قد لا نجد عقوقاً على مر التاريخ أكبر من عقوق السلطة السياسية اللبنانية وحركة «حماس» بوجه من أحسن اليهما وقت الشدة! فقد سمعنا في الأخبار أن ميشال سليمان بادر، من دون العودة إلى «حوت المال» الذي يفترض أنه رأس السلطة الإجرائية، إلى الطلب من وزير الخارجية عدنان منصور توجيه إحتجاج إلى السلطات السورية، وتسليم السفير علي عبد الكريم علي كتاباً «حول حادثة اجتياز (وحدات من الجيش السوري) الحدود، وتفجيرها منزلاً في منطقة القاع وتكرار سقوط قذائف على قرى حدودية لبنانية، خصوصاً في منطقة الحدود الشمالية». لم يترك سليمان فرصة تعتب عليه لإرضاء تيار «لبنان أخيراً» وقرطة «١٠ عبيد زغار» منذ سخط سعد الطائر عليه للمساعدة في تطييره من الحكم. هذا الموقف سمي «متقدماً» ضد دولة شقيقة، لها فضائل على الحكم العاق، لكنه يمارس بحقها الحياد السلبي بينما شريكه «ينعى بنفسه» الأمارة بالطعن بالخلف. إلا أن نهرو وسوكارنو لم يلتفتا إلى حقيقة أن المندوب السوري لدى الأمم المتحدة سبق له أن اتهم لبنان بأن شماله تحوّل إلى خزان للسلاح والمسلحين ضد سوريا، فرد عليه سليمان بعدم صحة معلوماته. كما لم يتأثر سليمان بإستقبال شادي المولوي السلفي «القاعدي» في منزل ميقاتي بعد أن إستخدم «صفدي تاكسي سيرفيس» ليخرج من السجن.
ومن ضمن الطبقة السياسية العفنة عديمة الضمير، يبرز في الواجهة مرة أخرى نفاق وليد جنبلاط، الذي تقيأ موقفاً سياسياً جديداً بعد أن صمت صمت القبور. لقد أثار انتباهنا هجومه على الضابطين السوريين علي المملوك وقدسية جراء خيبة امله من صمود النظام السوري بعد التفجيرالإرهابي الذي أدى إلى استشهاد أربعة من كبار ضباط وقادة سوريا، وهو الصديق الحميم لجيفري فيلتمان وأعتى عتاة «محافظي بوش الجدد». كما كان لديه الجرأة لكي ينتقد السيد حسن نصرالله بسبب نعيه الشهداء وهو الذي كسر عتبات سوريا متسكعاً على مراكز استخباراتها وشوارعها وناهلاً من خيراتها طيلة ٣٠ عاماً، كما يتسكع اليوم على أبواب آل سعود علّه يحظى بمقابلة مليكهم لكي يبرر له السبب في لحظة التجلي بعد التخلي.
بالمناسبة، بعد مؤامرة محاولة الإغتيال الفاشلة ضد الوزير السابق وئام وهاب من قبل عنصر في «الحزب التقدمي الإشتراكي» وإتهام اللواء جميل للسيد جنبلاط بإغتيال الشيخ صبحي الصالح أيام عز المليشيات، لا بد من القول إنه لو كان هناك دولة لكان حساب جنبلاط عسيراً.
لكننا نتحدث عن بلد الغاب هنا، حيث أن خريج الحبوس مطروح إسمه لرئاسة الجمهورية، و«ميكي ماوس» الفتنة المذهبية يأسر الصيداويين ويقطع أرزاقهم «ناطر ضربة كف من غيمة»!
ومن ضمن التركيبة عديمة الأخلاق، نجد الأمبراطور أشرف ريفي، فخر الصناعة الميقاتية، وهو يضع إكليلاً من الزهر على ضريح الرئيس رفيق الحريري تشفياً بمقتل العقيد آصف شوكت. فلم تفرح وتشمت بمصرع وزير الصواريخ السوري إلا إسرائيل وأشرف ريفي. أي دولة هذه تترك موظفاً على «حل شعره» فيتصرف كما تملي مرجعيته ولا يرد حتى على رئيس الجمهورية؟ وأين أصبح مصير إحالته إلى القضاء بعد عصيانه أمر مباشر من نزيل قصر بعبدا بخصوص تسليم الطبقة الثانية من مبنى وزارة الإتصالات إلى الوزير السابق شربل نحاس، أشرف وزير وطني في تاريخ لبنان الفاسد والأسود؟!
أما «حماس» فحدّث ولا حرج. فرغم ادعائها بأنها تقف على الحياد، إلا أن رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني عبد العزيز الدويك، القيادي في الحركة، قال لوكالة أنباء تركية «أرى أن النظام السوري يتهاوى وقد بات أمر زواله قريباً وكلّي أمل أن يأتي عيد الفطر وقد تخلّص الشعب السوري من نظامه ليصبح العيد عيدين، كونه نظاماً بني على باطل فهو باطل». الباطل يا دويك هو الجحود ونكران الجميل في ضوء ما كشف عنه السيد نصرالله أن صواريخ المقاومة في لبنان وغزة كانت صناعة سورية. إن في موقف «حماس» وخالد مشعل الطائر ما بين قطر وتركيا والمرتمي في أحضان الصهاينة ما يريب. والذي نتوجس منه أكثر ما تردد عن انتقال مقر حركة «حماس» إلى الدوحة في مكتب على طريق سلوى بالقرب من السفارة الإسرائيلية.
ما أمقت الثائر الذي ينكر الجميل وما أعظم الذي يحمل بعضاً من وفاء وتقدير لمن ساعده وقت الحاجة، رغم كل الضغوط المالية وغيرها. أحد أكبر ثوار هذا العصر، نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، حافظ على جميل منظمة التحرير الفلسطينية ولم يأبه لضغوط الغرب وأميركا معتبراً ياسر عرفات صديقاً. وعلى سيرة عرفات فإن فتح قناة الصرف الصحي الإعلامي القطري لملف موته بالسم النووي في هذا الظرف يقصد منه إثارة موضوع السلاح الكيميائي السوري وليس إتهام إسرائيل طبعاً. وهاهو الإعلام السعودي و«جيش لحد الحر» يهول بالموضوع أكثر من إسرائيل.
لم يعد أحد يتحدث عن الإصلاح والأمور المطلبية بين المعارضين السوريين. منذ البداية قلنا إن المطلوب ليس إسقاط النظام فحسب بل إسقاط الدولة وإرث الرئيس حافظ الأسد الذي رسخ الممانعة والصمود ودعم المقاومة في المنطقة. ولكن لا يظنن أحدٌ أن النظام السوري سيهوي لأن تداعيات سقوطه سوف تترك آثاراً مزلزلة في تل أبيب، وقطر، والسعودية وتركيا والأردن كما ستتدحرج رؤوسٌ كبيرة. فالنظام ما زال يصبر صبراً أسطورياً ولم يستعمل كل أوراقه بعد وما الورقة الكردية في وجه سياسة أردوغان الحمقاء إلا أول الغيث. فعلاً إتق شر من أحسنت إليه!
Leave a Reply