صدق الإمام علي عليه السلام عندما قال “سيأتي من بعدي زمان ليس فيه أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل”.
مما لاشك فيه ان المؤمنين الذين عاصروا الإمام علي (ع) شعروا بالغبن والألم، لوقوف بعض الصحابة دون وصوله الى الخلافة. وقد توارثت الاجيال خلافات وضغائن الاقدمين وبثت الفرقة والقتال بين السنة والشيعة في وتيرة متزايدة تنذر اليوم باندلاع فتنة قد تؤدي الى حروب وقتال وتطهير دموي. كل ذلك من أجل خلاف عمره أربعة عشر قرناً، تمحور حول حق الإمام علي بالخلافة، وعن قدسية آل بيت النبي محمد عليه الصلاة والسلام. فهُدرت الدماء وأُلفت الكتب والمجلدات لإثبات أحقية هذا الطرف أو ذاك.
هذه الأيام، وبمناسبة مولد الإمام علي (ع)، تقام المآدب وتنصب الولائم وتتسع المنابر لخطب رجال الدين الملتحين والمعممين، الكثيري الإيمان، لترديد البراهين والدلائل على “الخطأ التاريخي” الذي ارتكبه اصحاب الرسول بحق علي وأهل البيت (ع)، ولكن الخطير في بعض الحالات هو الأسلوب المملوء بالضغينة والكره والنبذ لمن يخالفونهم في المذهب والمعتقد الديني.
وفي نظرة سريعة الى “أولاد عمنا”، اليهود، وتاريخهم الغابر لا نسمع قط عن وجود أزمة خلاف بلغت حد التقاتل بين السفرديم والأشكيناز، رغم اختلافهم في أغلب مبادئ الدين اليهودي واللاهوت وطريقة العبادات. بل ظلّ اليهود متماسكين واضعين إنشاء ”الدولة اليهودية” نصب أعينهم.
عندنا، وحتى في هذا الوقت الذي غزت فيه الاتصالات والمعلومات والحريات الفضاء البشري، تجد أن أغلب الأقوال والخطابات، التي يطلقها بعض العلماء ورجال الدين، تعود الى عقلية قرون مضت، ينبشون منها الف دليل وبرهان من هذا الكتاب التاريخي أو ذاك على إمامة علي (ع)، وانه أولى بالخلافة بعد الرسول، وقليلون جداً من يحدثون الناس عن إنسانية الإمام علي وشخصيته العملاقة في نشر المحبة والعدالة بين جميع الناس على اختلاف قومياتهم وأديانهم. وترى الكثيرين من أصحاب العمائم يحصرون ذكره في نطاق من الطائفية والعنصرية وهو العظيم الذي انتصر به نور الوجدان على ظلمة الطمع بالخلافة، وهو القائل “الإنسان أخو الإنسان، يتأمله ويسد حاجته”، وهذا القول يساوي كل الخطب والغلو في تعظيم الإمام الذي لم يظلمه أحد بقدر غلواء محبيه.
الحقيقة الساطعة أن الإمام، كان ولايزال، صوت العدالة الإنسانية، وحامل القيم الكريمة في نظر أنصاره وأعدائه. وقد قضى غريباً وشهيداً وأباً للشهداء، ولكنه عظيم مثل الأنبياء والأنقياء الذين عانوا القهر والظلم ابتداءً من النبي نوح وحتى النبي محمد، عليهم السلام جميعاً، ومثل عمار بن ياسر وأبا ذر الغفاري وغاندي ومارتن لوثر كينغ وموسى الصدر وعباس الموسوي وغيرهم ممن يعلون بالموت، بينما أعدائهم يصغرون بالعيش.
لفتة بسيطة لبعض العلماء، ورثة الدين، ممن لم يذوقوا طعم الفقر، ولايقلقهم الوضع المعيشي ودفع فواتير السكن ولا يهمهم بؤس المستقبل: بدلاً من إقامة مآدب الأكل والخطابات لمولد الإمام علي، وهو الإنسان العابد الزاهد، أن يكون يوم مولده يوم صلاة وصيام ودعاء وصمت، شرط أن يبدأوا بأنفسهم.
Leave a Reply