في الملهى السياسي العراقي، في كل شهر حفلة ردح ومناحة وكتل سياسية تتلوى تحت سياط حب وطني كاذب، وتتفجر بحمى غيرة على الشعب وحقوقه المهضومة. المشهد يوحي للمراقبين بأن الغيارى سيطيحون بممثل دور «العاشق»، الدكتاتور الغادر، وإن المسرح سينهار، ولكن فجأة يأمر المخرج بالتهدئة. فيمضي كل «ممثل» بجيوب منفوخة بمال المحاصصة والفساد، بانتظار مسرحية أخرى، و«هبرة» أخرى.
ما الذي يجري في العراق؟ مهزلة سياسية ومأساة شعبية: أفران الصيف تشوي الوجوه وتذيب الأجساد، مشاريع الكهرباء الوهمية مجرد مناجم ذهب ونهب لرجال السلطة، أفواج من الفقراء والمتسولين والمشردين والساكنين في بيوت هي أقرب إلى زرائب الحيوانات منها إلى بيوت البشر في بلد من المفترض أنه بالغ الثراء، البطالة والإدمان والإنتحار والسلب آفات شائعة. الروتين والفساد الإداري جعلا دوائر الدولة متاهات يهيم فيها المواطن دون دليل منقذ له إلا دفع الرشوة. برلمانيون جشعون مشغولون باصدار قرارات تدر المكاسب عليهم.
ويكتمل المشهد، ويا للعجب، لا تجد أحداً من المسؤولين، من رئيس الوزراء إلى أبسط موظف حزين أو معلق سياسي، إلا ويشتم المفسدين ويشهر بهم. سبحان الله.
المالكي، رئيس الوزراء، يتأبط ملفات يصفها بالخطيرة لأنها توثق فضائح كل خصم من خصومه!.. لكنه يتركها لـ«وقت الضيق». ووقت الضيق هذا تمثّل عندما حاول شركاؤه إبعاده عن رأس السلطة في إعلانهم في مؤتمر أربيل (الصدر، علاوي، البرزاني) عن مشروع «سحب الثقة» من حكومة المالكي. إلا أن الأخير واجههم بـ«وقف شمشوني» (عليّ وعلى أعدائي يا رب!). فهدد بحضور جلسة البرلمان وكشف المستور وفضح الملفات وهدم الهيكل على رؤوس الجميع، فانهزم الجمع وولى الدُبر.
كشفت تك العملية أنه لا مساس بلعبة المحاصصة، فهي مصدر الرزق والوجاهة والسلطة والمليارات. إنها قواعد اللعبة التي وضعا «المستر بريمر» الذي أسس مجلس الحكم الأول على أسوأ القواعد الطائفية والعنصرية التي كان واضحاً منذ البداية حجم الضرر والخراب الذي ستلحقه بالعراق وبإمكانية إعادة إعماره ونهوضه.
فما إن انتهت لعبة «سحب الثقة»، حتى أعلن عن مسرحية «كتابة ورقة الاصلاح»، التي من المفترض أن تكون بمثابة خارطة طريق لتحسين الوضع السياسي والخدمي والإنساني في العراق. ولكن من يكتبها؟ بالطبع الآباء السياسيون أنفسهم، منفذو مبادئ الفوضى الخلاقة في العراق، وكاتبو الدستور الأخرق المزروع بألف لغم ولغم لتفجير الصراعات والحروب المذهبية والمناطقية والاقتصادية في العراق.
إن نوري المالكي من الآباء المؤسسين لدولة الخراب في العراق، هو وسواه من قادة الأحزاب التي تحشّدت في تكتلات وتصارعات من أجل حيازة المناصب السلطانية ومليارات الدولارات السائبة في عراق الفساد، الذي تلعب فيه الأحزاب الإسلامية (الشيعية خصوصاً) دور المعارضة لكل إنحراف، بعد أن تركت السلطة في المرحلة الأولى للكفاءات الليبرالية الوطنية والمستقلة. وكان على الحزب المجاهد أن يبقى شاهد ضمير، يقوم بدور الرقيب والمقوّم، ولكن وا أسفاه سرعان ما تحول المجاهد الموهوب الى مقاول.
ورقة الاصلاح، لم يتركها أحد من السياسيين، إلى سواه من المستقلين والكفوئين. كلا، إنها ورقة إصلاح يكتبها المفسدون ذاتهم بأيديهم.. لا شُلت أيديهم. إن الله يسمع ويرى و.. رمضان كريم!
Leave a Reply