دمشق – تستعد الساحة السورية لتاريخ حاسم في مطلع تموز (يوليو) القادم سيحدد مسار الأزمة الدموية التي تمر بها البلاد. ففي هذا التاريخ تنتهي مهمة المبعوث الدولي كوفي أنان والمراقبين الدوليين، ما يعني فتح الطريق أمام تغيرات على الساحة الميدانية والسياسية والدولية.
وفي حين طغى حديث “الحرب الأهلية” على لسان الغرب في توصيف ما يجري في سوريا، استمر نزيف الدم السوري، وسط محاولات للمجموعات المسلحة لكسب مزيد من المناطق في غضون هذا الشهر. ولكن الجيش وقوات الأمن السورية تمكنت من صد محاولات احتلال قاعدة للدفاع الجوي في حمص في حين تمكن المسلحون من استهداف خزانات وقود الجيش في ريف دمشق التي شهدت مطلع الأسبوع الماضي اشتباكات هي الأولى من نوعها من حيث حدتها، لكن التقارير الإخبارية أكدت أن الأمن السوري تمكن من صد عدة هجمات متزامنة وأوقع بالمسلحين خسائر في حمص واللاذقية وريف دمشق.
وأبدت سوريا استياءها الشديد من تصريحات وكيل أمين عام الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام هرفيه لادسو التي وصف فيها ما يجري من عنف على الأرض السورية بـ”حرب أهلية”، ونشرت وزارة الخارجية الـسورية بياناً عبر وكالة “سانا” يدعو الأمم المتحدة لـ”الموضوعية والدقة” في توصيف الواقع السوري
سياسياً، ينطلق (مع صدور هذا العدد) اجتماع في اسطنبول للمعارضة السورية في الخارج، وعلى رأسها “المجلس الوطني السوري”، في محاولة “أخيرة لضمّ”” القوى المعارضة الاخرى إلى هذا التجمع، وتمهيدا للتعامل مع مسار إنقاذ خطة كوفي أنان، الذي بدأ يتخذ صيغة ملموسة بعد الحديث عن موعد لمؤتمر دولي في 30 حزيران الحالي، في ظل تزايد المؤشرات إلى انفتاح غربي على إشراك ايران في إدارة الملف السوري.
وأكد رئيس “المجلس الوطني السوري” الجديد عبد الباسط سيدا، أن الحل اليمني لا ينطبق على الحالة السورية. وقال “نعمل لإقرار قرار أممي جديد تحت الفصل السابع في الأمم المتحدة حول الوضع في سوريا”. كما أشار إلى أنه “لا يمكن تحديد الفترة التي سندخل خلالها سوريا”، موضحاً في الوقت نفسه “بلغنا مرحلة الحسم والدليل هذا الإجرام الذي يقوم به النظام”.
التجاذب الدولي والإقليمي
في المقابل، قالت مصادر ديبلوماسية إن القوى المعنية بالاحداث السورية تعمل في اتجاه عقد لقاء ازمة حول سوريا في جنيف في 30 حزيران الحالي، لإعادة احياء خطة كوفي انان، على الرغم من معارضة غربية لإشراك ايران التي تصر موسكو على ضرورة مشاركتها.
وقال ديبلوماسي إن “الموعد ليس مؤكدا، لكن العمل يتم في اتجاه 30 حزيران”، بينما أكد ثان “نعمل على أساس هذا الموعد لكن الامر ليس مؤكدا بعد”.
من جهته، حث وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ روسيا وايران على ممارسة نفوذهما على سوريا. والتقى هيغ مع نظيريه الروسي والايراني في كابول على هامش مؤتمر حول مستقبل افغانستان وأكد ضرورة تطبيق خطة كوفي انان.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية البريطانية ان “وزير الخارجية طلب من روسيا ممارسة كامل نفوذها على النظام السوري للتوصل الى حل سلمي للوضع من خلال عملية سياسية”. وأضاف البيان ان هيغ ابلغ نظيره الروسي سيرغي لافروف انه يرحب مبدئيا بخطة موسكو لعقد مؤتمر دولي بشأن سوريا، الا انه قال ان مشاركة ايران في المؤتمر “قد لا تكون ممكنة”. وذكرت وزارة الخارجية ان هيغ دعا ايران في لقاء وصفته بانه وجيز، الى “استخدام نفوذها لدعم التطبيق التام لخطة انان”.
أما الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند فقال إن قمة مجموعة العشرين في المكسيك الأسبوع المقبل، ستشكل فرصة لمحاولة ايجاد تسوية مع روسيا حول الحل السياسي في سوريا. وقال هولاند بعد لقائه رئيس الوزراء الايطالي ماريو مونتي “يجب أن يكون هناك في مجموعة العشرين بحث مع روسيا عن حلّ سياسي… وهذا يعني انتقالا سياسيا”.
وعبرت وزارة الخارجية الصينية عن تحفظات بشأن اقتراح فرنسي لفرض خطة مبعوث أنان ضمن الفصل السابع، وقالت إنها تعارض أي أسلوب “يميل إلى العقوبات والضغط”. ولم يرد المتحدث باسم الخارجية الصينية ليو وي مين مباشرة على سؤال بشأن الاقتراح الفرنسي خلال الافادة الصحافية المعتادة لكنه بدا أنه لا يرفضها كلية قبل أن يوضح إحجام بكين. وقال ليو “نعتقد أن تصرفات المجتمع الدولي إزاء سوريا يجب أن تفضي إلى تحسن الأوضاع هناك وتفضي إلى حل سياسي للأزمة السورية. ترفض الصين أسلوب الميل للعقوبات والضغط”. وأضاف “نعتقد أنه في ظل الظروف الحالية فإن كل الاطراف يجب أن تدعم بهمة جهود المبعوث انان للوساطة ونحث كل الاطراف في سوريا على تنفيذ قرار مجلس الامن التابع للامم المتحدة واقتراح أنان المكون من ست نقاط”. وردا على سؤال بشأن تصريحات حكومات أخرى من بينها روسيا بأنها قد تقبل تنحي الرئيس السوري بشار الأسد قال ليو “قلنا في مرات كثيرة إن الصين لا تفضل أي طرف بشكل متعمد ويجب أن يحدد الشعب السوري طريق النمو والنظام السياسي في سوريا”. كما أكدت روسيا أن بقاء الأسد أمر متروك للشعب السوري عبر الانتخابات.
شن ضربات جوية سيقلب المعادلة
ومن جهته، رأى عضو مجلس الشيوخ الأميركي السناتور جو ليبرمان أن شن ضربات جوية على سوريا سيقلب المعادلة، داعياً إدارة الرئيس باراك أوباما إلى التحرك في هذا الاتجاه. وقال السناتور المستقل خلال جلسة شارك فيها إلى جانبه زميله جون ماكين أحد أبرز مؤيدي القيام بتدخل عسكري في سوريا، “إذا أردنا بالفعل المساعدة على قلب المعادلة بسرعة سنستخدم كأميركيين وحلفاء، القوة الجوية وسنوجه ضربات لأهداف مهمة للحكومة السورية، وأعتقد أن هذا الأمر سيهز إرادته”. وانتقد عضوا مجلس الشيوخ موقف إدارة أوباما التي تستبعد الخيار العسكري لحل الأزمة.
إيران تؤكد جاهزية محور المقاومة
وفي سياق متصل، قام وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بزيارة سريعة وخاطفة إلى طهران أرادت موسكو من خلالها إيصال رسائل على غاية من الأهمية في عدد من المواضيع الثنائية والإقليمية، أهمها توجه حديث لقيادة الكرملين الجديدة يعتبر إيران “حليفا إقليميا قويا” وأن روسيا “لن تتخلى عنها”. كما تهدف الزيارة إلى “الوقوف على وجهة نظر القيادة الإيرانية إزاء حل الأوضاع في سوريا”. في المقابل، تحدثت مصادر إيرانية عن رسائل للضيف عن “جاهزية محور المقاومة” من فلسطين إلى ما بعد إيران لأي طارئ في ظل “الحديث عن ضربة عسكرية خاطفة” توجه إلى سوريا مع “زلزال إعلامي ونفسي” لاختبار مدى تماسك النظام السوري ليتم على أساس النتيجة رسم ملامح المرحلة التالية.
وجاءت زيارة لافروف التي رتبت على جناح السرعة لتأكيد التوجه الجديد للقيادة الروسية إزاء طهران من جهة والوقوف على وجهة نظرها لحل الأزمة السورية من جهة ثانية. وللمرة الأولى توجه روسيا اتهاما صريحا للولايات المتحدة الأميركية “بتزويد المعارضة السورية بالسلاح لإسقاط الحكومة السورية” وهو ما يثير قلقها من تكرار النموذج الليبي وتداعياته الخطيرة.
Leave a Reply