دمشق – وكأن بين نيويورك وسوريا حبل سري، فكلما اجتمع قادة العالم على الضفة الغربية من المحيط الأطلسي، تشهد الساحة السورية تطورات ميدانية خطيرة تسعى كل مرة الى قلب التوازنات الدولية التي تمنع حتى الآن أي تدخل خارجي مباشر لإسقاط نظام.
فقد تواصلت خلال الأسبوع الماضي مساعي المعارضة المسلحة لتحقيق تقدم ميداني بداية عبر خرق أمني وتفجيرين (أحدهما انتحاري) استهدفا مقر قيادة الأركان العامة في قلب العاصمة دمشق بهدف الإستيلاء عليه وهو ما لم يتحقق، لينقل المسلحون تركيزهم الى المركز الإقتصادي للبلاد، حلب، حيث شنّ المسلحون هجمات عدة في محيط مواقع استراتيجية للقوات النظامية السورية في المدينة وريفها، تمهيداً لما أعلنه «لواء التوحيد»، عن بدء هجوم حاسم على المدينة (مع صدور هذا العدد) التي تشهد معارك ضارية منذ أكثر من شهرين. وقال أبو فرات، وهو أحد قادة «لواء التوحيد»، لوكالة «فرانس برس» «هذا المساء، ستكون حلب لنا أو نُهزم».
وبدورها، ذكرت وكالة «أسوشييتد برس» إن القوات السورية بعثت برسائل نصية إلى المسلحين وفيها: «اللعبة انتهت». وحثت الرسائل، عبر الخلوي، المسلحين على الاستسلام وتسليم أسلحتهم، محذرة من أن عملية طرد المقاتلين الأجانب قد بدأت.
ومطلع الأسبوع، تعرضت سوريا لصدمة أمنية جديدة، هي الأكبر منذ تفجير مكتب الامن القومي في 18 تموز (يوليو) الماضي، بالهجوم الذي ضرب مقر قيادة أركان الجيش في دمشق وشلّ الحركة داخل المدينة وفي محيطها وشحن الحمى الأمنية لأقصى درجة. ولم يحل التفجير دون انعقاد مؤتمر «أحزاب وقوى التغيير الديموقراطي السلمي المعارضة» بمشاركة روسية وصينية وإيرانية.
وقال «تجمع انصار الاسلام – دمشق وريفها»، في بيان «قام أحد مجاهدينا الاستشهاديين باستهداف المدخل الرئيسي للمبنى عن طريق تفجير سيارته»، بينما «قامت مجموعة ثانية مؤلفة من أربعة مجاهدين… باقتحام المدخل»، وقاموا «بالتعاون مع بعض الشرفاء من داخل المبنى» بتفجير «العبوات المزروعة في الطابق الثالث».
وعرضت السلطات السورية صوراً التقطتها كاميرات المراقبة للسيارة التي يقودها الإنتحاري لحظة انفجارها على الشارع العام. ورافق التفجيرين إطلاق نار متبادل إثر تسلل معارضين الى داخل المقر حريق عنيف شبّ في واجهتي المبنى الأمامية المطلة على ساحة الأمويين والتي بدت متفحمة، والثانية المطلة على ساحة داخلية لمبنى الهيئة.
وعلى مسار الحل السلمي انعقد مطلع الأسبوع الماضي «المؤتمر الوطني لإنقاذ سوريا» الذي جمع أطياف المعارضة السورية في الداخل والبعض من في ظل الضمانات الروسية والصينية في إنجاح المؤتمر، فلم يقترب النظام أو يعرقل عقده، باستثناء اتهام «هيئة التنسيق» للسلطات السورية باعتقال ثلاثة من قيادييها.
كما عقد في دمشق أيضاً مؤتمر «أحزاب وقوى التغيير الديموقراطي السلمي المعارضة» بمشاركة نحو 35 حزباً وهيئة وتياراً. ودعا المتحدث الرسمي باسم «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير» عادل نعيسة في افتتاح المؤتمر «إلى حوار وطني شامل لا يبعد أحداً عن الطاولة»، معتبراً أنه «لا بد في النهاية أن يجلس الجميع إلى طاولة المفاوضات».
تطورات خارجية
وفي دليل إضافي على أن الجهود الأميركية لإسقاط النظام السوري بلغت حائطاً مسدوداً استقال المستشار الخاص في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون سوريا فرد هوف الثلاثاء.. وخصص المستشار قسما كبيراً من عمله الدبلوماسي في الشرق الأوسط وقبل تسلمه منصبه الأخير كان منسقاً خاصاً للشؤون الإقليمية ويتبع مباشرة لجورج ميتشل الذي كان في حينه موفداً خاصاً الى الشرق الأوسط. وخلال الأشهر الماضية، امضى هوف وقته في اجراء اتصالات مع المعارضة السورية في الخارج في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تحاول مع حلفائها جمع شتات المعارضة السورية.
وفي السياق الإقليمي، بدأت الأزمة السورية ترتد على الداخل التركي بشكل أوضح، لا سيما مع إعلان «الجيش السوري الحر» نقل قيادته من تركيا إلى سوريا في قرار يؤكد ضيق ذرع أنقرة من تكاثر المسلحين على أرضها. وحسب المراقبين فإن الإعلان هو تأكيد على أن قيادة «الجيش الحر» برئاسة العقيد رياض الأسعد كانت موجودة بالفعل في الأراضي التركية، ولم يكن يعلن عن ذلك رسمياً. وقد أثار موقع «الجيش الحر» على الانترنت ضجة بعدما كان يكتب على أن مقر قيادته في إنطاكيا، وما لبث بعد ذلك أن أزال كلمة إنطاكيا، ووضع بدلاً منها سوريا دون تحديد منطقة معينة مع استمرار فشل المسلحين في تأمين منطقة عازلة.
وجاء القرار تحت ضغط تقارير إعلامية غربية وتركية، وتقارير ديبلوماسية مختلفة، حول تحوّل تركيا إلى مرتع للجنود السوريين المنشقين والمسلحين من كل الجنسيات، ومنها تنظيم «القاعدة» والجهاديين من بلدان متعددة. وقد شعرت تركيا بالحرج الشديد تجاه تحول صورتها إلى بلد خارج عن القانون، وملاذ للهاربين والعصابات والمافيات، ولا سيما من مسلحي «القاعدة». فكان قرار الإعلان عن نقل قيادة «الجيش الحر» إلى الداخل السوري بمثابة قرار تركي، وليس قراراً لقيادة «الجيش الحر» المرتبطة كلياً بتركيا ودول خليجية.
وفي مقابلة أجراها خلال الأسبوع الماضي، فاجأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الجميع بعدم استبعاده إجراء مفاوضات جديدة مع حزب العمال الكردستاني، وذلك في الوقت الذي يشهد فيه جنوب شرق البلاد تصعيدا في أعمال العنف، وتجاوز النظام السوري معظم المخاطر التي تهدد صموده وتعزيز تحالفه مع الأكراد. وقال أردوغان، في مقابلة مع «القناة السابعة» التركية الخاصة، انه «إذا أتاحت لنا مفاوضات تسوية أمر ما فلنفعل، وإذا تعين أن يكون ذلك في أوسلو، فإلى أوسلو»، في إشارة إلى مفاوضات دارت بين أنقرة وقيادة «الكردستاني» في أوسلو بين العامين 2009 و2011. وقد التقى مسؤولون في أجهزة الاستخبارات التركية وقياديون في حزب العمال الكردستاني في العام 2011 من أجل التوصل إلى سلام تفاوضي لكن الحوار أخفق.
أما جنوباً، فلم تكتف المملكة الأردنية بموقف العاهل عبدالله الثاني في نيويورك المؤيد للحل السلمي بل قامت السلطات الأمنية ببعث رسالة تطمين لدمشق باعتقال ستة سلفيين جهاديين، أثناء محاولتهم العبور إلى سوريا، مشيراً الى ان بين المعتقلين ابن أخت الزعيم السابق لتنظيم «القاعدة» في العراق ابو مصعب الزرقاوي، الذي قتلته قوات اميركية في العراق في العام 2006.
Leave a Reply