عواصم – كسرت مجزرة الحولة حالة “الستاتيكو” التي كانت تشهدها الأزمة السورية في مسارتها الداخلية والخارجية، لترتفع مع المجزرة المروعة وتيرة الهجوم الغربي-العربي على دمشق بذريعة الدفاع عن المدنيين ملوحة بإعلان فشل “خطة أنان”. ورغم أن جميع المؤشرات تدل على أن المجزرة التي راح ضحيتها ٩٦ مدنياً معظمهم من الأطفال والنساء، كانت بهدف تضييق الخناق الدولي على النظام السوري وإحراج موسكو وبكين من خلفه، استغلت واشنطن وحلفاؤها هذا التطور الدامي لتشن حرباً دبلوماسية منظمة على دمشق وصلت الى حد التلويح بالحرب عليها دون موافقة مجلس الأمن.
ولكن سرعان ما أحبطت الهجمة الأميركي بتأكيد روسيا على موقفها الثابت في دعم النظام السوري الذي اتهم بدوره المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة بالمال والسلاح من دول خليجية والمغاطاة أميركياً.
التراجع الأميركي تمثل بتحديد وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لاحقاً، في استعراض هو الاول من نوعه بالنسبة لمسؤول اميركي رئيسي، أسباب الامتناع الاميركي عن اعتماد الخيار العسكري ضد دمشق، موضحة أن الجيش السوري قوي وهناك امكانية سقوط عدد كبير من الضحايا، والقلق من الموقف الايراني، وغياب التأييد الدولي لخطوة من هذا النوع بسبب معارضة روسيا والصين إمكانية صدور قرار في مجلس الأمن الدولي، لكنها حملت موسكو مسؤولية احتمال اندلاع حرب أهلية فيها.
وعن إمكانية أن تدرس واشنطن التحرك بشأن سوريا من دون قرار صريح من مجلس الأمن، وهو احتمال ألمحت إليه المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس قبل يوم واحد من خطاب وزيرة الخارجية الأميركية في كوبنهاغن، أعلنت كلينتون ان واشنطن تخطط لكل الاحتمالات، لكنها تؤيد بقوة خطة انان “في الوقت الحالي”.
أما البيت الابيض، فقد اعلن بعد ساعات من إجراء الرئيس الأميركي باراك اوباما محادثات مع زعماء فرنسا وألمانيا وايطاليا حول الوضع في سوريا، ان واشنطن تضع، خلال اتخاذ القرار، مصالحها القومية و”لا يمكنها انهاء جميع الفظائع في العالم”.
ومن جهة موسكو، أكدت مصادر مختلفة ان الروس ابلغوا معارضين سوريين رفضهم نعي خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي أنان قبل العثور على بدائل. وقال دبلوماسي روسي للمعارضين السوريين إن موسكو تعمل بجد أكبر للإعداد لمؤتمر دولي حول سوريا، وهو أمر ليس بجديد. لكن المؤتمر، الذي يعكف عليه الدبلوماسيون الروس، يلقى للمرة الأولى تفهما أميركيا، يعكس التقارب بين موسكو وواشنطن على حد أدنى جوهري. وبحسب المعارضين يعتزم الروس إشراك انان في الدعوة إلى عقد ذلك المؤتمر الذي ينبغي أن يكون متوازنا وشاملا، ويجمع المعارضة والنظام.
وفي باريس، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو ان بلاده “تدعم خطة أنان من دون أن تغلق الباب امام اي خيار” توافق عليه الأمم المتحدة، مستبعدا بذلك على ما يبدو تحركا خارج هذا الإطار كانت أثارته رايس. واعتبرت المستشارة الألمانية، قبل يوم من اجتماعها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ان موسكو تعاونت “بطريقة بناءة” حول سوريا في مجلس الأمن، بينما دعا السفير الروسي لدى الاتحاد الأوروبي فلاديمير تشيكوف القادة الغربيين الى ابداء ضبط النفس “بهدف تجنب طريق التصعيد الخطر او التدخل العسكري”.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أمام “منتدى شركاء تحالف الحضارات” المنعقد برعاية الأمم المتحدة في اسطنبول، إن “المجازر كتلك التي وقعت في نهاية الأسبوع الماضي يمكن أن تغرق سوريا في حرب أهلية كارثية: حرب أهلية لن تتمكن من الخروج منها”. ووصف المراقبين الدوليين بأنهم “عيوننا وآذان المجتمع الدولي”، موضحا أنهم موجودون في سوريا “كي تتم محاسبة مرتكبي الجرائم”. وأضاف “لسنا هنا للعب دور مراقب متفرج لفظاعات لا توصف”.
وسارع المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي إلى الرد عليه. وقال “نحن نريد منه عوضا من ان يبشر بالحرب الاهلية ان يقرأ وثيقة التفاهم التي وقعناها مع فريق الامم المتحدة والتزمنا بوقف العنف والتهدئة والحل السياسي ليعرف انه من الافضل ان يتكلم على التزامات الآخرين المعطلين لفريق المراقبين الدوليين”.
المجزرة
وأعلنت دمشق أن التحقيقات الأولية في مجزرة الحولة أظهرت أن جماعات إرهابية مسلحة هي التي ارتكبتها، بهدف تشجيع التدخل العسكري الأجنبي ضد الحكومة، مشيرة إلى أن القتلى هم من المسالمين، الذين يرفضون حمل السلاح ضد الحكومة.
وقال العميد قاسم جمال سليمان، رئيس لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة، في مؤتمر صحافي في دمشق، إن “استنتاجات التقرير الأولي الصادر عن لجنة التحقيق القضائية المكلفة التحقيق في مجزرة الحولة أكدت أن جميع ضحايا المجزرة كانوا من عائلات مسالمة، رفضت الوقوف ضد الدولة ولم تقم يوما بالتظاهر أو حمل السلاح، وكانوا على خلاف مع المجموعات الإرهابية المسلحة، وأن الضحايا قتلوا بأسلحة نارية من مسافة قريبة وأدوات حادة، وليس عن طريق القصف”.
وأضاف “بينت الاستنتاجات الأولية أن المجموعات الإرهابية المسلحة التي تجمعت في الحولة قامت بتصفية الضحايا خلال الهجوم على قوات حفظ النظام التي لم تدخل المنطقة التي وقعت المجزرة فيها، وأن عددا من الجثث يعود للإرهابيين الذين قتلوا في الاشتباك مع قوات حفظ النظام”.
وتابع سليمان إن “الأساس الذي استندت عليه لجنة التحقيق هو إفادات شهود العيان التي يمكن التأكد منها بشكل مباشر، وهي متاحة من قبل أشخاص معنيين شهدوا هول هذه المجزرة المروعة، وسيظهر قسم منهم فقط على شاشات وسائل الإعلام. كما استند التقرير الأولي إلى دلائل ووقائع لها علاقة بالهجوم المسلح الذي تعرضت له قوات حفظ النظام في البلدة”.
ومن جهته، أكد مقدسي أنهم “يهدفون من خلال ارتكابهم الجرائم المتعددة إحداث فتنة يبغضها جميع السوريين”، مشيرا إلى أنه “من الغرابة أنه في الوقت الذي قدم به أنان إلى سوريا قامت واشنطن والدول الغربية بطرد السفراء السوريين”. وأضاف “التواصل بيننا وبين فريق المراقبين الدوليين يومي، ونبلغهم بكل المعطيات، ونحن في سوريا نقوم بكل ما يترتب علينا من التزامات، لكن الأطراف الإقليمية والمعارضة لا تريد تنفيذ التزاماتها إزاء خطة انان”.
إسرائيل: طرد السفراء السوريين لايكفي
من جهته، دعا وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك، الأربعاء الماضي، العالم إلى اتخاذ موقف أكثر شدة مع الرئيس السوري بشار الاسد قائلا انه يشك في ان يكون الاسد قد “قض مضجعه” طرد سفرائه من عدد من الدول بسبب مذبحة الحولة. وقال باراك في كلمة ألقاها في معهد دراسات الامن القومي بتل ابيب “هذه الاحداث في سوريا تجبر العالم على التحرك لا الاكتفاء بمجرد الاقوال بل التحرك. هذه جرائم في حق الانسانية وعلى المجتمع الدولي الا يقف مكتوف اليدين”(!). ورحب باراك بطرد الدبلوماسيين السوريين من عواصم غربية واصفا ذلك بانه “خطوة مهمة جدا على الطريق الصحيح” عقب مجزرة بلدة الحولة. لكنه استطرد قائلا “لا اعتقد ان الاسد جفاه النوم الليلة البارحة بسبب رحيل هؤلاء القوم (السفراء)…هناك حاجة الى تحرك ملموس بدرجة أكبر”. ولم يحدد وزير الدفاع الاسرائيلي الخطوات الاضافية التي يريد ان يتخذها الغرب.
واتخذت الكثير من الدول الغربية من المجزرة التي وقعت في الحولة في حمص ذريعة لشن حملة طرد منسقة للدبلوماسيين السوريين على أراضيها. وطلبت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا واسبانيا وايطاليا وهولندا وبلغاريا واوستراليا وكندا وسويسرا من السفراء والدبلوماسيين السوريين المغادرة ردا على مجزرة الحولة.
خطة أنان ومجلس الأمن
وكانت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس قالت الأربعاء إنه إذا لم يتخذ مجلس الأمن الدولي إجراءات سريعة للضغط على سوريا لحملها على إنهاء حملتها التي مضى عليها 14 شهرا على المعارضة فإن الدول الأعضاء في المنظمة الدولية قد لا تجد أمامها من خيار سوى التحرك خارج إطار الأمم المتحدة.
غير ان السفير الروسي فيتالي تشوركين قال ان موسكو التي تملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن ترفض فكرة زيادة الضغط على دمشق من خلال فرض عقوبات للامم المتحدة. وقال تشوركين “بصراحة موقفنا من العقوبات ما زال سلبيا”. واضاف ان موسكو تريد ان تكف البلدان عن تزويد المعارضين السوريين بالسلاح. وعبر أيضا عن القلق لتزايد وجود متطرفين في سوريا.
وسئل تشوركين عن امداد روسيا حكومة الأسد بالسلاح فقال “الأسلحة التي ربما قدمناها لسوريا بموجب تعاقدات مختلفة أبرمت منذ وقت طويل تتمشى تماما مع القانون الدولي ولا تساهم في العنف المسلح الحالي في سوريا”.
وشكا السفير السوري بشار الجعفري من العقوبات الأحادية الاميركية والأوروبية وغيرها ووصفها بانها “أفعال لا تبالي بالعواقب”.
وبدوره، وصف المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا كوفي انان، القضية السورية “بالمعقدة”، داعيا إلى “تضافر الجهود والتعاون مع مختلف الجهات والدول لمواجهة هذا الوضع وإيجاد طرق لإنهاء ووقف القتل”، فيما حذر نائبه جان ماري غيهينو من أن عسكرة النزاع ستحمل عذابات هائلة للسوريين، مكررا الدعوة للمعارضة لإجراء مفاوضات سياسية لحل الموضوع، وذلك بعد أن أبلغ مجلس الأمن الدولي أن “الاتصال المباشر بين الحكومة والمعارضة مستحيل حاليا”.
والتقى انان في دمشق الأسد ووزير الخارجية وليد المعلم والمستشارة الرئاسية بثينة شعبان، واستقبل في مقر اقامته ممثلين عن عشائر سورية، ووفدا من هيئة التنسيق الوطنية. كما التقى ممثلين عن المنظمات الإنسانية الموجودة في سوريا، وعقد اجتماعا مطولا مع وفد المراقبين الذي يرأسه الجنرال مود.
وأوضح الأسد أن “المجموعات الإرهابية المسلحة صعدت من أعمالها الإرهابية، في الآونة الأخيرة، بشكل ملحوظ في مختلف المناطق السورية، ومارست أعمال القتل والخطف بحق المواطنين السوريين، بالإضافة إلى عمليات السلب والاعتداء على المنشآت العامة والخاصة، عبر احراقها أو تخريبها”. وشدد الأسد “على ضرورة التزام الدول التي تقوم بتمويل وتسليح وإيواء المجموعات الإرهابية بهذه الخطة، واختبار توفر الإرادة السياسية لدى هذه الدول للمساهمة في وقف الإرهاب”. وأكد لانان “أن نجاح خطته يعتمد على وقف الأعمال الإرهابية ومن يدعمها ووقف تهريب السلاح”.
Leave a Reply