نقف على مسافة ثلاثة أيام من إستحقاق إنتخابي في غاية الأهمية. والحقيقة، أن كل المحطات الإنتخابية لها أهميتها وتأثيرها على حياتنا ومستقبلنا كجالية عربية، ولكن لهذه الجولة المنتظرة وما ستحمله من نتائج لجهة إقبال الناخب العربي أولاً وفوز المرشحين المدعومين من الجالية ثانياً، دلالات هامة تحمل طابعاً مصيرياً وقد تشكل منعطفاً في دورنا السياسي لاسيما وأنها تسبق الإستحقاق الرئاسي المحموم، ناهيك عن أنها تأتي بعد سنوات تعرضت خلالها جاليتنا الى التهميش والاستهداف حتى باتت شبه «ملطشة» للكثيرين وليس القس المتعصب القادم من مجاهل فلوريدا سوى مثال على التطاول علينا وتجاهل وزننا الحقيقي.
الاقتراع حق وواجب. ومن لا يقوم بواجباته يفقد حقوقه تلقائياً. وما أحوجنا الى حماية حقوقنا وبلورة دورنا على الساحتين المحلية والوطنية.
الاستحقاق القادم في ٧ الجاري، يفرض على كل ناخب عربي أميركي مسجّل مسؤولية حقيقية، لا تقل أهمية عن الدراسة أو العمل أو التجارة بل إنها تصب مباشرة في تحسين ظروفنا العامة كأفراد وجماعات.
ولا يخفى على أحد أننا تعرضنا خلال الـ١٢ عاماً الماضية الى حملات عزل و«شيطنة» أخّرت نموّنا كجزء فعال من المجتمع الأميركي. فكنا خلالها عرضة لتقلبات الإعلام الأميركي الذي كان يستهدفنا حيناً ويستخدمنا كفزاعة حيناً آخر ويربت على أكتافنا بين هذه وتلك كلما تطاول سفيه علينا من أمثال القس تيري جونز والمجموعات اليمينية المتطرفة وصولا الى نائب في الكونغرس الأميركي يرى فينا مصدر خطر على الأمن القومي فيعقد جلسات الاستماع تحت قبة الكابيتول في واشنطن، واحدة تلو الأخرى، ونكون فيها متهمين بدل أن نكون المدّعين على كل من يستبيح حقوقنا.
هذا الحال المزري ليس وليد الصدفة، وليس نتيجة «١١ أيلول» أو بروباغندا «الإسلاموفوبيا» فقط، بل الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على عاتقنا نحن.
نعم نحن. نحن من لا يقوم بواجبه الإنتخابي.. ونحن من يجهل حقوقه.. نحن من يحتاج الى الوعي في مجتمعنا.. نحن من استسلم للشعور بالدونية.. إذاً المسؤولية تقع علينا نحن.
إننا لا نراهن على قفزة نوعية في نسبة الإقبال، وإن كنا نتمناها وبحاجة ماسة إليها. فنحن ندرك أن دفع الجزء الأكبر من الجالية يحتاج الى حملات توعية موسّعة والى تعاون القوى والمؤسسات الفاعلة في الجالية للانخراط الفعال بالعملية الإنتخابية. ولكن، بلغة الأرقام، يستطيع الجزء الأصغر من جاليتنا، الذي يشمل الناخبين الذين سجلوا أصواتهم للاقتراع، أن يصنع الإنجاز المطلوب إذا توجه بمعظمه الى صناديق الاقتراع يوم الثلاثاء المقبل. وهذا ما نعول عليه كعرب أميركيين في ميشيغن وفي سائر الولايات الأميركية.
فالجالية في ديربورن التي باتت تشكل ٤٤ بالمئة من مجمل سكان المدينة قادرة على أن تصنع الفارق باستعادة الزخم السياسي الذي تعطل بعد أحداث «١١ أيلول».
في آب ٢٠٠١ تمكن مرشح عربي من الفوز بالسباق التمهيدي لرئاسة بلدية ديربورن، قبل أن تحل فاجعة أيلول وتقضي على آمال تقدمه في الانتخابات النهائية. واليوم بعد ١٢ عاماً أليس بمقدور العرب في المدينة تأمين فوز مرشح في تصفيات السباق على منصب قاض؟ أيعقل أن محكمة المدينة لم يعتلِ كرسي العدالة فيها قاض عربي بعد؟ أيعقل أن شرطة ديربورن ودائرة إطفائها شبه خاليتين من العرب الأميركيين؟ صحيح أننا حققنا عبر هذه السنوات إنجازات انتخابية نوعية في المجلس التربوي في المدينة، ولكن هذا ليس كافياً.. ومستقبلنا ومستقبل أبنائنا يحتاج الى أكثر بكثير من ذلك.
نحن بحاجة الى الأصوات الإنتخابية ليس فقط لننال حقوقنا التمثيلية في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والتربوية، بل نحتاجها أيضاً لتشكيل حزام أمان يقينا شر المتطفلين والمتعصبين الذين يرون فينا «مكسر عصا» و«باب رزق». يتطاولون ويتمادون في الإهانات حتى في عقر دارنا ولا يوفرون معتقداتنا ورموزنا، لا لشيء إلا لأننا تفتقد قدرة الردع التي لا يمكن توفيرها إلا من خلال المشاركة والانخراط الفعال في نظام الحياة الأميركية، ولا سيما السياسية منها التي تحكمها صناديق الاقتراع.
أعدادنا كبيرة ولكننا غير فعّالين لأن معظمنا ينأى بنفسه عن مسرح العمل العام أو يجهل أصول اللعبة. وللّعبة قواعد لا تلتفت الى أعداد المطاعم ومحطات البنزين والدكاكين والأفران والمؤسسات التي رغم أهميتها الاقتصادية والتجارية تفتقد للوزن السياسي بسبب غياب الرؤية والتخطيط والتعاون فيما بينها.
ولاشك أن غياب الفاعلية والوزن ينعكس سلباً على حضورنا في مراكز صنع القرار حتى في عاصمتنا، ديربورن، ويفقدنا شرعيتنا كأميركيين الأمر الذي يجعلنا أشبه بلاجئين أو مواطنين من الدرجة الثانية يقومون فقط بدفع الضرائب وتفعيل الحركة الإقتصادية دون أي مساهمة في صنع المستقبل.
أما على المستوى الوطني فليس أدل على غياب وزننا السياسي أكثر من تجاهل الرئيس الأميركي باراك أوباما لنا طوال سـنوات حكمه الأربع. فهو لم يكلف خاطره حتى لذكرنا عندما زار ديربورن مؤخراً.
ومن هنا تكمن أهمية المشاركة في الانتخابات التمهيدية في ٧ آب القادم. فهذه الجولة ستسبق الإنتخابات الرئاسية المحتدمة والتي ستكون ميشيغن من الولايات الحاسمة لنتائجها، مما يعني أن الصوت العربي سيكون له ثقل مرجح حتى على المستوى الوطني. ولذلك ستشكل نسبة الإقبال في الإنتخابات التمهيدية رسالة واضحة لحملتي أوباما وميت رومني عن مدى أهمية كتلة الناخبين العرب ومدى ضرورة الإلتفات لوجودهم وهمومهم وقضاياهم.
بضعة دقائق من وقتك يوم الثلاثاء المقبل ستكون كفيلة بأن تدفع مجتمعنا الى الأمام. بل المطلوب من كل الناخبين الذين يتمتعون بالوعي عدم الاكتفاء بالتوجه وحيدين الى صناديق الاقتراع، فالمصلحة العامة تقتضي بدفع أكبر عدد ممكن من الناخبين للإدلاء بأصواتهم.
لا شيء يوازي أهمية أن يكون لنا موقع على الخريطة الأميركية يحمي مصالحنا وحقوقنا ويصنع مستقبلنا.
«صدى الوطن»
Leave a Reply