دمشق – تستمر الأزمة السورية جامدة عند “الستاتيكو” الذي سيطر على مساريها، الداخلي والخارجي، منذ دخول بعثة المراقبين الدوليين الى سوريا في إطار خطة المبعوث الدولي كوفي أنان لإرساء حل سلمي، في ظل مواصلة المجموعات المسلحة لتصعيدها الأمني في أكثر من بؤرة في البلاد.
وفي الوقت الذي بات مستبعداً قيام المحور الطامح لإسقاط النظام السوري بعملية عسكرية مماثلة لعملية إسقاط النظام الليبي عبر حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، الذي صدر عن قمته الأخيرة في شيكاغو تأكيدات بأن الخيار العسكري مستبعد في مقاربة الملف السوري، يظهر المحور الداعم لدمشق صلابة في الموقف تجاه الأزمة، لاسيما من إيران وروسيا ومن خلفهما الصين.
دمشق، من جهتها، تراهن على تماسك الدولة والشعب من أجل تخطي الوضع الراهن، حسب الرئيس السوري بشار الأسد، الذي قال، أن سوريا قادرة، بصمود شعبها وتمسكه بوحدته، على “الخروج من الأزمة”. موقف الأسد الذي صدر عن لقاء مع مبعوث خاص من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حمل رسالة للأسد تضمنت دعوة لحضور مؤتمر قمة دول عدم الانحياز المقرر عقده في طهران في أيلول (سبتمبر)، جاء بمثابة مقدمة لخطاب قريب قد يلقيه الرئيس السوري لتحديد الأولويات في المرحلة المقبلة، ويرجح أن يكون هذا الخطاب من على منبر مجلس الشعب السوري الذي التأم، الأسبوع الماضي، جلسته الاولى وانتخب محمد جهاد اللحام، رئيسا له. وعشية أول اجتماع لمجلس الشعب، اعتبرت وزارة الخارجية السورية، في وثيقة وجهتها إلى الأمم المتحدة، أن “الشعب السوري أكد عبر المشاركة الجماهيرية في الانتخابات (في 7 أيار الحالي) رفضه تهديدات المجموعات الإرهابية، والتي تولّى داعموها وممولوها في الخارج التشويش الإعلامي والتضليل حول مجريات العملية الانتخابية”.
ومن المنتظر أن يتوجه كوفي أنان خلال الشهر المقبل إلى سوريا على ما أعلن متحدث باسمه. ويشهد وقف إطلاق النار الذي بدأ تطبيقه في 12 نيسان (أبريل) في سوريا، بموجب “خطة أنان”، خروقات يومية تسببت حتى الآن بمقتل ما يزيد على تسعمائة شخص منذ تطبيقه. إلا أنه بالرغم من الخرق اليومي لوقف إطلاق النار فإن الدول العظمى تتمسك بخطة أنان بسبب عدم وجود بديل لها في الوقت الحاضر، بحسب ما يقول دبلوماسيون في الأمم المتحدة.
وعلى المستوى الحرب الاقتصادية التي يشنها الغرب ودول خليجية على دمشق، أعلنت سوريا، الأسبوع الماضي، أن العقوبات الأميركية والأوروبية ضد قطاعها النفطي أدت، منذ أيلول الماضي، إلى خسائر بلغت حوالي أربعة مليارات دولار، مشيرة إلى أنها تحاول تغطية العجز في مادتي المازوت والغاز عبر الاستيراد من إيران والجزائر وروسيا.
واعتبرت الحكومة السورية حزمة العقوبات المفروضة عليها “إرهابا اقتصاديا” ينتهك مبادئ حقوق الإنسان، مطالبة المجتمع الدولي بإدانة فرض هذه العقوبات. وقالت وزارة الخارجية السورية في تقريرها لمجلس حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة، إن “العقوبات الأميركية والأوروبية تماثل للشعب السوري تماما ما تقوم به المجموعات الإرهابية المسلحة ضده بالتفجير والقتل”. وأوضح “أن الشعب وقع ضحية المجموعات الإرهابية المسلحة مرتين، مرة من خلال عمليات القتل المباشر، ومرة من خلال العقوبات التي تفرضها الدول التي تمول وتدعم وتؤوي هذه المجموعات”.
موسكو: خطط خفيّة حول سوريا
وفي سياق آخر، اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن لدى بعض الدول “خططا خفية، وترغب في الواقع في تغيير النظام”. وقال لافروف، في مؤتمر صحافي في موسكو، إن “هدف المجموعات المسلحة والأطراف الممولة لها واضح، وهو نسف خطة أنان”. وطالب “بالكف عن إتباع سياسة مزدوجة في الشأن السوري، ففي حين ينتظر من الحكومة تنفيذ بنود خطة انان، لا يتم لجم المعارضة، أو حتى مطالبتها بالمثل، وواقع الحال أن أطــرافا تشجع المعارضة على مواصلة الاستفزازات العسكرية”. وأضاف “ينبغي ألا يتحيز المرء إلى طرف، يتوقع تنفيذا غير مشروط للخطة من جانب الحكومة في حين أن المعارضة، ليست فقط مطلقة اليدين، وإنما في واقع الأمر يجري تحريضها لمواصلة الاستفزازات المسلحة”. وعبر عن شكوكه في أن يكون لدى بعض الدول “خطط خفية وترغب في الواقع في تغيير النظام”. وتابع “يتعين على هؤلاء أن يعلنوا صراحة ما يريدونه. يريدون حلا سياسيا في سوريا يستند إلى المبادئ التي وافــق عليها مجلس الأمن، أم أنهم يريدون تغيير النظام”.
واقترح نائبه وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف عقد محادثات في موسكو بين النظام والمعارضة، برعاية الأمم المتحدة. وقال، في مقابلة مع مجلة “في آي بي ـ بروميير”، إن “روسيا اقترحت بدء هذا الحوار في موسكو، نظرا إلى تحفظات المعارضة (في الخارج) عن التوجه إلى سوريا والطابع غير المقبول في نظر السلطة لعــقد الاجتماع في القاهرة برعاية الجامعة العربية”.
أما على مستوى المعارضة السورية، فقد زادت تطورات الأسبوع الماضي تشرذمها مع غرق “المجلس الوطني السوري” في خلافاته المتواصلة. وأقر رئيسه المستقيل برهان غليون، بعد ساعات من موافقة قيادة المجلس على استقالته، بأن المجلس “لم يتمكن من أن يرقى إلى تضحيات الشعب السوري”، مشيرا إلى انه تخلى عن مهماته، خصوصا بسبب “الانقسامات” بين الإسلاميين والعلمانيين. وكان المكتب التنفيذي للمجلس أعلن، في بيان بعد اجتماعه في اسطنبول، موافقته على استقالة غليون على أن يظل في منصبه حتى تنظيم انتخابات جديدة في 9 حزيران (يونيو) المقبل.
Leave a Reply