المنظمات العربية والإسلامية من التوحيد والتعاون إلى التفرقة والتهاون
——-
الأديان التي تعلم الحب الأخوي استخدمت ذريعة للقتل وأعظم إكتشافاتنا
العلمية صارت إداة دمار شامل
برتراند رسل
——-
منظمات أفرغ من فؤاد أم موسى
كان من المُؤمّل أن تمثل المنظمات السياسية والإقليمية العربية والإسلامية (الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي خصوصاً) عاملاً ايجابياً في حياة شعوب المنطقة وتلعب دوراً هاماً في السعي الى تحقيق الوحدة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والبشرية في واقعها مثلما حصل ويحصل في أوروبا وباقي مناطق العالم حتى التي تسمى منها عالماً ثالثاً، ونعني بذلك الأدوار التي لعبتها منظمة «دول عدم الانحياز» بقيادة ناصر ونهرو وتيتو والتي كانت جدّ هامّة في تاريخ المنطقة والعالم. ولكن للأسف الشديد لعبت المنظمات العربية والاسلامية ولا تزال تلعب أدواراً سلبية وأحياناً مشبوهة في تاريخ شعوب المنطقة وساهمت في أغلب الأحيان في خلق الأزمات وافتعالها بين اعضاء المنظمات أنفسهم وفي أحيان كثيرة عملت عمدا على تعقيدها.
وعبر التاريخ كان التخريب ديدن تلك المنظمات وفي أحسن حالاتها كانت مؤسسات للعلاقات العامة وتبويس الشوارب، حيث ساهمت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي (المؤتمر سابقاً) في عزل مصر وتجميد عضويتها إثر اتفاقية «كامب ديفيد» ثم أعادتها رغم عدم زوال اسباب الشطب (كامب ديفيد) وهو ما يدل على أن الشطب لم يكن إلاّ عملاً تنفيسياً لا أكثر، وكذلك فعلت مع العراق واخيرا «أفتت» بالحرب على ليبيا ومؤخرا علقت عضوية سوريا.
وفي حين كان من المفترض نظرياً ووفق ميثاقها أن تلعب تلك المنظمات دور التوفيق بين الدول الأعضاء وتساهم في وأد الفتن بينها تحولت عملياً الى حمالة للحطب لاشعالها. وفي حين كان من المطلوب من الدول الأعضاء الأكثر غنى أن توظف ثرواتها في خدمة مجموع أعضائها صرفت المليارات رشاوى لبعض الاعضاء أو لدول خارجية لإشعال الفتن وشن الحروب في المنطقة حيث لعبت الأموال الخليجية خاصة دوراً سلبياً في توجيه قرارات تلك المنظمات لخدمة بعض المشاريع الإقليمية أو لأهداف إقليمية ودولية. وفي حين كان من المطلوب من الدول الثرية هذه أن تفرج كربة شقيقاتها من الدول غير النفطية رأينا أنها تدفع الغالي والنفيس لكي تحاصرها اقتصاديا وتجوّع شعوبها حتى ترسخت لدى أغلب جماهير العرب والمسلمين قناعة بأن منظمات العرب والمسلمين لن تغني ولن تسمن من جوع في احسن مواقفها، وأصبحت اجتماعاتها طالع شؤم على شعوب المنطقة، حيث لم تحرك تلك المنظمات ساكنا أو تجتمع حتى على مستوى الوزراء لأخذ قرارات لإغاثة اطفال الصومال وغزة الجوعى والمرضى، أو حث المجتمع الدولي لايقاف التطهير العرقي الذي يمارس في بورما (ميانمار) وفي الفليبين وفي جامو كشمير ضد المسلمين، تماماً كما وقفت تلك المنظمات متفرجة على تقسيم السودان ولبننة العراق وصوملة ليبيا.
منظمة التعاون الإسلامي التاريخ والأدوار
أنشات منظمة التعاون الإسلامي تحت اسم منظمة المؤتمر الاسلامي في الرباط بالمغرب في ٢٥ أيلول (سبتمبر) 1969 كنتيجة لحريق المسجد الأقصى في ٢١ آب (أغسطس) 1969. وقد تضمن ميثاق المنظمة التي ضمت 57 دولة بندا يدعو الى توظيف كل الامكانات السياسية والعسكرية والاقتصادية لتحرير القدس المحتلة.
وعقدت المنظمة بعد ستة أشهر من تاريخ تأسيسها مؤتمرها الأول على مستوى وزراء الخارجية في مدينة جدة السعودية التي أصبحت المقر الدائم للمنظمة ووقع تأسيس الأمانة العامة الدائمة للمؤتمر وتعيين أميناً عاماً لها ليكون منسقا بين الدول الاعضاء.
وقد وقع تغيير اسم «منظمة المؤتمر الإسلامي» الى «منظمة التعاون الإسلامي» وكان ذلك خلال أعمال الدورة الثامنة والثلاثين لمجلس وزراء الخارجية للبلدان الإسلامية التي انعقدت في كازاخستان، في 28 حزيران (يونيو) 2011. وتعتبر «منظمة التعاون الإسلامي»، التي يرأسها حاليا أكمل الدين إحسان أوغلو وتضم تعدادا سكانيا يقدر بنحو مليار ونصف مليار نسمة، أكبر منظمة دولية بعد الامم المتحدة وهي عضو دائم في الأمم المتحدة ورغم هذا الثقل الديموغرافي والاقتصادي لم تلعب المنظمة أدوارا هامة وهي التي ولدت في ظل تحديات عديدة يعيشها العالم الإسلامي.
– اقتصادياً: تسير حركة التبدلات التجارية بـ«بطء السلحفاة »حيث لم تتجاوز التبادلات البينية بين أعضائها في آخر إحصائية في 2005 أكثر من 17 بالمئة رغم توفر كل الأسباب الجغرافية لتعزيزها مثل الجوار والاطلال على نفس البحار والممرات المائية مما كان من المفروض أن يوفر سهولة في حركة وتكلفة النقل فيما بينها، كما لم تؤسس البنوك ذات المصداقية التي تساهم في حرية تنقل الاموال والاستثمارات دون الخضوع الى مزاجية حكام الدول الثرية الخليجية الذين حولوا الاموال كورقة ضغط ضد بقية الدول الأعضاء الفقيرة لابتزازهم اثناء تمرير التصويت لمواقف لا يرضونها.
كما أن هناك صعوبة في تنقل مواطني الدول الأعضاء بين بقية الدول وخاصة التي الدول الخليجية التي تفرض التأشيرة على مواطني منظمة التعاون.
– ثقافياً: لم تحقق المنظمة أي انجاز يذكر مثل ايجاد الصحف ومحطات الراديو والفضائيات بإسم المنظمة ولم يتكثف التبادل العلمي والبعثات الطلابية والثقافية ولم تفتح الممثليات الثقافية في البلدان الاعضاء.
– سياسياً: فشلت المنظمة في القضاء على الاحتقان السياسي الذي تعيشه بعض الدول الاعضاء، اضافة الى الفشل في حل الازمات التي تعيشها الدول الاعضاء في افغانستان وباكستان وكشمير والصومال والسودان والشرق الاوسط. كل هذه الملفات الساخنة لم تحرك المنظمة ساكناَ لتساهم في حلحلة أيّ منها ودفعها نحو الانفراج، لتضاف إليها ازمات جديدة مثل تصاعد التشاحن الطائفي في نيجيريا والعراق ولبنان وليبيا.. وتزايد ظاهرة الكراهية ضد المسلمين (الاسلاموفوبيا) التي زادت من تدهور صورة المسلمين في العالم وتنامي ظاهرة العنصرية ضدهم ونشوب التطرف فيها كرد فعل.
ميثاق المنظمة: على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟
منظمة التعاون الإسلامي كما جاء في تعريفها هي منظمة دولية تحشد مواردها وتوحد جهودها وتتحدث بصوت واحد للدفاع عن مصالحها وتأمين رقي ورفاهية شعوبها وكل المسلمين في العالم.
ويعتبر مؤتمر القمة الإسلامي أعلى هيئة في المنظمة، ويتولى مهمة وضع الاستراتيجية الخاصة بالسياسة والعمل الإسلاميين، ويعقد بغرض بحث القضايا التي تكتسي أهمية حيوية بالنسبة للعالم الإسلامي ورسم سياسة المنظمة وفقا لذلك، مرة كل ثلاث سنوات. وقد عقدت حتى الآن ثمانية وتعقد الدورات الإستثنائية كلما اقتضت مصلحة الأمة الإسلامية ذلك.
وقد حدد الميثاق أهداف المنظمة وهذه اهمها:
– تعزيز التضامن والتعاون في كل المجالات، العمل على تحرر الشعوب واستقلالها، حماية الأماكن المقدسة، دعـم كفاح الشعب الفلسطيني ومساعدته على استرداد حقوقه وتحرير أراضيه، واستئصال التمييز العنصري والاستعمار بكل أشكاله.
كما حدّد الميثاق المبادئ التي يجب علـى الأعضاء التزامها لتحقيق أهداف المنظمة وأهمها:
المساواة التامة بين الدول الأعضاء، احترام حـق تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، احترام سيادة كل دولة واستقلالها وسلامة أراضيها، تسوية أي نزاع قد ينشأ بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية كالمفاوضات والوساطات والتوفيق والتحكيم، والالتزام بعدم اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها ضد وحدة أية دولة أو سلامة ترابها أو استقلالها السياسي.
وكما سنرى في مقارنة بين ما ترفعه منظمة التعاون الإسلامي من مبادىء وما يمارسه بعض اعضائها على أرض الواقع ضد البعض الآخر مما يدل أن شيئاً مما تضمنه ميثاق المنظمة لم ير الشمس، بل وفي كثير من الأحيان مُورس عكسه تماماً. فأين ما حصل ويحصل في واقع الدول الإسلامية من أهداف مثل التحرير وأغلب بلدان المسلمين تعاني التبعية وأين هم من مكافحة التمييز والمسلم لا يدخل دول الخليج إلاّ بتأشيرة ويصادر جواز سفره كما يعامل اغلب المسلمين في بعضها كبشر من درجة ثانية، واين دول المنظمة من رفض الاستعمار وبلدانها تشقها الجيوش ويخضع بعضها للاستعمار المباشر؟.
وإذا نظرنا للمبادىء التي حددت منظمة التعاون الإلتزام بها نجد أن اغلبها هي الأخرى بقي حبراً على ورق. فأين مبدأ المساواة بين الدول وبعضها يجبر البعض الآخر على التسليم بقراراته بالتهديد أو بالرشوة، وأين احترام حـق تقرير المصير وبعض الأعضاء «ركبوا أعلى ما في خيلهم» ليقرروا عنوة مصير الآخرين، أين احترام سيادة وسلامة أراضي الدول الأعضاء مما حصل ويحصل من استباحة مسلحة للأراضي الليبية والسورية من بعض أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، أين فض النزاعات بالطرق السلمية من لغة القوة والقهر بالسلاح التي مارسه ويمارسه بعض الاعضاء، أين الالتزام بعدم اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها مما يمارسه بعضهم ضد البعض الآخر من تجييش الأمم وتسيير المقاتلين الى أراضي أشقائه؟. يستطيع اي انسان ان يلاحظ بسهولة الخروقات الفاضحة لأهداف ومباديء منظمة التعاون الإسلامي التي مارسها ويمارسها بعض أعضاءها ضد البعض الآخر من الأعضاء وبذلك فقد فقدت هذه المنظمة مصداقيتها وإلتحقت بشقيقتها الجامعة العربية التي لاقت الأدوار التي لعبتها خلال “ثورات الربيع “ إستنكار شديدا من قبل كثير من شعوب المنطقة بسبب تحريضها وسعيها إلى تحويل المنطقة إلى ساحات حرب وفتنة.
مؤتمر قمة إستثنائي من أجل قرار إستثنائي: عزل سوريا
تعقد منظمة التعاون الإسلامي القمم الإستثنائية فقط للبتّ في حالة أو حالات إستعجالية لا يمكن تأجيلها إلى حين إجتماع مؤتمر قمة عادي، وقد دعت السعودية إلى عقد قمة إستثنائية بمكة المكرمة وقد تم عقدها فعلا أيام الثلثاء والاربعاء 13 و 14 أغسطس الحالي. وقد كانت أجندة القمة حسبما تم إعلانه بحث وضع مسلمي مينمار ، القضية الفلسطينية والأزمة السورية، ولكن من خلال نتائج القمة تبين، أنّ مسألتي مينمار والقضية الفلسطينية لم تكونا سوى تمويها عن الهدف الأساسي والوحيد وهو الأزمة السورية والتي لم يكن في نية القمة القيام بأية مساع لحلّها سلميا أو عبر المفاوضات، لأنه لم تكن هناك نية لدى بعض بلدان الخليج للتوقف عن تمويل المعارضة المسلحة والذي يعتبر إستمرارا لصبّ الزيت على النار وتحريضا على الإستمرار في الحرب كخيار وحيد ، وهي حرب كما قلنا مرارا لا رابح فيها.
كان من المؤمّل أن تكون منظمة التعاون الإسلامي نصّا وفعلا منظمة لبذر الخير والعمل على التوفيق بين أعضاءها لأنّ الذي يجمعهم أكبر بكثير ممّا يفرّقهم إلاّ أنّ بعض حكام ومشائخ الخليج قد قبضوا على المنظمة الإسلامية كما قبضوا على الجامعة العربية من قبل و سخّروها لخدمة أهداف هدّامة بعد أن إنحرفوا بها عن أهدافها التي أسّست من أجلها وحوّلوها إلى منظمة للشرّ الذي تأبّطوه وأصبحت المنظمة الاسلامية لسان حال بعض حكام الخليج ومصدرا لتسليط العقوبات على من لا يرضون عنه من الأعضاء . لكَمْ كان أمل المسلمين معقودا على منظمة التعاون الإسلامي عند تأسيسها لتكون بيتا يجمعهم ويوحّدهم لكن للأسف الشديد «جاتْ الحزينة تفرح مالقت لهاشْ مطرح»
Leave a Reply