دمشق – دخلت الأزمة السورية الأسبوع الماضي منعطفاً جديداً لم يعد للدبلوماسية الدولية دور فعال فيها بعد أن ارتأت القوى المتصارعة الاحتكام الى الميدان بعد أن وصلت المفاوضات بين موسكو وواشنطن الى حائط مسدود وتنحي المبعوث الأممي كوفي أنان عن مهمته في إيجاد مخرج للأزمة. وفي دليل واضح على أن المعركة العسكرية باتت بيضة القبان، وقع الرئيس الأميركي باراك أوباما وثيقة سرية تسمح بتقديم المساعدة للمقاتلين المعارضين السوريين، في ما يشكل خطوة في اتجاه التخلي عن «الحذر» في الجهود الرامية لإسقاط النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد.
ودق أنان الخميس الماضي، المسمار الأخير في نعش أشهر طويلة من محاولات التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة، فشلت كلّها في الحؤول دون الانفلات الكامل لنار العنف السوري، الذي وصل فعلياً إلى مستوى «المعركة المفتوحة» بين طرفي القتال، متجسدة بمواجهة حلب التي تبدو وشيكة، مع استقدام الجيش السوري تعزيزات ضخمة قبل شنّ الهجوم على المدينة التي نجحت المعارضة المسلحة في التمركز في العديد من أحيائها مستفيدة من رهانات اقليمية ودولية على المضي قدماً في معركة اسقاط دمشق من البوابة الحلبية.
واشنطن الى الحلبة
وأفادت محطتا «ان بي سي» و«سي أن أن» نقلاً عن مصادر لم تحدداها أن توقيع أوباما جاء في اطار ما يعرف بـ«التقرير الرئاسي»، وهي مذكرة تجيز لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) القيام بتحركات سرية. لكن مسؤولين في البيت الأبيض رفضوا التعليق على هذه المعلومات، من دون أن يستبعدوا أن تكون واشنطن تقدم للمعارضة المزيد من الدعم في «مجال الاستخبارات». ويأتي التحول الأميركي في التعاطي مع الأزمة السورية بعد فشل المحاولة الثالثة لاستصدار قرار أممي تحت الفصل السابع ضد سوريا، وذلك رغم تمكن مستهدفي النظام من قتل أربعة قادة عشية المفاوضات الأخيرة، إلا أن تلك النكسة سرعان ما انقلبت ضد المعارضة السورية مع تمكن الجيش السوري من صد ما سمته المعارضة «معركة بركان دمشق» وإلحاقه خسائر فادحة بآلاف المسلحين الذين حاولوا بث الفوضى في العاصمة بغطاء إعلامي اعتمد على بث الشائعات.
يذكر أنه بعد الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الدولي في منتصف تموز الماضي، أعلنت الولايات المتحدة عن «تحول» في سياستها تجاه الأزمة السورية، إثر اقتناعها بـ«انهيار» الحلّ الدبلوماسي واتجاه الأمور نحو التصعيد. كان واضحاً بعد ذلك أن هذا «التحول» يصبّ في مصلحة تعزيز الدعم المباشر للمعارضة، لكن ما يبدو غير واضح اليوم هو التفاصيل المتعلقة بتغيير واشنطن لاستراتيجيتها السورية. إلا أن تصريح وزير الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الذي طالبت فيه المجموعات المسلحة تحويل حلب الى «بنغازي سورية».
ومع تفوق الجيش السوري في دمشق وإرساله تعزيزات كبيرة الى محيط حلب تحضيراً للمعركة الحاسمة، حاول وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا تقديم «رشوة» للجيش السوري عشية احتفاله بعيده عندما دعا إلى الإبقاء على القوات الحكومية في سوريا متماسكة عندما يطاح بالرئيس بشار الأسد، محذرا من تكرار «أخطاء حرب العراق»، بدورها أعربت روسيا عن قلقها حيال «الوضع الحرج بحلب»، أما طهران فأكدت أنها لن تسمح «للعدو بالتقدم في سوريا».
«القاعدة» وتركيا والسعودية وقطر ومسلحون محترفون
وفي سياق متصل، تواترت خلال الأسبوع الماضي التقارير الإعلامية حول مشاركة فاعلة لعناصر أجنبية تنتمي إلى تنظيم «القاعدة» في المعارك الدائرة في سوريا بين قوات النظام ومعارضيه، وهذا ما أثبته عرض جثث لمقاتلين عرب وأجانب سقطوا في معارك صلاح الدين الواقع في الجزء الجنوبي من مدينة حلب.
وقالت صحيفة «الغارديان» اللندنية أن مقاتلي «القاعدة» فاعلون في الميدان. وقالت إن مقاتلي التنظيم نجحوا في تدريب زملائهم في ما يسمى «الجيش الحر» على تفخيخ المركبات وصناعة العبوات الناسفة الأمر الذي جعل عملياتهم أكثر فاعلية وتأثيراً وأقل تكلفة.
ومن جهة أخرى، نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر خليجية قولها إن تركيا أقامت قاعدة سرية مع حليفتيها السعودية وقطر لتقديم مساعدات حيوية عسكرية في مجال الاتصالات لمساعدة المعارضة السورية من مدينة قريبة من الحدود. وجاء تقرير «رويترز» بعد إعلان وسائل إعلام سورية من تمكن الجيش السوري من تفكيك هذه الشبكة.
وقالت «رويترز» أن إنشاء «مركز التحكم» الذي تديره جهات في الشرق الأوسط للاطاحة بالرئيس الأسد دليل على مدى تحاشي القوى الغربية بالتورط عسكريا في سوريا حتى الآن. وقال المصدر من الدوحة «إن المركز يسيطر عليه الأتراك عسكريا. تركيا المنسق المشارك والوسيط الرئيسي.. إنه هرم تركيا عند رأسه والسعودية وقطر عند القاعدة». وأضاف «الأميركيون ينأون بأنفسهم عن هذا. إذ تعمل المخابرات الأميركية من خلال وسطاء يسيطرون على خطوط الوصول للأسلحة». وحسب «رويترز» يقع المركز في أضنة وهي مدينة بجنوب تركيا على بعد نحو مئة كيلومتر من الحدود السورية وأقيم عقب زيارة نائب وزير الخارجية السعودي عبد العزيز بن عبد الله آل سعود لتركيا وطلبه إقامة المركز حسب ما قاله المصدر الخليجي. وأضاف أن الأتراك راقت لهم فكرة إقامة المركز في أضنة ليشرفوا على العمليات بتمويل خليجي.
وكشفت صحيفة «صنداي تلغراف» البريطانية أن معسكرات المقاتلين شمالي سوريا الذين يقاتلون ضد الدولة السورية ليس بينهم سوريون، بينما حذر الباحث التشيكي المعروف بيتر شنور من أن السنياريو الذي يعمل به الغرب ضد سوريا مشابه للذي نفذه ضد كوسوفو بتقديمه الدعم الإعلامي والسياسي واللوجستي والمالي والعسكري لقوى موجودة ضمن اللائحة السوداء للإرهاب واستخدام الدول المجاورة كقاعدة انطلاق لشن الهجمات. وأشارت الصحيفة إلى أن معسكرات المقاتلين شمالي سوريا ليس بينهم سوريون وتجمعاتهم تضم رجالاً من باكستان وبنغلادش والشيشان وعدداً من الجنسيات الأخرى، مؤكدة أن 40 بالمئة منهم يتحدثون اللغة الإنكليزية غير أن جنسياتهم غير معروفة.
وأوضح شنور في تحليل في صحيفة «برافو» أن ما يسمى الجيش الحر الذي تتشكل قاعدته الأساسية من أجانب، ولاسيما ليبيين سعى لضرب وتخريب جهود مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا كوفي أنان.
وإذ لفت إلى أنه تم إستخدام ألبانيا كقاعدة إنطلاق لكوسوفو فإنه يتم إستخدام تركيا والأردن لدخول المسلحين إلى سوريا بالتنسيق مع الأنظمة العربية التي تحتل المراتب العليا في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، انتقد شنور الإزدواجية التي يمارسها الغرب تجاه الأحداث في المنطقة حيث قام بإرسال القنابل للمسلحين في سوريا بينما قام بتنظيم مسابقة «الفورمولا وان» في البحرين.
دمشق: الذين يتباكون على حلب يقفون وراء الكارثة
ومن جهتها، أكدت وزارة الخارجية السورية في رسالتين متطابقتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس مجلس الأمن الدولي حول «الدعم الذي تقدمه بعض الدول للعمليات الإرهابية المسلحة على الأراضي السورية»، أن هذا الدعم والتمويل «يتناقض مع قرارات مجلس الأمن الخاصة بمكافحة الإرهاب ويعبر عن ازدواجية معايير ستنعكس سلبا على الدول التي تتبناها وعلى دول العالم». وأوضحت الوزارة أن سوريا «تطالب مجلس الأمن مجددا بالضغط على الدول المعروفة التي تقدم الدعم والتمويل للإرهاب في سوريا من أجل وقفه بموجب قرارات المجلس ذات الصلة».
وقالت الوزارة في رسالتيها إنه «تتضح بشكل مستمر الصورة الحقيقية للأحداث في سوريا والتي بدأت قبيل حوالي عام ونصف، والجهات التي تقف خلف هذه الاحداث. ومما لا شك فيه أن الحملات والضغوط التي تمارس على سوريا من قبل حكومات معينة تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وبريطانيا وتركيا تساهم في جلاء الصورة والاهداف المبيتة ضد سوريا وانجازات شعبها كما أن ما تقوم به السعودية وقطر اللتان جعلتا من نفسيهما ممولا ومنفذا لمخططات تلك الدول وغيرها تظهر زيف الادعاءات والشعارات التي تكمن خلف الحرب على سوريا». وقالت الوزارة إن الذين «يتباكون الآن على ما يجري من احداث في مدينة حلب ويطالبون بعقد اجتماعات لمجلس الأمن هم أنفسهم الذين يقفون خلف الكارثة من خلال دعمهم للإرهاب وتسليحهم للمجموعات الإرهابية معتمدين بذلك على الدور الأساسي الذي تقوم به الحكومة التركية التي فتحت ابواب مطاراتها وحدودها على مصراعيها لاستقبال الارهابيين من عناصر «القاعدة» والسلفيين الجهاديين وقدمت كل التسهيلات لهم من خلال ارسالهم عبر حدودها الى سوريا».
معركة حلب
في الوقت الذي تواصل فيها القوات المسلحة السورية من تطهير بؤر متفرقة من البلاد، يستعد الجيش السوري لمواجهة آلاف المقاتلين الذين يتوافدون عبر الحدود التركية بهدف السيطرة على مدينة حلب.
وتشير المعطيات إلى أن الجيش السوري لم يبدأ بعد هجومه المرتقب براً في حلب، في انتظار تعزيزات من مناطق عديدة، بالرغم من انقطاع الاتصالات عن المدينة ما جعل المواطنين يتوقعون اشتداد المواجهات قريباً.
ومن المتوقع أن تستمر المواجهة في حلب لأسابيع عدة في أقل تقدير بسبب تركّز المسلحين في أحياء المدينة وصولاً الى أريافها الممتدة الى الحدود التركية.
Leave a Reply