من حيث المبدأ فإن عظمة الإسلام الذي بعثه الخالق العظيم من خلال أطهر وأنقى وأشرف الناس قاطبةً، الرسول محمد بن عبد الله (ص)، تكمن في دقته وعقلانيته ودعوته إلى عدم أخذ المرء بجريرة غيره «ولا تزروا وازرةٌ وزر أخرى». لذا فإن الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي وقتل السفير الأميركي مع ثلاثة موظفين هوعملٌ غير مبررو لا يقره دين ولا شرع ولا قانون ولا عرف، شأنه شأن مقتل المتظاهرين الرافضين لإهانة نبيهم الأكرم على يد رجال الأمن وشرطة مكافحة الشغب السيئة الذكر التي لا تعرف كيف تحفظ الأرواح ولا الأمن.
فنحن نرفض أن يضرّج حق التظاهر بالدماء لأن ذلك يشوّه حضارة الإسلام ورقي تعاليمه السمحاء وبالأخص سيرة الرسول الأعظم الذي نعرف قصته مع اليهودي حين تحمل ما لم يتحمله نبيٌ من قبله لكنه أصفح وعفا وقال كلمته الشهيرة يوم فتح مكة «هذا يوم المرحمة» رداً على «هذا يوم الملحمة»، إلا أن الرافضين للفيلم التافه الذي أنتجه الخسيس صاحب السوابق الجرمية في التزوير والسرقة نيقولا باسيلي نيقولا، ووراءه سيء الذكر زكريا بطرس، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بعد كمٍ هائل من العداء والإساءة للنبي، مما أدى الى شحن النفوس غضباً وثأراً لسيد البشرية، روحنا له الفداء.
واليوم، وكأنه لم ينقصنا إلا المجلة الفرنسية التي سارعت الى نشر رسوم كاركاتورية مسيئة للنبي نكايةً واستفزازاً للمسلمين وكأن شذاذ الآفاق هؤلاء «لا شغلة ولا عملة» لهم إلا التطاول على أشرف خلق الله.
نحن لا نقيم وزناً لمقولات المتفلسفين الذين يقولون لنا إن الحاقدين يهينون الرسول لا لشيء سوى لـ«يكشفوا» للعالم «همجية» المسلمين وكيف يتصرفون كرعاع وقتلة. فهذا الكلام مردودٌ إلى أصحابه لأن من شاهد الـ١٤ دقيقة على «يوتيوب»، المليئة بالإبتذال والتسخيف والسخرية والإستهزاء بالرسول الأكرم، ولم يتملكه الغضب الحزين الى حد البكاء، فهو لا يدرك أن الفيلم المنحط هو أكبر عمليه تجديف وإساءة لرسول الله في التاريخ القديم والحديث إن تركت دون رد فعل ملائم فسوف يصبح التطاول على المسلمين ورموزهم ومقدساتهم أمراً طبيعياً ومتاحاً لكل موتور.
هذه بعض الدروس التي يمكن استقاؤها مع استمرار الغضب العارم الذي يعمّ العالمين العربي والإسلامي على فيلم «براءة المسلمين»:
١- على عكس الإعتقاد السائد، بإمكان الولايات المتحدة منع ووقف المس بالمقدسات الدينية الحساسة مع الحفاظ على حرية الرأي والمعتقد. ففي أميركا اليوم يمكن لأي شخص التجديف على الذات الإلهية من دون مشكلة لكن نفي وجود «المحرقة اليهودية» هو خط أحمر لتجاوزه تبعات خطيرة تؤدي إلى الإقصاء والعزل والطرد من الوظيفة والخدمة مهما علا كعب المتجرّئ وكبر مقامه! كما أن إنتقاد إسرائيل هو من المحرمات عرفاً في الفضاء الأميركي وهو ما قد يلبسك ثوب العداء للسامية. كما أن الوقوف في وجه اللوبي اليهودي ورغباته قد يؤدي، الى تحطيم مستقبلك السياسي كما حدث للسناتور من ولاية إلينوي بول فندلي وغيره! وكما منعت الدوائر الأميركية كتاب «برتوكولات حكماء صهيون» من التداول، بحجة أنه قد يؤجج لمعاداة السامية لكونه يتحدث عن خطة الصهاينة لإستعباد العالم، لماذ لا تمنع التطاول البذيء على الأديان ورموزها، والذي لا يوفر حتى السيد المسيح (ع).
لا بد للجهات المعنية في الولايات المتحدة أن تباشر بمقاضاة نيقولا وكل من يقترف «جريمة كراهية» مماثلة لفعلته الشنيعة، والتي زادها قبحاً المستوى الفني المنحط والحرص على بث الكراهية ضد الإسلام وبحقد أعمى. أما الممثلون. إن صدقوا بعدم علمهم بنوايا المخرج، فعليهم، مقاضاته بتهمة التزوير والخداع.
هذا ما يجب أن يركز عليه الناشطون المسلمون هنا في الولايات المتحدة، هكذا يدفع أمثال المجرم نيقولا وسلمان رشدي (الذي طلع صوته هذه الأيام) ثمن أفعالهم.
٢- كم هو مستغرب ومريب هذا الصمت في دول الخليج العربي على الإساءة للنبي محمد وكأن لديها كلمة سر بالإعتصام بالصمت بعد أن تسببت الأزمة بإحراجٍ لها أكثر من المسيئين للرسول. فلم تخرج مظاهرة واحدة سلمية لا في قطر أو الإمارات أو السعودية، ما عدا تظاهرة خجولة في القطيف، قد لا تكون مرخصة أيضاً.
جلّ ما فعلته السعودية هو التهديد بحجب «اليوتيب» و«غوغل» في حال لم تسحب روابط الفيلم المقزز. إلا أن علاقتها الوطيدة مع بريطانيا انقطعت (مؤقتاً) بسبب فيلم «موت أميرة» الذي يروي قصة هرب إحدى الأميرات مع عاشق إنكليزي، لكنها لم تبال بالإهانة للإسلام، حتى أنها سحبت سفيرها من مصر مؤخراً بسبب إهانة الذات الملكية! كما لم يدع السلفيون ولا «الإخوان المتأسلمون» في سوريا من قطاع الطرق والرؤوس وخاطفي الحجاج، إلى أي تحرك أو طلب إعتذار، وهم نفسهم بالأمس طالبوا بإعتذار قائد المقاومة الذي خاطر بأمنه الشخصي ليقود تظاهرة حضارية راقية لم تشهد ضربة كف، رغم مرورها من أمام عدة مطاعم تحمل أسماء أميركية! بل الأنكى من ذلك أن المفتي السعودي لم يدل بدلوه حول الموضوع، ربما لأنه قد يوحد المسلمين ويخمد الجهود الفتنوية التكفيرية. وكم كان منتظراً صمت وعاظ السلاطين ومفتي البلاط وامتناعه عن إصدار فتاوى تتعلق بجريمة الفيلم، وهم لم يتوانوا سابقاً عن الإفتاء بإرضاع الكبير وأكل لحم الجن وممارسة الجنس مع الزوجة المتوفاة وفتاوى أخرى ما أنزل الله بها من سلطان..!
ومن المريب أيضاً أن الصمت الخليجي إنسحب إلى لبنان حيث لم يحرك «التيار الزرقاوي» أو «الجماعة الاسلامية» ساكناً. الأول كاد أن يحرق مدينة طرابلس بعد طرد سعد الحريري من رئاسة الحكومة، في «يوم الغضب» لسعد، ولكن لا «يوم غضب»، للرسول الأعظم! أما المضحك فكان، كعادته، المهرج أحمد الأسير الذي قطع أرزاق الصيداويين في عز موسم شهر رمضان المبارك وإعتصم في المدينة من أجل لعبة للأطفال ظن أنها تهين السيدة عائشة، ولكن اليوم، والدنيا مشتعلة على إهانة الرسول، ارتأى الأسير أن يلزم الصمت، لا بل ذهب للإستجمام في منتزه فالوغا والبردوني لكي يلهو مع أطفاله وزوجاته ويتصوّر في ملاهي الأطفال بعد أن شحن نفوس اللبنانيين ضد بعضهم لمدة شهرين! بعد أسبوع كامل «حس على دمه» وبدأ يخطط لمسيرة مع.. أحمد الحريري.
٣- بعد كلام السيد نصرالله في مسيرة دعم الرسول في الضاحية، ثارت ثائرة «قرطة حنيكر» فحركت إعلامها للطعن به، وسلطت المنتحل صفة المحلل السياسي، المدعو نديم قطيش، عبر شاشة «التلفزيون الأزرق» ليقدم بعض ألعاب الخفّة الفكرية محاولاً اتهام السيد نصرالله بازدوجية المعايير في مقارنة بائسة بين فيديوهات تفتقد الى أبسط معايير المصداقية ليقول لنا كيف لنصرالله أن يدين الفيلم الذي تطاول على النبي وهو لم يدن ما أسماه العبقري قطيش تطاول النظام السوري على الذات الإلهية، مستنداً الى مقطع فيديو مفبرك، يبدو أنه من تأليف وتلحين وإخراج «قناة التزويرة»، يقوم فيه شخص ينتحل صفة جندي سوري بالطلب من «رهينة» القول «لا إله إلا بشار». طبعاً قطيش كان فخوراً جداً بذكائه الخارق وتباهى في حلقة لاحقة بمشاهدة ٣٠٠ ألف شخص لمقطعه على «اليوتيوب»، وكأنه صار «لايدي غاغا» الإعلام المأجور!
٤- ما زال المسلمون والعرب يتصرفون من خلال الصدمة وبمنطق ردة الفعل، لأنهم ما زالوا يفشلون في قراءة المتغيرات القادمة رغم كل الإمكاناتٍ الهائلة والثروات الطائلة التي تذهب لإنقاذ أندية كرة القدم الأوروبية أو في الصرف الصحي! فها هي الجامعة العربية المخطوفة تقف مكتوفة الأيدي لا يحيّرها سوى مواصلة التآمر على سوريا، حتى عندما بادر وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور إلى إجراء استشارات مع نظرائه العرب، بإعتباره رئيساً للدورة الحالية للجامعة العربية، لقي توبيخاً من «النائيين بأنفسهم» في جلسة تثبيت الزودة للرؤساء والوزراء والنواب!
يكفي الرسول الكريم شر وظلم ذوي القربى والله يعصمه من أشرار الآخرين.
Leave a Reply