تذكرنا حكومة حوت المال في بلد «الخربة» السائب بمسلسل «ضيعة ضايعة» حيث أن كل شيء ينهار من حولنا بينما رأسا السلطة الإجرإئية بالطبل ضاربان وكأن ما يجري حولهما يحدث في جزيرة هونولولو! فمع كل الأزمات المستفحلة والكوارث المعيشية والحياتية والإقتصادية والتربوية والفشل الأمني الذريع، وجد نجيب ميقاتي الوقت المتسع لكي «يشم الهوا» ويحضرإحتفالات الألعاب الاولمبية في لندن، بدلا من تنسم «الهواء» السام العليل في بلد «خيال الصحرا» الذي تسببت فيه حكومته التي «تنذكر وما تنعاد»، غير ملتفت إلى الألعاب المذهبية التي كان يؤديها المهرج السياسي الجديد في صيدا!
سوف يذكر التاريخ، أن هذا العهد وهذه الحكومة هما من أسوأ عهود وحكومات بلد العجائب والغرائب، بل أسوأ من عهد الياس سركيس وحكومة شفيق الوزان، وربما عهد أمين الجميل نفسه. البلد برمته على شفا حفرةٍ من الدمار والنار، لكن حوت المال يتصرف كأنه «ما خصه». أزمة المياومين في شركة «كهرباء لبنان» كهربت الأجواء وأثارت إستقطاباً سياسياً حاداً كاد أن يطيح بالتحالف الحكومي ويغرق لبنان في العتمة في عزّ الصيف الحارق وشهر الصيام المبارك، فلم يتدخل ميقاتي ولا رئيسه بل نأى بنفسه الأمّارة بالأرباح الطائلة عن الأزمة ولسان حاله يقول «فخار يكسربعضه».
فالميقاتي الذي ينفذ أجندة سعد الطائر، ربما كان يستمتع بالشرخ العميق بين المقاومة وحركة «أمل» من جهة، وبين «التيار الوطني الحر» الذي خرج من بين أعضائه ألسنةٌ نزقة صبت الزيت على النار من دون إهمال التحريض الفتنوي الطائفي الذي مارسته «القوات» و«الكتائب» الخبيرتان بالتخصص في أمور كهذه منذ الحرب الأهلية. فالذي حلحل مسألة «المياومين» في النهاية كان مساعي الوزير سليمان فرنجية الحميدة وجهود «حزب الله» الخيرة، في حين أن نهرو وسوكارنو كانا يبحثان في قانون الإنتخاب بهدوء وروية وبكل رقي كأن الإنتخابات ستجري غداً وكأنهما زعيمين في بلد حضاري مثل السويد.
وفي الوقت الذي كانت فيه جلسة مجلس الوزراء تعقد في قصر بعبدا، قامت بعض عائلات المخطوفين اللبنانيين على يد العصابات السورية المسلحة من قطاع الطرق، بالتظاهر إحتجاجاً على لامبالاة الحكم التمييزي العنصري تجاه أبنائهم ومماطلته وكأنهم عديمي المواطنية أو أن نقمة الله أبي نصر قام بفحص دمهم ولم يتبين أنهم «لبنانيون أصحاح».
لقد عرفنا من هي الجهة المجرمة وراء الخطف الخسيس، والتي تتنقل من شاشةٍ إلى أخرى وتجبر المخطوفين على القول إكراهاً أنهم مع «الثورة السورية» المزعومة وأنهم ضيوفاً عند هؤلاء الإرهابيين ملمحين إلى طلب الخاطفين بإعتذار السيد حسن نصرالله. ونحن نعلم أن كل هذه الكلمات لا تعني شيئاً لأنها تتم تحت فوهة البندقية، لأن الإرهابيين هم أبعد ما يكونوا عن الضيافة العربية. وقبل أيام، هرب أحد المخطوفين لمدة ساعتين وتمكن من الإتصال بأهله في لبنان فقام وزير الخارجية عدنان منصور بالإتصال بالمسؤولين الأتراك الذين طلبوا من المخطوف البقاء في مكانه حتى يأتوا لإنقاذه، فتبين أنها كانت مكيدة وخديعة تركية. إذاً، مكان المختطفين معروف في حلب (إعزاز)، والجهة الراعية هي بني عثمان ومن ورائها. فماذا فعلت وحققت زيارة ميشال سليمان وقبله نجيب ميقاتي إلى أنقرة من دون أن يصرا على معلومات محددة؟ إنها حكومة جبانة لا تكترث لمواطنيها وإلا لكانت اقتصت من مسؤولي تركيا المراوغين المتلاعبين على ألف خط كما يفعلون اليوم بحق سوريا. لو كان هناك دولة تحترم نفسها لشنت الحرب على الخاطفين ومن وراءهم، لكنها قصرت بحق عملاق مثل الإمام السيد موسى الصدر طيلة ٣٤ عاماً حتى الآن، فهل تأبه لأتباعه من الحجاج اللبنانييين؟ لقد أراد المخطوف أن يقول أنه لا يحس بوجود الدولة بتاتاً عكس كل دول العالم التي تعلن الإستنفار العام عندما يتعرض أحد مواطنيها لخطرٍما.
حال السلطة في الداخل ليس أفضل. ففي عيد الجيش اللبناني المكروه هذه الأيام من تيار «لبنان أخيراً»، تطالعنا أراجيف النائب «الأزرق» معين المرعبي الذي بزّ زميلة خالد الضاهر في المجازر الكلامية والإهانات السوقية ضد الجيش وقائده من دون أن ينبس قائد الجيش السابق ببنت شفة للدفاع عن الجيش، أما رئيس حكومته فحدث ولا حرج طالما أن المسألة بعدت عن «ذقني في طرابلس» فبسيطة. لهذا السبب لم يحاول مجرد المحاولة من أجل إنهاء ظاهرة الملا أحمد الأسير الذي يريد إعادة المدينة إلى العصر الحجري الطالباني فيعتدي بالضرب على المواطنين وسياراتهم ثم يعقد حلقات الدبكة برعاية المطرب الأصولي فضل شاكر. لقد ترك ميقاتي صيدا لبهية الحريري لكي تقوم بالشيء ونقيضه فتدعو إلى الإضراب ضد الأسير بعد التواصل مع أعدائها السياسيين، أسامة سعد وعبد الرحمن البزري، ثم توفد إبنها للإجتماع سراً مع الأسير وتُفشل الإضراب! حتى فك الأسير لإعتصامه لم يكن نتيجة جهود ميقاتي، الذي هو آخر من يعلم، بل بعد مسعى فلسطيني ولو توج الإتفاق وزير الداخلية مروان شربل. وكانت أهم شروط الأسير هي عدم ملاحقته قانونياً لأنه يعرف أنه ارتكب الموبقات القانونية والسياسية. فأين قضية سب الصحابة التي تذرع بها بعد فحص لعبة «ولادية»؟ وأين مسألة حرمان «السيد» و«الأستاذ» من النوم وشتائمه التي هي عين ذاته؟ لقد انتهى مفعوله الفاشل، على ما يبدو، بعد أن استخدمه مشغلوه كمسّاحة على العتبة!
الشيء ونقيضة هي سياسة التيار الأزرق. الكتلة تساند الجيش بينما المرعبي «يحرق سلاّفه» بأقذع الأوصاف! الكتلة تقف ضد الأسير علناً ثم تعومه سراً! بلد «أسير» التناقضات فعلاً!
Leave a Reply