طغت الصبغة الأمنية على تطورات الأسبوع الماضي من أحداث الأزمة السورية عبر مد الحسم العسكري ليشمل مناطق عدة في البلاد بعد تأكيد إحكام قبضة الجيش على العاصمة دمشق وانتقال تركّز المعارك الى محافظة حلب التي تشهد مواجهات عسكرية طاحنة في أحياء المدينة وريفها وسط استكمال قوات النظام ضرب معاقل الجماعات المسلحة المدعومة من الغرب والدول الخليجية في كافة أنحاء البلاد.. لكن التطورات الميدانية المتلاحقة ترافقت مع تطورات بارزة على المستوى الدولي وصلت الى حد تلويح اسرائيل بإحتمال شن ضربات عسكرية ضد سوريا بعد كشف دمشق عن امتلاكها لترسانة أسلحة كيميائية وجرثومية رداً على تسريبات تفيد بإمكانية تزويد المسلحين المعارضين بقنابل دمار شامل تكتيكية قد يتم استخدامها ضد المدنيين واتهام النظام السوري بالمسؤولية عنها كما جرت العادة في كافة المذابح التي ارتكبت طوال عمر الأزمة.
مقاتل من المعارضة السورية يقف على ركام منزل مدمر في احد احياء حلب (رويترز) |
سياسياً، ومع استمرار نزيف الدم السوري واصلت الجامعة العربية، التي يقودها حالياً الثنائي الخليجي قطر والسعودية، حملتها على دمشق مطالبة الرئيس بشار الأسد بالتنحي، وسط معارضة العراق والجزائر ونأي لبنان بنفسه. في حين عززت تركيا قواتها في المناطق المحاذية لسوريا ببطاريات صواريخ أرض-جو ووحدات عسكرية إضافية. وصعّد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لهجته التهجمية على النظام السوري، ملوّحاً بعبور الحدود التي تفصل البلدين، لخلق منطقة عازلة في شمال سوريا أو استهداف حزب العمال الكردستاني، متهماً دمشق بوضع 5 محافظات سورية «في عهدة» الحزب الكردي.
أما موسكو فلم يشهد موقفها أي تحوّل، إذ اعتبرت أن المطالبة بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد، ودعم المعارضة المسلحة، يلغيان إمكانية الحديث عن «عمل إنساني»، وأعربت عن أملها في تمديد بعثة المراقبين الدوليين وتوسيعها، فيما استقدمت القوات السورية تعزيزات إلى مدينة حلب تمهيداً لشن هجوم كبير من أجل استعادة الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.
ومع إجبار الدولة السورية للمعارضة المسلحة على التراجع عن العاصمة دمشق بعد أن كبدتها خسائر فادحة، دون ان تتمكن الاخيرة من السيطرة على أي مركز من مراكز المحافظات السورية بما يؤكد قوّة الدولة وتماسكها، جاءت القرارات الاخيرة التي أصدرها الرئيس الأسد بتعيين قادة عسكريين وأمنيين لإدارة دفّة العمل العسكري على الأرض كتأكيد على استمرارية الدولة في ضرب معاقل المسلحين في كل مناطق سوريا.
مخططات اعلاميّة
بعد عملية استهداف مكتب الأمن القومي في دمشق وما ترافق معها من حملة إعلامية ممنهجة واستنهاض للخلايا المسلحة المتغلغلة في الأحياء المكتظة بالسكان في دمشق، تمكنت سوريا من استعادة زمام المبادرة سريعاً عبر خطة رد سريعة وموجعة أدت الى إفقاد مجموعات المعارضة المسلحة الى توازنها ما أدى الى تقهقرها السريع، وسط معلومات وصور تؤكد مقتل وأسر المئات من المقاتلين في أحياء العاصمة السورية بينهم حاملي جنسيات عربية متعددة.
ولم يتمكن «الجيش السوري الحر» من فرض نفسه في ما أسماه معركة «بركان دمشق» فحاول استعادة توازنه أولا عبر استهداف معابر حدودية لا يزال يحتفظ باثنين منها على الحدود التركية، وثانيا عبر إشعال مدينة حلب وريفها من خلال استنهاض الخلايا المسلحة وشن هجمات على مراكز حكومية وعسكرية وأمنية لإرباك الجيش السوري وتجريده من زخم الحسم السريع الذي حققه في دمشق.
وبحلول يوم الجمعة، كانت حلب، كما دمشق، تشهد عمليات نزوح كبيرة، حيث امتلأت الساحات العامة والمدارس بالهاربين من الأحياء التي تغلغل فيها مسلحو المعارضة وحرصوا على تحويلها الى ساحات قتال ودمار.
ووسط التطورات الميدانية المتلاحقة التي طالت أيضاً دير الزور ودرعا سرت مخاوف في سوريا حول خطة معدة لإسقاط النظام تلفزيونياً، كما حصل في طرابلس الغرب، وذلك عبر ايقاف بث القنوات الفضائية السورية وبث الخوف والفوضى بين صفوف المواطنين.
التجاذبات الدولية والأسلحة الكيميائية
دولياً، انسحب التصعيد الاعلامي ليشمل مسألة الأسلحة الكيميائية التي تملكها سوريا والتي تحظى بحراسة عسكرية وأمنية مشددة. وقد هددت سوريا عبر الناطق باسم خارجيتها د. جهاد المقدسي باستخدام هذه الاسلحة بمواجهة عدوان خارجي. وأكد المقدسي إن «أي سلاح كيماوي أو جرثومي لن يستخدم في الداخل خلال الأزمة التي تشهدها سوريا حالياً» معتبرا أن «الحديث عن إمكانية إستخدام أسلحة دمار شامل داخل سوريا هو حملة إعلامية خارجية موجهة تتعرض لها سوريا».
وقد أثار الحديث السوري حول مخزون السلاح الكيماوي جدلاً كبيراً، بما دفع اسرائيل الى التهديد بتوجيه ضربة عسكرية لتدمير الاسلحة الكيميائية السورية والتحذير من نقلها الى «حزب الله» اللبناني، في حين أكدت روسيا بأنها حصلت على تأكيدات قوية من النظام في سوريا بأن الأسلحة الكيميائية «مؤمنة جداً» بعد أن أبلغت موسكو دمشق بعدم قبول التهديد بالأسلحة الكيمياوية.
ومن ناحيته أكد رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس أنه من الصعب أن توجه إسرائيل ضربة دقيقة إلى مخازن الأسلحة الكيميائية في سوريا، محذرا من أن ضربها بأي شكل أخر قد يورط الدولة اليهودية في نزاع إقليمي على نطاق أوسع.
وردا على تصريحات الخارجية السورية، قال المتحدث باسم «البنتاغون» جورج ليتل إن على السوريين «ألا يفكروا حتى ولو لثانية واحدة باستخدام الأسلحة الكيميائية»، واصفا هذا الاحتمال بأنه «غير مقبول». وأضاف ليتل «عندما يقوم مسؤولون سوريون بالتطرق أمام الصحافيين الى الاسلحة الكيميائية فالأمر يثير القلق» مضيفا «نعارض بشدة أي تفكير قد يصل الى تبرير استخدام هذه الأسلحة من قبل النظام السوري».
وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ «من غير المقبول القول إنهم يستطيعون استخدام اسلحة كيميائية مهما كانت الظروف». وأضاف الوزير البريطاني في ختام اجتماع وزراء الخارجية الاوروبيين في بروكسل «ما يحصل في الواقع ان شعبهم يثور ضد دولة بوليسية دموية، هذا الامر لا علاقة له بعدوان من أي مكان في العالم».
وأكد نظيره الالماني غيدو فسترفيله أن «التهديد باستخدام اسلحة كيميائية امر وحشي»، لافتا الى إن هذا الامر يظهر الموقف «غير الانساني» لنظام بشار الأسد. ودعا فسترفيله في بيان «كل السلطات في سوريا الى المساهمة في شكل مسؤول في تأمين سلامة أي مخزون للأسلحة الكيميائية».
ونبّه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الى ان «هذه المنشآت تخضع لمراقبة خاصة جداً».
وفي موازاة وعود برفع مستوى المساعدات الانسانية، فرض الاتحاد الاوروبي عقوبات جديدة على النظام السوري. وفي الإجمال باتت عقوبات الاتحاد الاوروبي تشمل 155 شخصا و52 شركة او ادارة سورية.
العودة الى الدبلوماسية
وفي سياق متصّل، تردد على ألسنة مسؤولين في الدول الغربية تمنيات في الوصول إلى قرار يسمح بالتدخل في الشأن السوري من خارج مجلس الأمن خاصة بعد الفيتو الروسي والصيني الأخير الذي منع، للمرة الثالثة، فرض عقوبات دولية على سوريا أو استخدام القوة العسكرية ضدها.. ولكن التلميحات الغربية قوبلت بتحذير روسي جاء على لسان الرئيس فلاديمير بوتين الذي قال إن أي هجوم على سوريا من خارج مجلس الأمن يعني إفقاد الهيئة الأممية لقيمتها.
ومع تماسك الموقفان الروسي والصيني في وجه المساعي الغربية-الخليجية-التركية عادت الحكومات الأوربية لانتهاج أسلوب الهجوم الدبلوماسي ضد دمشق بالحديث حول ضرورة التحضير السوري لعملية انتقال سياسي تشمل تنحي الرئيس الأسد، اضافة الى لملمة المعارضة لصفوفها وتوحيدها لتشكيل حكومة وطنية. وجاء على لسان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون «أنه لم يفت بعد الأوان ليبدأ الرئيس السوري بشار الأسد عملية انتقالية للسلطة في بلاده تتيح إيجاد سبيل لوضع حد للعنف»، ولكنها أيضاً شجعت المعارضة المسلحّة الى كسب مزيد من الاراضي في الداخل السوري مشيرة الى ان هذه الاراضي «ستصبح في نهاية الأمر مناطق آمنة وتوفر قاعدة لمزيد من العمليات ضد القوات الحكومية».
محاولة انعاش بعثة المراقبة
وعلى الصعيد الأممي، ما يزال عمل المراقبين الدوليين متوقف على الارض على الرغم من تمديد مهمة البعثة شهراً إضافياً غير قابل للتجديد. وحتى الآن يبدو من الواضح أنه ليس بمقدور البعثة ان تخفف من حدة الاحداث في الداخل السوري خاصة في ظل التصعيد العسكري، على الرغم من المحاولات المتكررة لإعادة تفعيل عمل البعثة عبر التأكيد السوري على الالتزام بخطة أنان وأهمية عمل البعثة وجاء تعيين الجنرال السنغالي بابا كار غاي ليتسلم مهامه بعد انتهاء عمل قائد الفريق السابق الجنرال النروجي روبرت مود، على أن يسعى الأول الى العمل مع الاعداد القليلة للمراقبين على استغلال أي فرصة لإنهاء المعاناة على الارض مع الاخذ بعين الاعتبار مراعاة الظروف الأمنية الدقيقة في بعض المناطق.
إنشقاقات خلفها أموال قطرية؟
وترافقت هذه الأحداث مع انشقاق دبلوماسيين سوريين إضافة الى إعلان العميد مناف طلاس انضمامه للمعارضة في بيان تلفزيروني ألقاه عبر قناة «العربية» السعودية. وفي السياق أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً ردت فيه على أنباء «انشقاق سفراء» ودبلوماسيين سوريين في دول عديدة، موضحة الصفات الرسمية الحقيقية للأشخاص المعنيين بهذا الشأن وقال نص البيان: «تناولت وسائل الإعلام على مدى اليومين السابقين أخباراً لها علاقة بعاملين في وزارة الخارجية والمغتربين ممن اختاروا ترك أماكن عملهم في بعثات دبلوماسية والتوجه لعاصمة عربية معينة (الدوحة) تتولى مهمة تمويل وتشجيع هذا النوع من الموظفين على الانشقاق عن أوطانهم، مقابل عروض لم تعد تخفى على أحد نظراً لرفضها من قبل الكثيرين داخل الوزارة وخارجها».
كما رأت الوزارة في بيانها أنه «من واجب الرأي العام أن يعلم الحقائق التالية: عبد اللطيف الدباغ هو سفير سوريا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو قيد المراجعة لدى دمشق بناء على طلب من الوزارة للتشاور، وليس على رأس عمله في أبو ظبي منذ 4 حزيران الماضي». أما لمياء الحريري «فلم تحمل بالسابق ولا تحمل حالياً لقب سفيرة لسوريا، بل هي دبلوماسية تعمل في السفارة في قبرص ومكلفة بإدارة شؤون السفارة بالنيابة، أما محمد تحسين الفقير لا يحمل أي صفة دبلوماسية بل هو موظف إداري في وزارة الخارجية يعمل لدى السفارة في سلطنة عمان، وقد انتهت بعثته في السفارة منذ 21 أيار 2012 وهو في انتظار الإحالة للتقاعد خلال أشهر».
Leave a Reply