لا مفاجاة في اندلاع الصراع بين ضواري سلطة غابة العراق. النهاية هي تحصيل حاصل البداية. وبداية الحكاية هي أن الصياد الأميركي أراد المؤازرة لاصطياد وحش الغابة. فاصطفت معه كواسر المعارضة العراقية، حينها، ففعل ما أراد.
الصياد تحول الى مروض. أقام دولة الديمقراطية. ومثل أي حكومة لمثل هكذا دولة، يجب أن يكون هناك معارضة. ولكن الكل أراد أن يحكم، وأُريد له أن يحكم. فكانت البدعة حكومة الشراكة الوطنية، ومعناها حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية، ممثلة بأحزابها لا بقواها الشعبية. والمحاصصة هذه بدورها تعني تقسيم كعكة العراق حصصاً وتناهب الموارد النفطية والعقود التجارية الحكومية المليارية، بالإضافة الى امتيازات المشاريع والمقاولات والرواتب الخيالية.
وتلك هي “الفوضى الخلاقة” التي ارتمى فيها رجال السلطة في العراق، الشرهون، الذين أنفتحت أفواههم على اتساعها لتلتهم الطُعم الشهي و.. الصنارة أيضاً، إلا من رحم ربي منهم، وعفّ وأنسحب الى الظل.
الدول الكبرى لها مصالحها، التي تختلف مع الدول الصغرى. ويمكن أن لا تتلاقى وفق مبدأ تبادل المنفعة عبر جولات تفاوض يقودها رجال أماجد، في صف كالبنيان المرصوص. ولكننا رأينا عجباً. المتصدون العراقيون يجلسون، وسكينة أحدهم في خاصرة الآخر. يتغامزون ويتلامزون لمفاوضهم على الجهة الأخرى من الطاولة، ولعابهم يسيل تشهياً لفتات موائد العمولات، لا للخير الوطني العميم.
في مثل هذه “الفوضى الخناقة”، ارتمى ابن الحكومة الثورية الإسلامية: نوري المالكي، هو وحزبه الإسلامي، الشيعي العريق. وما كان ينبغي له ذلك. بل كان على المعارض الثوري أن يديم زخم معارضته لكل انحراف مستجد ومتوقع، وأن يبقى مراقباً للسلطة، مقوماً لإعوجاجها، شاهد ضمير.
هذا الرجل المالكي، تقلب طويلاً في أتون المعارضة العراقية، حتى تصلد عوده. اجترح صعابها بثبات، لعب أدواراً أمنية خطيرة في مسيرة حزبه وتصدى لصراعات سياسية مهلكة اجتازها برشاقة وكياسة فاكتسب قلباً وأعصاباً من الفولاذ. فلم يعد يستفزه مستفز، فامتاز بمهارة اللعب السياسي الهادئ. الهدوء الذي يسبق العاصفة التي سرعان ما تثور فتكسح المزيد من الأعداء والأخوة الأعداء… بل وبعض الأخوة كذلك، والشواهد لا حصر لها.
إزاء هذه الصفات الشخصية التي تسبب القلق للشركاء السياسيين دق هؤلاء أجراس الإنذار محذرين من نذر دكتاتورية تلوح في الأفق السياسي، وقدموا البرهان تلو الآخر على مخاوفهم. بل ومضوا بعيداً جداً بطلب سحب الثقة منه واسقاطه. تناهشته الأنياب، تجرّح شخصه وحكومته لإساقطها تحت قبة البرلمان. لاذ بالصمت الماكر طويلاً وهو يعمل بدأب لتفكيك قوائم خصومه، واستمالة أفرادها بشتى صنوف الترغيب والترهيب المتوفرة، لإحباط أعداد المتكتلين ضده.
وأخيراً خرج بالمفاجأة، وطالب البرلمان بالانعقاد ليحاسب من يحاسب، كاشفاً أشد ملفات خصومه خطورة وبشاعة أمام الشعب، ثم أعقب ذلك بمفاجأة أخرى من العيار الثقيل، إذ رفض وأعلن: أنه لن يكون هناك أي استجواب له أو سحب ثقة منه، قبل أن يتم تصحيح وضع البرلمان، مطالباً بانتخابات مبكرة! أي إنه نقل البرلمان من منصة القاضي الى قفص الاتهام. واعتبرت القائمة العراقية المناوئة له: “إن هناك اضطراباً وتناقضاً في سلوك رئيس الوزراء واستخفافاً بالبرلمان”. والحقيقة، ان رئيس الوزراء لا يستخف وحسب، بل يغضب وسينكل ويتشفى. النمر الجريح عاد ليهاجم ويقطع خصومه ما استطاع الى ذلك سبيلاً. وغابة العراق السياسية تتسع لمزيد من صراع الضواري المثير والمرعب. أما الشعب فدوره أن يعاني والله الحليم المنتقم يسمع ويرى.
Leave a Reply