الأزمة السورية: مؤتمرات على وقع القنابل والإنفجارات
الأولة آه والغدر لمَّن حكم صبَح الأمان بقشيش
والثانية آه والنذل لمّا احتكم يقدر ولا يعـفيش
والثالثة آه والحر مهما انحكم للنذل ما يُوَطّيش
أحمد فؤاد نجم
مؤتمرات الحوار و بوارق الأمل
جنحت أغلب معارضة الداخل والخارج السورية التي لها تمثيل حقيقي في أوساط الشعب السوري بالداخل إلى مرحلة تدشين حوار وطني في محاولة لبحث حل أو مخرج للأزمة التي تعيشها البلاد والتي شارفت على دخولها عامها الثاني والتي يستمر معها نزف الدم السوري وتدمير مقدرات الشعب ومكتسباته. وفي إطار البحث عن حلول تخرج الجميع من عنق الزجاحة انعقد مؤتمران لكتلتين هامتين من المعارضةالسورية:
الكتلة الأولى: وتتكون من أكثر من 23 حزباً ومجموعة من الجمعيات الحقوقية والمدنية وعدد هام من الشخصيات الدينية والاعتبارية، وتقود هذه الكتلة أهم مجموعة معارضة داخل سوريا وهي هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي. وقد اقامت كتلة هيئة التنسيق مؤتمرها يوم الأحد الماضي بدمشق تحت شعار «مؤتمر انقاذ سوريا» ودعى المؤتمرون الى الوقف الفوري للاقتتال وفتح الباب أمام عملية سياسية تمكن من تحقيق تحول ديمقراطي مع التزام النضال السلمي كوسيلة وحيدة لتحقيق أهداف الثورة. وقد أكد النظام السوري موافقته على عقد المؤتمر اضافة الى ضمانات قدمها الوسيط الروسي.
الكتلة الثانية: وتمثل هاته المجموعة 35 حزباً إضافة الى أطراف حقوقية وشخصيات مدنية من مختلف المشارب والخلفيات. وقد أقام هذا الطرف مؤتمره يوم الأربعاء بدمشق تحت شعار «مؤتمر أحزاب وقوى التغيير الديمقراطي السلمي»، وركز المؤتمرون على ضرورة شجب الدعوات التي تحرض على التدخل الخارجي وعلى تسليح المعارضة وأكدوا أن لا حل للأزمة إلا عبر الحوار السلمي بين كل أطياف السوريين.
وقد حضرا المؤتمران الراعيان الروسي والصيني في محاولة منهما لتشجيع المعارضة على فتح باب الحوار واستمرار النقاشات من أجل بلورة خطة إنقاذ سورية قادرة على تغيير لغة الصراع بالسلاح الى حوار بناء يقوم على سلاح الحجة والمصلحة العليا لسوريا والسوريين. وقد وجدت فكرة اقامة مؤتمر للمعارضة السورية بداخل سوريا معارضة كبيرة من بعض فصائل المعارضة السورية خاصة المعارضة المسلحة الممثلة بما يسمى بـ«الجيش الحر»، وكذلك من المعارضة الخارجية الممثلة فيما يعرف بالمجلس الوطني السوري المدعوم خليجياً وغربياً، وتذهب هاتان المجموعتان من المعارضة الى أنه لا بديل عن السلاح أسلوبا للتغيير ولإسقاط النظام، كما أنها ترى في الوسيطين الروسي والصيني حليفين للنظام، لذلك لا ترى هذه المجموعات المعارضة جدوى من أي حوار، وتتمسك برحيل النظام طوعاً أو كرهاً، ما يعني أنها قد تنتظر طويلاً في معادلة صراع محسومة على الأرض. وقد حاولت المعارضة المسلحة التشويش على الحراك السياسي الساعي الى بدء حوار بين مختلف الفرقاء السياسيين، حيث عبر الرافضون لهذا الحوار بتنفيذ تفجيرين كبيرين قرب مركز القيادة العامة للجيش، والذي اعتبره ملاحظون محاولة للتأكيد من الأطراف الرافضة لمشروع الحوار الداخلي السلمي بأنها موجودة وقادرة على تأكيد انّ لغة المسلح هي خيارها.
الدور العربي وبداية تفكك المحور المناوىء
بدأت ملامح تغيير هامة تحدث على مواقف دول عربية كانت الى حين تتبع السياسة التي تسطرها المنظومة الخليجية وتركيا، حيث تنصاع أغلب الدول العربية، بعضها طمعاً في مصلحة أو رشوة والبعض الآخر خوفاً من أن تدور عليها الدوائر إن هي لم تنساق وراء القرارت «العربية» التي قررت الإطاحة بسوريا مهما كلف الأمر. وقد برزت بعض مواقف التغير خلال الاجتماع الذي أقيم هذه الأيام في الأمم المتحدة بنيويورك، فقد رفض العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني المقترح القطري بإرسال قوات عسكرية عربية الى سوريا مؤكداً على انه لا يمكن حل الأزمة السورية إلا عبر بوابة الحوار السياسي والمسار السلمي، كما عبر اليمن كذلك على ضرورة أن يكون الحل بسوريا سلمياً وهو نفس الموقف الذي دعت اليه مصر مع الفارق أنها دعت الى رحيل الرئيس السوري. وإن حافظت الاطراف التي تدخلت في الصراع مثل دول الخليج وتركيا على موقفها الداعي الى استمرار القتال كوسيلة وحيدة للتغيير في سوريا فإن الاطراف الجديدة التي تريد أن تدلي بدلوها في الأزمة عبر مبادرات جديدة سلمية، مثل مصر، ظلت مترددة في مواقفها وهكذا تأرجحت الحلول المقدمة بين ثلاثة خيارات:
– خيار أول لا يرى حلاً إلا بإسقاط النظام عبر مزيد تسعير الحرب وتتزعم هذا الخيار قطر وبعض دول الخليج وتركيا ودول غربية.
– خيار ثان لا يرى حلاً إلا عبر الأساليب السلمية لكنه يشترط قبل ذلك رحيل الأسد، وتدعمه مصر.
ويصطدم هذان الخياران بمشكلتين عويصتين، وهما فشل الحل العسكري الذي لا يزال يراوح مكانه نتيجة صمود النظام وإمساكه بزمام الأمور رغم كل الضربات الموجعة التي وجهت إليه، ورغم استمرار تدفق المسلحين من الخارج وتهريب السلاح الى الداخل، كما فشل الحل السياسي المبني على شرط رحيل الرئيس وهو الذي لا يزال يدير دفة الدولة ويجد دعم من جزء هام من شعبه مع تماسك الجيش واستمرار دعمه الدبلوماسي دولياً واقليمياً.
– أما الخيار الثالث فيدعو الى حل الأزمة عبر التفاوض والحوار السلمي، ويحظى هذا الخيار بدعم الكثير من الدول الغربية والعربية إضافة الى روسيا والصين وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة.
هل أتاك حديث توجيه العساكر العربية لحرب الديار الشامية؟
في الوقت الذي ايقن فيه السوريون أن لا بديل عن جلوسهم الى طاولة الحوار ومناقشة مشاريع حلول كفيلة بحقن الدماء السورية الزكية التي تنزف منذ أكثر من ١٧ شهراً، وفي الوقت الذي كان لا بد لكل العرب والشرفاء أن يشجعوا ويساعدوا السوريين على العودة الى طريق العقل ونبذ التقاتل وبناء الجسور من جديد ضمن خطة شاملة قادرة على تحقيق التحول الديمقراطي واحترام حقوق الانسان، في هذا الوقت الحساس والمنعطف التاريخي الذين يعيشه الشعب السوري لازالت تتعالى اصوات نشاز –للأسف عربية- تدعو الى مزيد من الحروب والقتال، لم يكفها كل هذا الدم الذي نزف بغزارة والتدمير الهائل للبنى التحتية الذي حول مدن الشام التي تعتبر من أجمل المعالم العمرانية العربية الى ركام. وبعد إهدار كل هذه الأموال الطائلة على حروب حمقاء، مازلنا، وللأسف الشديد، نسمع حديث عن رغبة في تجييش العساكر ليقاتل العرب عرباً.
أفلا يعقلون أم على قلوبهم أقفالها؟
Leave a Reply