بروكسل – دخلت أزمة منطقة اليورو مرحلة شديدة الحساسية مع انتشار عدوى الديون في أكثر من بقعة وتهديداً جدياً للاقتصاد الإسباني في حين تصاعدن التوقعات باحتمال خروج اليونان من منطقة اليورو بعد الانتخابات العمومية المقررة في السابع عشر من الشهر الجاري. وقد أقرت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، بأنه قد طُلب منها تقديم مشورة قانونية لخطط طارئة بشأن خروج اليونان من اليورو. وخفضت وكالة “موديز” تصنيف إسبانيا السيادي ثلاث درجات دفعة واحدة، الأربعاء الماضي في ظل ضعف الاقتصاد، ومحدودية فرص وصولها إلى أسواق رأس المال، فضلا عن عبء الديون المتزايد.
وأوضح المتحدث باسم المفوضية أوليفر بيلي أن السلطات في بروكسل تتعامل “منذ أسابيع عدة” مع تساؤلات بشأن العواقب القانونية “لسيناريوهات متوقعة لخروج دولة من منطقة اليورو”. وأضاف بيلي أن من المرجح أن يستلزم خروج اليونان فرض ضوابط على نقل الأموال والسيطرة على الحدود للحؤول دون نقل كميات من اليورو خارج البلاد قبل تحويلها للعملة الوطنية اليونانية (الدراخمة) الضعيفة.
وبيّن أن مثل هذه الضوابط غير ممكنة التطبيق لأسباب اقتصادية، وإنما ستقوم على نظام عام محدد للغاية وعلى أسس أمنية.
في هذه الأثناء يستعد اليونانيون للعودة للانتخابات العامة في انتخابات تثير مخاوف بين القادة الأوروبيين بأن يتم اختيار الحزب الذي يسعى لإخراج أثينا من منظومة اليورو والعودة للدراخمة. وقبل أيام من الانتخابات، تبدو المنافسة على أشدها بين اليمين واليسار الراديكالي لتولي مقاليد السلطة في البلد البالغ عدد سكانه 11 مليون نسمة والرازح تحت أزمة ديون جعلت منه الحلقة الأضعف في الاتحاد الأوروبي.
وتشتد المنافسة الانتخابية بين رئيس حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ أنطونيس ساماراس (62 عاما)، وزعيم حزب سيريزا من اليسار الراديكالي ألكسيس تسيبراس (37 عاما). ويقدم ساماراس نفسه على أنه ضامن لبقاء اليونان في منطقة اليورو، غير أنه يبدي رغبة في إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية المبرمة مع الدائنين (الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي) التي فرضت على اليونان خطة تقشف صارمة لقاء الحصول على حزمة إنقاذ مالي.
أما تسيبراس فقد صرح بأنه في حال فوزه بالانتخابات سيلغي اتفاق حزمة الإنقاذ المالي، أو يراجعها بشكل جذري من خلال التفاوض مع الدائنين، الذين ردوا بأنهم غير مستعدين لأي تفاوض جديد بشأن الحزمة.
وقد بلغت المساعدة المقررة لليونان حتى الآن 347 مليار يورو، قرضان قيمتهما 110 و130 مليارا حتى 2015 وشطب ديون تبلغ 107 مليارات، التي تمنح لليونان في غضون سنتين، أي ما يوازي إجمالي الناتج المحلي مرة ونصف المرة.
ومنذ ذلك الحين، تبدو اليونان على حافة الإفلاس، وبلغت المؤشرات معدلات مقلقة، فإجمالي الناتج المحلي تراجع 6,5 بالمئة والبطالة بلغت 21,9 بالمئة، وعائدات الموازنة تقلصت 1,7 مليار يورو.
من جانبه، أكد رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي أن الاتحاد الأوروبي سيبذل قصارى جهده من أجل بقاء اليونان في منطقة اليورو، مضيفا أن بقاء اليونان بالمنطقة يتطلب التزامها بشروط برنامج الإنقاذ. وذكرت المستشارة أنجيلا ميركل، زعيمة أقوى دول منطقة اليورو اقتصادياً (ألمانيا)، أن شرط بقاء اليونان في اليورو هو أن تحترم حكومتها المقبلة المذكرة الموقعة مع صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية.
أما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند فأكد على ضرورة وضع اليونانيين أمام مسؤولياتهم، مشيرا إلى ضرورة الانتباه إلى ما ستنتجه الانتخابات العامة المقبلة التي ستترتب عنها عواقب مهمة لليونان ولأوروبا.
أزمة إسبانيا
وخفضت وكالة “موديز” تصنيف الديون السيادية الطويلة الأجل لإسبانيا ثلاث درجات من (AAA) إلى (BAA3) مما يعني أن درجة واحدة فقط باتت تفصل سندات رابع أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو عن صفة استثمارات المضاربة، وهي الدرجة التي لا يوصى بالاستثمار عندها بسبب زيادة المخاطر، مما يؤكد عمق الأزمة المالية التي تمر بها مدريد.
وحذرت “موديز” من أن هذا التصنيف قد يتراجع إلى مستوى سندات المضاربة في غضون ثلاثة أشهر على الأكثر، وهي الفترة القصوى التي ستجري خلالها الوكالة مراجعة لتقييمها درجة مخاطر الاستثمار في هذا البلد.
وعزت الوكالة تخفيض تصنيف الديون السيادية لإسبانيا إلى اعتزام مدريد اقتراض ما يصل إلى مائة مليار يورو (125 مليار دولار) من الاتحاد الأوروبي لتمويل عملية إعادة رسملة البنوك الإسبانية المتعثرة، وإلى الصعوبات التي تواجهها بالاقتراض من الأسواق المالية العالمية.
وكان وزراء مالية منطقة اليورو قد أجازوا الجمعة الماضية برنامج إنقاذ إسبانيا لدعم بنوكها المتعثرة، وبذلك تكون إسبانيا رابع دولة بمنطقة اليورو بعد كل من اليونان وأيرلندا والبرتغال تتلقى برنامج إنقاذ منذ تفجر أزمة الديون السيادية الأوروبية منذ نحو ثلاث سنوات.
وعن المساعدة التي اعتمدتها دول اليورو لإسبانيا اعتبرتها موديز أنها ستزيد من ثقل ديون ترزح تحتها إسبانيا التي تمر بأزمة مالية وركود اقتصادي ألجأتها لخطط تقشف خلال العامين الماضيين تسببت برفع معدل البطالة لتصل لنحو 24,5 بالمئة، وهو الأعلى بالاتحاد الأوروبي على الإطلاق. ولفتت الوكالة إلى أن الدولة الإسبانية باتت قدرتها محدودة للغاية على الاقتراض من أسواق المال، مستندة في هذا الحكم إلى استعانة مدريد بالآليات المالية التي أقرتها منطقة اليورو لمواجهة الأزمة. ولم تخف “موديز” قلقها لعدم رؤيتها أي أمل معقول بنمو اقتصادي حقيقي بالسنوات المقبلة.
وكانت مؤسسة “فيتش” الدولية للتصنيف الائتماني، بدورها، قد أعلنت بخفض تصنيف ديون إسبانيا ثلاث درجات دفعة واحدة من A إلى BBB مشيرة في حينها إلى أن مدريد بحاجة إلى ستين مليار يورو (76 مليار دولار) على الأقل لإعادة رسملة بنوكها المتعثرة. كما استند قرار خفض التصنيف الائتماني إلى حقيقة أن ارتفاع مستوى الدين العام لإسبانيا يثير القلق من تكرار سيناريو الأزمة المالية اليونانية.
وذكرت المؤسسة أن التراجع الكبير في مرونة التمويل للحكومة الإسبانية يقلص قدرتها على التدخل بشكل حاسم لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، ويزيد احتمالات الحاجة إلى دعم مالي خارجي.
يُشار إلى أن إسبانيا رابع أكبر اقتصاد بمنطقة اليورو بعد ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. ويبلغ حجم اقتصادها خمسة أضعاف اقتصاد اليونان مما يجعل أزمتها تسبب قلقا أكبر بكثير للزعماء الأوروبيين ولواشنطن.
Leave a Reply