بتمعنٍّ، قرأتُ كتاب الشيخ باقر برّي، الذي صدر أخيرا تحت عنوان “المسلمون الأميركيون، أزمة الهوية والتحدِّيات المعاصرة”. والكتاب واحد من سلسلة الكتب الدينية الثقافية التي أصدرها الشيخ باقر برّي ضمن “سلسلة من الدروس الثقافية للشباب الأميركي المسلم”.
الكتاب ممتع ورائع من حيث قيمته الثقافية، ومن حيث المعلومات والتوجيهات الثمينة التي يحتوي عليها. ونادراً ما تجد هذا النوع من التكامل في معالجة هذا الموضوع بالتحديد في كتاب آخر.
سعي برّي، في كتابه، الى شرح مكونات الهوية الإسلامية، ومعنى أن يكون الفرد مسلما في المجتمع الأميركي، وشرح ذلك بطريقة منهجية وعلميَّة مبسطة. وتماشيا مع ذلك الأسلوب، ركز الشيخ برّي على جملة من الخصائص والمكونات والعناصر الأساسية التي تعبر عن الهوية الإسلامية. وهي بإختصار، حسب رأيه، “الصيغة الإلهية والإيمان المميّز العميق بالله، والإستقامة الأخلاقية وممارسة العمل الصالح كأسلوب حياة، وطلب العلم النافع للثقافة والمعرفة، والأهم من كل ذلك، معرفة وإتقان اللغة العربية وعدم إهمالها”.
كل ما ورد في الكتاب، كلام جميل وكلام معقول، وعلى العين والرأس، ولكن، وآه من كلمة لكن، أين التطبيق لكل هذه التوجيهات الكريمة والرائعة والتي تحدثت عنها يا سيدي الشيخ الكريم باقر؟! أنت في عمر أولادي، وبأسلوبي البسيط سوف أذكر لك مثالا من خلال حياتي كإنسانة بسيطة وواقعية، أؤمن بالله وأفتخر بالإسلام.
في أوائل السبعينات من القرن الماضي، وكالكثير من الناس، كنت أعيش في قرية من قرى الجنوب النائية، ولا أدري لماذا كانت نائية كثيراً رغم أنها تبعد عن العاصمة بيروت أقل من ساعتين، بالسيارة.
المهم، كنا مجموعة من طلاب المرحلة التكميلية، شبابا وبناتا، نقضي الساعات الطويلة في حل المسائل الرياضية، من هندسة وجبر وفيزياء، وأيضا كان طلاب آخرون من القرى المجاورة لبلدتنا، يحضرون خصيصا لنتحدى بعضنا بالمنافسة والمبارزة في حل أعقد المسائل الحسابية. وأذكر في إحدى المرات، تحدّى طالب في مجموعتنا، وتفوق على أستاذ الرياضيات نفسه في تطبيق نظرية رياضية، والوصول الى الجواب الصحيح لمسألة هندسية معقدة.
واليوم نتساءل، عن فائدة كل ذلك السهر والتعب والدرس وتطبيق النظريات العلمية والرياضية على الورق؟! وبماذا نفعنا، حينها، حل المعادلات ونظريات الفيزياء والكيمياء ومسائل علم الجبر المعقدة؟! ونحن كنا نعيش، كما الألوف من الناس، في قرى تبعد أياما عدة عن أقرب طريق من الإسفلت. مناطق نائية، أغلب سكانها يعيشون في بيوت بسيطة، سقوفها من طين، لا ترد بردا أو حرا، وبدون كهرباء ولا ماء ولا دواء، ولا حتى حمامات لقضاء الحاجة الطبيعية للإنسان.
كانت “”””جارتنا” إسرائيل، تقضم الأرض الفلسطينية وتطبق نظريات العلوم في البناء والزراعة، وبناء وطن لشعب تستورده من كافة الدول، وكنا شعوباً عربية إسلامية، تجادل في الخطب والمطولات، وتتباهى بحل المسائل الرياضية على الورق دون تطبيقها، لأجل تحسين الواقع البائس الذي كنا ولانزال نعيش فيه.
في آخر كتابه، يتساءل الشيخ برّي: “كيف يمكن أن نصوغ الهوية الإسلامية في الفرد المسلم، وأن نحافظ عليها عند المسلمين الذين يعيشون كأقلية في المجتمعات الغربية العلمانية؟” الإجابة عن هذا السؤال سنتطرق اليه في الأسبوع المقبل..
Leave a Reply