة الوطنية”، بدلاً من الاسم التقليدي المرتبط بتحالف “الجبهة الوطنية التقدمية”. كما فاز بعض المرشحين لأحزاب جديدة أبرزهم السياسيان قدري جميل وعلي حيدر من “جبهة التغيير والتحرير”، بالإضافة إلى رئيس “مبادرة الأكراد السوريين” عمرو أوسي.
وتوقعت مصادر أن يشكل البعثيون ما يقارب الـ60 بالمئة من أعضاء البرلمان الجديد، وهي نسبة تفوق نسبة وجودهم في المجلس السابق، وكانت أقرب إلى 50 بالمئة. وقدرت السلطة مشاركة 51 بالمئة من الذين يحق لهم الاقتراع.. علما بانه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 2007 أعلن المسؤولون عن نسبة إقبال بلغت 56 بالمئة.
وكان الأسد أصدر، الأسبوع الماضي مرسوماً قضى بتأليف المحكمة الدستورية العليا للبت في الطعون الانتخابية. وتأخر الإعلان عن نتائج الانتخابات لسبعة أيام، عن يوم الاقتراع، بعد أن أعيدت الانتخابات في مراكز انتخابية عدة بناء على شكاوى الناخبين أو المرشحين، بينها مركزان في دمشق و14 في ريفها واثنان في الحسكة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند إن واشنطن لا تعول على ما حدث من انتخابات تشريعية في سوريا وما تم إعلانه من نتائج، مشيرة إلى أنها “لا تعتبر أي شيء يحدث في ظل ما تشهده سوريا من عنف يمثل انتخابات حرة ونزيهة وشفافة أو ممثلة لإرادة الشعب”. وأضافت إن “واشنطن لا تزال تعتبر أنه أمر مثير للسخرية أن يتم التصويت في انتخابات تشريعية وسط هذا النوع من العنف وعدم الانسجام وعدم الوحدة التي تشهدها سوريا”.
وفي روما، انتخبت الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري المعارض برهان غليون رئيسا للمجلس بأكثرية 21 صوتا في مقابل 11 صوتا للمرشح المنافس جورج صبرا، في أول انتخابات تجري بالاقتراع السري في المجلس. وبحسب مصادر المجلس، فان أعضاء الأمانة العامة كلفوا غليون “تنفيذ خطة إصلاح للمجلس خلال الأشهر الثلاثة التي تمتد فيها ولايته”.
الى ذلك، انهارت المساعي لعقد الاجتماع الذي كانت الجامعة العربية قد دعت اليه في مقرها في القاهرة في محاولة لتوحيد المعارضة السورية، بعد إعلان المجلس الوطني السوري امتناعه عن المشاركة فيه، لأنه يريد إعادة ترتيب أوضاعه الداخلية، بعدما كانت هيئة التنسيق التي تمثل معارضة الداخل قد أعلنت رفضها الحضور.
التسليح
أكدت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية المعروفة بقربها من الأوساط الاستخبارية، في تقرير لها الأسبوع الماضي، أن المسلحين السوريين المعارضين بدأوا خلال الأسابيع الأخيرة تلقي أسلحة أكثر تطورا وبكميات أكبر مقارنة بالفترة السابقة.
وأكدت الصحيفة أنه يتم تخزين الأسلحة في مناطق دمشق وادلب والزبداني، فيما نقلت عن ناشطين معارضين كانوا قبل شهرين يشتكون من نفاد الذخيرة، قولهم هذا الأسبوع إن تدفقا جديدا من الأسلحة بدأ يزداد، ويتم شراؤه من السوق السوداء في الدول المجاورة ومن عناصر في الجيش السوري، وذلك بعد قرار من السعودية، وقطر، ودول خليجيـة أخرى، بتقديم ملايين الدولارات من التمويل شـهريا.
كما قال عضـو اللجنة التنـفيذية لـ”الإخوان المسلمين” ملهم الدروبي، إن الجماعة قد فتحت قناة تزويد جديد للمقاتلين داخل سوريا، باستخدام موارد شخصيات ثرية وأموال من دول الخليج، بما في ذلك السعودية وقطر، فيما نقلت الصحيفة عن مسؤول بارز في المعارضة قوله إن “شحنات كبيرة من السلاح قد نقلت إلى سوريا. بعض المناطق أصبحت مليئة بالسلاح”.
إلى ذلك، سلّطت “واشنطن بوست” الضوء على نفوذ الإسلاميين المتنامي في سوريا، مشيرة في المقابل إلى أن “الإخوان” يسعون إلى التواصل مع دول الجوار السوري، ومن بينها الأردن والعراق ولبنان، وكذلك مع دبلوماسيين أميركيين وأوروبيين بهدف طمأنتهم إلى أنهم لا ينوون السيطرة على النظام السياسي السوري في المستقبل أو إقامة أي شكل من الحكومات الإسلامية. كما أشارت الصحيفة إلى أن مسيحيي سوريا ما زالوا يقفون إلى جانب نظام الأسد “ليس حباً به، إنما خوفاً من حرب أهلية إذا تسلم المتمردون الحكم، أو في الحالة الأسوأ إذا وصل الإسلاميون إلى الحكم”.
Leave a Reply