تمتلىء الجعبة اللبنانية بأخبار وتطورات، مسبوقة وغير مسبوقة، لا تحفل بها جعبة أي بلد آخر، أكان موجوداً في الدائرة العربية أم خارجها. فبحسب مصلحة الأرصاد الجويّة، خريف لبنان يقترب بسرعة، وإن كانت مسبوقة بموجة حر يُرافقها جو مُغبر وجاف يكاد يمتص الأنفاس النظيفة المُتبقيّة في الرئات، أما بحسب مصلحة السياسة اللبنانيّة، فإنّ هناك حدثاً يقترب بسرعة مهولة، معهودة وغير معهودة، يسبقه ضباب كثيف يتبارى السياسيون في لبنان على الوقوف في درب انقشاعه، كل لغاية في نفسه يُحاول أن يُنفي تهمتها التي تلتصق به من «ساسه الى رأسه».
طغى موضوع قانون الإنتخاب على ما عداه من أخبار في هذا الأسبوع المُشوّق. أما المُحصّلة الأوليّة فهي «بازار انتخابي» يُشبه «سوق الأحد»، تُباع فيه الوعود والكلمات البراقة، وترتفع أصوات باعته تُنادي على البضائع بأساليب شتّى لكسب أصوات انتخابيّة. أما عناوين هذا «البازار» الثابتة مهما مرّ عليها فهي عناوين الطائفية والفساد.
الإنتخابات النيابيّة في لبنان هي ساحة معركة بكل ما للكلمة من معنى، وعلى الرغم من أنّ الإنتخابات هي على موعد مع 2013، إلا أنّ ترسيم الحدود قد بدأ وارتبط بهواجس ساد أجواءها ثلاثة أرقام لا رابع لها: 15، 50 و60.
بدأت جلسات مناقشة قانون الإنتخاب بشكل سطحي، فتطرّقت الى موضوعات تمُتّ ولا تمتّ بصلة الى الإنتخابات مثل السلاح والأحداث التي لا تزال مستمرة في شمالي لبنان، وحتى الأحداث السورية التي لا يحتاج المرء الى الكثير من التفكير ليُدرك مدى تأثيرها المُباشر على الأوضاع اللبنانيّة والانتخابات التي لا تفصلنا عنها سوى أشهر قليلة. وفي خضم المُناقشات التي ما لبثت أن تحوّلت الى مشادات كلاميّة تفنّن فيها ممثلو الموالاة والمُعارضة، تمّ الوصول الى نتيجة واحدة هي: عدم الوصول الى نتيجة.
وفي النطاق ذاته، أوضح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تأييده التام للنسبية ورفضه لمشروع الدوائر الصغرى ورفضه مُخالفة إتّفاق الطائف. وكان الأمين العام للحزب الديمقراطي اللبناني وليد بركات قد صرّح بأنّه يؤيّد النسبية طالما هي مُرتبطة بالدوائر الموسّعة خاصة أن الدوائر الصغرى تُبعد لبنان عن استقراره، فيما عزا السبب وراء تأييد حزبي «المستقبل» و«القوات» لقانون الستين والدوائر الصغرى الى تحقيق مكاسب فيما يتعلّق بالمقاعد المسيحية. أيضاً، عبّر عضو كتلة التحرير والتنمية ياسين جابر عن اقتناعه التام بتغيير قانون الإنتخاب. في حين رفضت الكنيسة قانون الستين مُشدّدة على أنّ الأولوية للدوائر الـ15 بينما تمسّك وزير الأشغال غازي العريضي برفضه للخمسين دائرة وتأييده لقانون الستين.أما نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري فقد ارتأى في إتّصال مع الرئيس نبيه بري تشكيل لجنة نيابية فرعية لإجراء مشاورات لحل الموضوعات الإنتخابية العالقة. وفي النطاق ذاته، أعلن مصدر في اللجان النيابية المُشتركة إرجاء تشكيل لجنة مُصغّرة للبحث في قانون الإنتخاب الى الأسبوع المقبل نظراً لعدم التوافق على بعض الأسماء. أما النائب بطرس حرب فقد صرّح بأنّ جماعات في «8 آذار« تعمل جهدها لمنع المغترب اللبناني من المشاركة في الإنتخابات.
مواقف سياسية
من جهة اخرى، شدّد رءيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي عاد الى لبنان بعد ترؤسه لوفد الى أعمال الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة على أهمية حماية لبنان، وقد حمل رسالة أميركية من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي أوضحت بأنّ بلدها لا يُريد للبنان أن يكون طرفاً في أحداث سوريا.
أما رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان فقد طرح من خلال ترؤسه المجموعة العربيّة في «قمة ليما» العربيّة– الأميركية اللاتينيّة في البيرو، والتي بدأت نهار الإثنين، اقتراحاً يرتبط بتشريع دولي لتحريم الإساءة الى الأنبياء. وكان قد شدّد في لقاء مع الجالية اللبنانية في البيرو على أنّ لبنان موعود بمستقبل واعد خاصة اذا ما تمّ التوصّل الى خطة استراتيجية للدفاع عن البلد. وقد تحفّظ لبنان على أحد قرارات «قمة ليما» المُتمثّل بـ«تحميل النظام السوري مسؤوليّة العنف في سوريا».
داخلياً
على المستوى الأمني، أعلن مصدر في «حزب الله» سقوط ثلاثة قتلى من عناصره في انفجار مستودع للذخيرة في بلدة النبي شيت البقاعية في حين أعلن مصدر آخر سقوط تسعة قتلى. فيما اتهمت قوى المعارضة ومؤيدو «الثورة السورية» أن القتلى سقطوا في سوريا.
وفيما يخصّ سلسلة الرتب والرواتب، قبض موظفو الدولة فروقات غلاء معيشة عن شهر واحد عوضاً عن بدل سبعة أشهر وكأن اللبنانيين مضطرون الى تحمّل وزر فساد حكومتهم وأنانيتها و«عوزها». وقد أوضح ميقاتي عدم إحالة السلسلة الى مجلس النواب طالما أنه ليس هناك أي حل في ايجاد مصادر تمويل لتغطية فروقات غلاء المعيشة وسلسلة الرتب والرواتب، مُذكراً بأنّ الحل الأفضل لغاية الآن هو تقسيط هذه السلسلة.
وبناءً عليه، قامت «هيئة التنسيق النقابية» بالدعوة الى إضراب في جميع المدارس والوزارات والإدارات العامة ومُظاهرة تبدأ في الأونيسكو وتنتهي في السرايا الحكومية، مُهدّدة باتّخاذ اجراءات تصعيديّة قد تصل الى الاضراب العام المفتوح.
وفيما خصّ النازحين السوريين، فقد بدأ عدد كبير من التلامذة السوريين عامهم الدراسي في مدارس الإيمان الإسلامية في طرابلس و«هم يحلمون بنهار يعودون فيه الى سوريا». وقد نوّه أهلهم بالجهود التي اتّخذت بعد المعاناة والذل الذي تعرّضوا له منذ أن غادروا بلدهم.
في المحصلة، وفي قراءة للأعباء والأزمات المتلاحقة يبدو لبنان.. بلداً غارقاً في بحر من الوعود المُزيّفة التي تتربص به. وبالرغم من أن السكان يصلون لأجل أن يحمل الغد مستقبلاً أفضل، إلا أنّ التوجسات والمخاوف تضع بلدهم على كف عفريت.
Leave a Reply