الكشف عن عمليات تخريبية وقائمة اغتيالات على رأسها بري
لا يمكن حصر انفجار الوضع الأمني في مدينة طرابلس ضمن إطار حادث محدود يمكن احتواؤه موضعيا، ذلك أن انفلات الأزمة (وما سبقها من زيارات مكوكية اميركية وغربية) يوحي بقوة أن الموضوع أكبر من أن تستوعبه الآليات السياسية المحلية المعتمدة عادة، وأن المعالجة تتطلب حلولا جذرية تطال أكثر من ملف على الصعد السياسية والامنية والاجتماعية والمعيشية لا في طرابلس وحدها، بل على امتداد الوطن، بعد أن بدأت تلوح في الأفق بوادر فوضى في أكثر من مدينة ومنطقة على خلفيات متعددة.
من هنا، جاءت دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لعقد طاولة حوار -أقله حول ما يجري في طرابلس- لتعكس حجم الخطر الذي يحدق بالوطن الصغير، في ظل انهماك السياسيين بالتجاذبات والمهاترات.
ولعلّ العامل الأخطر في أحداث طرابلس ليس توقيف شادي المولوي المشتبه في علاقته بتنظيم “القاعدة”، بل في الخطاب المذهبي المرتفع الذي علا في العلن واضعا ما يحدث في سياق “حرب الفرس على الطائفة السنية”!، لمجرد أن من أوقف مولوي جهاز صودف ان على رأسه مدير عام ينتمي لمذهب معين.
وعلى وقع النيران المتبادلة عند جبهة جبل محسن-باب التبانة، عانت الحكومة ارتباكا في الأداء نتيجة تداخل مشاعر الخوف من الصوت الانتخابي الطرابلسي وعدم القدرة على تلمس تداعيات الامور، فشهدت تصريحات الوزراء تناقضا ما بين تأكيد ونفي لتواجد تنظيم “القاعدة” في لبنان، كما انقسمت الآراء حول آلية معالجة الازمة ما بين داعٍ للين والتراجع وبين متشدد ومُصّرٍ على الضرب بيد من حديد. امام هذا الواقع، وجد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي نفسه المستهدف الأكبر: اشارات على أن قوى “8 آذار” ترغب في إخضاعه، وشماتة علنية من قبل قوى “14 آذار” بالتزامن مع حملات تشكك في قدرة الحكومة ورئيسها على ممارسة السلطة التنفيذية.
وعلى الرغم من انتشار الجيش في أكثر من نقطة ساخنة، بقي الوضع الأمني متأرجحا بانتظار الحل السياسي، الذي لم ترقَ مساعي الوزير مروان شربل واللواء أشرف ريفي الى مستواه خلال مساعيهما مع مشايخ السلفية، فسقط المزيد من الجرحى في صفوف الجيش اللبناني والمسلحين الذين يستخدمون حتى الساعة أسلحة رشاشة وقذائف صاروخية.
وكان لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حصة في دفع الامور باتجاه مزيد من التأزيم، من خلال شنه هجوما على جهاز الأمن العام “الملحق بسوريا” على حد تعبيره.
ويبدو أن توقيف المولوي لم يكن سوى رأس جبل الجليد، في ما يتعلق بالمعطيات الموجودة لدى الجهات المختصة حول تحركات بعض الخلايا والمجموعات المتطرفة في لبنان. وفي هذا الإطار، تحدثت مراجع امنية عن معلومات حول حول اعتداءات إرهابية كان يجري التخطيط لها. وقالت المراجع إن هناك دولاً أبلغت الجهات المعنية في بيروت بهذه المعلومات، التي تقاطعت مع معطيات مماثلة تملكها بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية، وفحواها أن مجموعة ارهابية تتبع لتنظيم متطرف دخلت مؤخراً الى لبنان للقيام بعمليات تخريبية، من بينها تنفيذ عمليات اغتيال لعدد من الشخصيات اللبنانية البارزة، بناء على لائحة أهداف محددة، تضمّ رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان قد تلقى في السابق مؤشرات مشابهة.
مع الإشارة الى أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم كشف عن انه تم تنسيق ملف القبض على الموقوف شادي المولوي “مع جهاز أمني غربي”، مؤكداً “أن هذا الملف نُسق مع دولة عظمى”، مشيرا الى أن العنوان الأساسي لعملية توقيف المولوي “لا علاقة له بسوريا من قريب أو بعيد”. وقال رداً على سؤال حول ما قيل عن خطأ في تنفيذ مهمة القبض على المولوي: نحن كانت لدينا مهمة كبيرة والضابط ميدانياً رأى أن قدسية المهمة أهم من أي شيء آخر، كان توقيفه صعباً لأنه مسلح ولديه مواكبة مسلحة، وحينما اعتقل كان معه مسلحان فرّا فوراً، وبالتالي، فإن الضابط استنسب الطريقة التي توسلها لإلقاء القبض عليه، واشار الى أن المؤسسة التي يرأسها اتخذت تدابيرها المسلكية.
واستحوذ النقاش حول الاوضاع الامنية في طرابلس على الحيز الاكبر من مداولات مجلس الوزراء، أما الإنفاق المالي للنصف الاول من العام الجاري، فلم يمر خلال الجلسة، وإن تكن المادة 85 من الدستور أتاحت الصرف الطارئ، بعد موافقة مجلس الوزراء على فتح اعتماد استثنائي لتغطية نفقات مستعجلة أبرزها للجيـش وقوى الامن الداخلي ووزارة التربية ووزارة المالية وبعض المستشفيات الحكومية ورعاية المعوقين وتأهيل المدينة الرياضية في بيروت. وأكد الرئيس ميشال سليمان أن الأمن العام قام بواجباته ولم يخطئ، وإذا كان هناك خطأ في الأسلوب فالمعالجة لا تكون بإخلاء سبيل الموقوف، بل بالتدابير التي تحفظ كرامة الجميع، وتؤدي الى تصحيح مسلكي للخطأ. وقال الرئيس ميقاتي إن النار ما زالت حتى الساعة تحت الرماد، مضيفاً أنه ليس مطمئناً لأن هناك أفرقاء كثرا يريدون صب الزيت على النار.
Leave a Reply