مثلما يرث الإنسان المال من أهله دون جهد منه، كذلك يرث خلافاتهم وضغائنهم دون أن يكون سببا في صنعها. جوابا على سؤال الشيخ باقر برّي في كتابه الذي نحن في صدده عن كيفية صياغة الهوية الإسلامية عند المسلمين في الغرب، وحسب رأيه الذي أحترمه، “أولاً يأتي دور الأسرة المؤمنة والمحافظة، ومن ثم دور الجالية المسلمة الملتزمة ودور المدارس الإسلامية والمساجد والجامعات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والاعلامية الاسلامية”.
وحسب رأي برّي، لا يعني ذلك الدعوة الى إنعزال المسلمين وتقوقعهم عن المجتمع الغربي الواسع، وإنما تعني السعي لتزويد هذا المجتمع أشخاصا أخلاقيين ومنضبطين يساهمون في إستمرارية التفاعل الإنساني والأخلاقي فيه، بدل إنجراف الجميع مع الثقافة العشوائية وتيار العنف والإنحراف والتفكك الذي تنتجه الحياة المادية والآلة الإعلامية التجارية.
ومرة أخرى نقول إن هذا الكلام حكيم وسليم، ولكن العبرة في تطبيقه واقعا ملموسا يخدم الفرد المسلم والمجتمع المسلم، سواء كان هنا في الغرب أو هنالك في الشرق.
يقال أن التهم، لا تُطلق على النوايا بقدر ما تُطلق على الممارسات. وفي نظرة بسيطة لبعض العائلات المسلمة، وهنا سوف نسلط الضوء على بعض المآخذ، نجد أن هذه الأسر تقول ما لا تفعل. والمعروف أن الأهل والأسرة هي المربع الأول لإنشاء وتربية الولد أو البنت. البعض من الأولاد يرى أهله يصلّون ويصومون، وفي المقابل يكذبون كذبا شديدا للحصول على المساعدات الإجتماعية، والتي ربما هم أصلا ليسوا بحاجة لها. بينما هنالك العديد من العائلات بأمس الحاجة لهذه الإعانات. هؤلاء الأهل، وللأسف، يستخدمون المال العام المخصص للمحتاجين لشراء الذهب والسفر في كل عام الى أوطانهم، ومن ثم يأمرون أولادهم بالصلاة لأن الصلاة تنهي عن الكذب والمكر والخداع والسلوك السيء الذي يراه الولد في المنطق الفاحش والسلوك السيء خلال قيادة أهله للسيارة في شوارع ديربورن، وبعد إنتهاء صلاة الجمعة في المسجد، حيث يكون الكل في عجلة من أمرهم ويريدون الخروج من “الباركينغ” قبل غيرهم.
كيف تصاغ هوية أولادنا؟! والكثير منا، ومن جاليتنا المسلمة، يجد مشقة في إنفاق دولار واحد من أجل الخدمة العامة أو التبرع لمسألة إنسانية، وفي المقابل يرى الأولاد المآدب والولائم التي تعدّ حتى الإسراف، مثل تلك التي تجري في المآدب الرمضانية والمجالس العاشورائية، فتتسابق النسوة الى تقديم شتى أنواع المأكولات والحلويات في مناسبة من المفترض أن تزيد من ورعنا ومن بساطة عيشنا. وحتى الأطباء في ديربورن يشتكون من كثرة المراجعات الصحية للمرضى والتي تتعلق بمعظمها بمشاكل إرتفاع السكر والكلسترول، نتيجة زيادة وزن الباكين والنادبين المتأثرين بمأساة ومصاب الإمام الحسين عليه السلام.
لا سبيل لنا في ديار الإغتراب إلا إختيار طريق العلم، طريق الحقيقة، وطريق الخروج من الجدال الديني، وكل ذلك من أجل النجاة بأنفسنا من جحيم الدنيا والآخرة. فالله إختار لنا الحياة، والإسلام حدد لنا السبيل، عبر رسله العظماء، بداية بالآية القرآنية الكريمة “إقرأ وربك الأكرم” التي تحفزنا على القراءة والمعرفة والعلم والتي من خلالها تتحقق كرامة الإنسان وحريته.
في الحرية تقع المسؤولية، فإختيار الطالب المسلم، مثلا، ممارسة لعبة رياضية معينة وفي المقابل معارضة أهله له بحجة أن الرياضة تضييع للوقت ولا فائدة منها لمستقبله. وأن يكون للفتيات الحرية في إختيار العلم والحياة وعدم حشرهن في حجاب فضفاض وثياب ضيقة ومكياج فاقع من أجل صورة مظهرية، وليس باطن مؤمن. فيجب علينا جميعا أن نتعلم أن الدين معاملة وأن الإبتسامة صدقة..
يا سيدي الشيخ باقر، المسألة معقدة جدا، خصوصا الآن ونحن نواجه حملات شرسة ضد جوهر الدين الإسلامي، ونحن المسلمون للأسف، مختلفون حول تحديد الأول من شهر رمضان وعاجزون عن لمّ الأسرة والإحتفال بالأعياد في يوم موحد بين جميع المسلمين، وغير ذلك كثير كثير.. فقل لي، سماحتك، ما هو السبيل حقا الى تطبيق الإسلام الحقيقي وبلورة الهوية الإسلامية؟!
Leave a Reply