متطفلون على المهن أم «الجمهور عايز كده»؟!
ديربورن – خاص «صدى الوطن»
تعيش ديربورن عاصمة العرب الأميركيين هذه الأيام أجواءها الرمضانية حيث تنفض عنها روتين الأيام العادية، وتتحول أسواقها الى نقاط جذب لسكان المنطقة والولاية وحتى للزوار من الولايات المجاورةة والبعيدة.
سوء الخدمة والاستقبال! |
فمع توسع الجالية في ديربورن وانتشارها المتزايد في ديربورن هايتس أصبحت الشوارع الرئيسية في هاتين المدينتين تعج بالمطاعم والمقاهي والأفران ومحال الحلويات إضافة الى الأسواق الكبيرة التي تشهد ازدحاماً لافتاً خلال الشهر الكريم. لكن هذه الصورة الوردية لا تقدم المشهد كاملاً، حيث تتعالى في الآونة الأخيرة الاحتجاجات والشكاوى من زبائن يرتادون المتاجر والمطاعم العربية في ديربورن بسبب تدنى مستوي الخدمات وسوء معاملة الزبائن الذي يخرج أحياناً عن الحد المقبول..
الأسباب عديدة، حسب فؤاد الذي كان من سكان ديربورن قبل الانتقال للعيش في أوبرن هيلز.. «فمعظم أصحاب ومدراء المطاعم هنا لا علاقة لهم بفن الإدارة والتعاطي مع الزبائن».. ويسأل «أيعقل أن يشعر الزبون بالمنّية بعد أن يشتري هامبرغر أو صاب أو منقوشة»؟
وهناك، إضافة الى فؤاد، من يقارن بحسرة مستوى الخدمات التي تقدمها بعض المتاجر والمطاعم العربية بنظيراتها الأميركية.. ويسهب «علي» في «فش خلقه» من «المستوى المتدني للبعض ممن يُشعرون الزبون بأنه مجرد رقم جديد سيدخل في حساب غلّة اليوم»، ويضيف «نجد أن جلّ اهتمامهم هو جمع المال على حساب الزبون وكرامته.. وكأنهم لم يسمعوا بمقولة أن الزبون دائماً على حق».. أما فؤاد فيتأسف على «الطريقة المنفرة في التعامل مع الزبائن في ديربورن.. فرغم أن المطاعم والمقاهي والأفران والأسواق في ديربورن تقدم منتجات فريدة وخاصة تفوق ما تقدمه أي مطاعم وأسواق أخرى، إلا أنني أفضل أن آكل من «ماكدونالدز» على أن أذهب الى المطاعم العربية.. على الأقل هناك يلقون عليك التحية».
في وقت السحور، قابلنا أحد الزبائن عند خروجه من إحدى الأفران على شارع وورن والتي غالباً ما يوصف صاحبها بأنه «ناشف الوجه» و«لا يضحك للرغيف السخن». وعندما سألنا الزبون عن سبب مجيئه الى هذا الفرن بالتحديد رغم اعترافه بسوء المعاملة، قال وهو يحمل المناقيش والفطائر «الفرن قريب من بيتي واعتدت عليه»..
لكن في الواقع هناك أفراناً أخرى في الجوار، والتفسير الذي يقدمه «أبو حسين» لهذه الظاهرة، وهو ينفخ أرجيلته في مقهى على شارع غرينفيلد، «بعض الناس تعوّدوا على قلة الاحترام.. فلا تطلب من صاحب مصلحة شغّالة أن يعيد النظر بطريقة معاملة الزبون.. الجمهور عايز كده».
ولـ«أبو حسين» نظرية، إن صحّ التعبير، في مسألة تراجع مستوى الخدمات والمعاملة في معظم مطاعم ديربورن، فهو يقول «إدارة المطاعم وتوجيه العمال وإعداد الأطباق تحتاج لأشخاص «أولاد كار» يعني عملوا بها أباً عن جد أو درسوها… أما هنا في ديربورن قلة قليلة من أصحاب المطاعم يتمتعون بهذه الصفة.. وبصراحة هناك ثلاثة أو أربعة مطاعم فقط بـ«تبيّض الوجه» ويمكن اصطحاب الضيوف إليها»..
أما إياد، وهو شاب فلسطيني من سكان آناربر، فيعتبر الشهر الكريم فرصة لزيارة ديربورن والتبضع في أسواقها وارتياد مطاعمها، فيقول «بالنسبة لي أرى أن مطاعم ديربورن تتمتع بسمعة طيبة وبجودة ومذاق مأكولاتها.. أما الخدمة فتتراوح بين الممتازة وشديدة السوء.. وهذا ما يميز ديربورن ففيها تنوع كبير يتراوح بين المطاعم الفاخرة وصولاً الى المطاعم الشعبية».. ويتابع إياد الذي تزوج مؤخراً «زوجتي تحب القدوم الى هنا ونحن عادة نحرص على دعوة ضيوفنا من الولايات الأخرى الى ديربورن.. لاسيما خلال شهر رمضان الذي تقدم فيه المطاعم البوفيهات المفتوحة التي لا تجدها في أي مكان آخر».
وبالعودة الى الشكاوى فإنها لا تنحصر بسوء معاملة الزبون إذ هناك تأفف كبير من مستوى الخدمة.. ويعدد الدكتور محمد أمثلة على ذلك من سوء تدريب طاقم الخدمة الى اتساخ الطاولات والحمامات ويقول «ذهبت برفقة ضيفين قدما من لبنان الى مطعم من المفترض أنه مرموق، ولكنني «ندمت على الساعة التي ذهت فيها الى هناك».. فالدراما بدأت منذ اللحظة الأولى ولم تنته إلا بعد سداد الفاتورة والإنصراف من المكان».
استقبلني وما طعميني! |
وأضاف «طبعاً يقدمون الماء أولا.. الكوب كان مزيّناً بالبصمات والبقع وعندما قام النادل بصب الماء فيه «طرطشنا» دون أن يعتذر.. بل وضع الكوب على الطاولة بشكل سريع وأصدر صوتاً مزعجاً.. ثم أعاد الكرّة مع الضيفين وكأنه لم يرتكب أي خطأ.. هو لطيف لكنه لا يعلم أن ما فعله جريمة بحق الخدمة الحسنة». وتابع بالقول «المسؤولية تقع على صاحب المطعم والإدارة التي من واجبها تأهيل طاقم الخدمة للارتفاع بمستوى المطعم بدل الالتفات الى الجيبة أولاً.. ألا يعرفون أن الخدمة الجيدة تحافظ على ولاء الزبون؟».
أحد الأصدقاء كان يتناول وجبة الافطار (بوفيه مفتوح) في أحد المطاعم وطلب شوكة… انتظر ١٥ دقيقة كاملة ليتناول السلطة.. والسبب كان قلة عدد الأشخاص العاملين في المطعم بسبب نظام البوفيه المفتوح الذي يستغله أصحاب المطاعم لتقليص طاقم الخدمة. وأكد الصديق أن «أكثر من ١٠٠ شخص كان يقوم بخدمتهم نادلان فقط»..
وفي إطار آخر، يقول حسن «لقد قررت أن أكسر روتين ذهابي الدائم الى المطاعم المشهورة تلافياً للازدحام في شهر رمضان، فقصدت مطعماً جديداً لأول مرة ويا ليتني لم أفعل.. إنني أجزم بأن هذا المطعم لن يستمر طويلاً فالخدمة كانت سيئة جداً والطعام أسوأ والأسعار غير مدروسة إطلاقاً ولكن في الحقيقة كان الديكور مميزاً لكنني لا آكل الديكور».
أما «أبو رامي» فقد اشتكى من عدم نظافة أحد المطاعم المشهورة في ديربورن «الحمام كان في حالة مزرية لا تليق بسمعة ذلك المطعم.. أرضيته كانت متسخة ولا يوجد فيه مناديل.. لقد خجلت من ضيوفي القادمين من مدينة وورن والذين بدأوا ينتقدون ديربورن بسبب ما وجدوه في الحمام.. إنه أمر معيب».
لكن رغم كل السلبيات تقول «ريما» إن ما يميز مطاعم ديربورن عن غيرها هو الكرم «الأطباق كبيرة.. والأسعار معقولة»، لكن حتى هذا «الجانب الإيجابي» يعتبره «أبو حسين»، الذي كان يقلّب الجمرة على رأس أرجيلته في المقهى الواقع على شارع غرينفيلد، سلبياً «فكبر الأطباق دليل على عدم دراية بعمل المطاعم.. ففي معظم الأحيان تبقى كميات كبيرة من فضلات الطعام.. الأمر الذي يدفع الجميع الى الإحساس بالذنب».
وفي إطار آخر، تتميز بعض الأسواق العربية في ديربورن وديربورن هايتس باجتذاب أعداد كبيرة من المتسوقين لاسيما في الشهر المبارك.. ومن المعروف عن هذه الأسواق تدني الأسعار والخدمة المنظمة ولكن هذا لم يعفها من شكاوى عديدة. إذ تقول غدير وهي أم لطفلين كانا بصحبتها وهي تفرغ الأكياس الممتلئة بالبضائع في صندوق سيارتها «الأسعار هنا رائعة ولا تضاهى لكن توقع دائما أن تضاف مشتريات غير متوقعة الى الفاتورة.. أنصحك بالتحقق دائما من فاتورتك، ما عاد أحد يخاف الله حتى من يقدمون أنفسهم على أنهم حجاج بيت الله».
بدورها، تبدي سلوى امتعاضها من لافتة صغيرة زرعت وسط جبل من المكسرات كتب عليها «يرجى عدم اللمس»، وتقول سلوى «في الأسواق التي تحترم نفسها وتحترم زبائنها يوظف شخص فقط لدعوة الناس الى تذوق منتجات معينة.. فمن حق الزبون أن يتذوق الفستق أو الكاجو قبل شرائه.. ماذا لو كانت سيئة كالعادة؟». وتسأل سلوى «أين أصبحت مقولة: تفضل وتذوق فالمحل محلك»
أما أحمد فيروي قصة فيها فظاظة أكثر ويقول «دخلت مرة الى متجر صغير في ديربورن لأشتري الزيتون وعندما مددت يدي لأتذوق حبة رمقني صاحب المحل بطرف عينه وكأنه يقول: «لا بقى تعيدها».. أشعرني وكأنني جئت الى محله من أجل أن آكل زيتوناته».
أما هادي، الذي كان برفقة أحمد، فيخالف صديقه بالقول «كرم الضيافة هو القاعدة في ديربورن.. أما تصرفات البعض هي الشواذ.. فالأسواق الكبيرة هنا معروفة ويقصدها العرب من أوهايو وكندا وهي تستحق الاحترام»، وأضاف حتى الأسواق الصغيرة جيدة جداً.. ففي إحددى المرات قمت بتذوق المشمش المجفف، فقابلني صاحب المتجر اللطيف بابتسامة وقال: صحتين وهنا.. هذه هي القاعدة في ديربورن».
في المحصلة يمكن الاستنتاج أن بعض المتطفلين على العديد من المهن باتوا يشكلون عبئاً على سمعة المصالح التجارية المتنوعة في ديربورن.. وجزء من هذه المسؤولية أيضاً يقع على عاتق المستهلك الذي يتغاضى عن حقه في نيل الخدمة والمعاملة التي يستحقها مما يسمح لبعض أصحاب المصالح في التمادي في إهمال جوانب عديدة من عملهم..
يقول «أبو حسين» وهو يلف «النبريش» حول أرجيلته معلناً انتهاء الجلسة «في لبنان ينفض أصحاب المصالح جيوبك علناً، ولكنك تخرج راضياً بسبب المعاملة اللبقة».
Leave a Reply