أنقرة تهدد بالتدخل العسكري.. ومعركة حلب بانتظار حسم الجيش
دمشق – تواترت الأحداث والتطورات المحيطة بالأزمة السورية، خلال الأسبوع الماضي، دون أن تغير المسار الذي تتخذه باقتراب الجيش السوري من حسم المعركة مع المسلحين الذين بدأ حلم المنطقة العازلة يتبخر من أمامهم، في حين تقف تركيا عاجزة عن التدخل وكل ما استطاعت أن تقوم هو محاولة بث المعنويات في صفوف المجموعات المسلحة التي تخوض، وحسب قولها، معركتها الفاصلة في حلب، والمستمرة منذ مطلع الأسبوع الماضي. حيث أجاز البرلمان التركي، الخميس الماضي، استخدام القوة العسكرية التركية داخل سوريا، إلا أن قراره جاء مع وقف التنفيذ بحجة انتظار الظروف مناسبة لاستخدام هذه الورقة.
أما المسلحين الذين تلقوا خلال الأسبوع الماضي ضربات موجعة في حلب وحمص وريف دمشق، فيخلفون وراءهم دماراً هائلاً بعد انسحاباتهم المتكررة، فيما يتهم الموالون للنظام المسلحين بمحاولة الإنتقام من مدينة حلب التي وقفت ضد الثورة. وربما في هذا الإطار، جاء استهداف قلب مدينة حلب بالتفجيرات الإنتحارية، التي قالت «جبهة النصرة الاسلامية» (المحسوبة على «القاعدة») إنها موجهة لما أسمته «المربع الأمني». وسبق تلك الهجمات التي أودت بحياة العشرات من الأبرياء قيام مسلحين بحرق أسواق مدينة حلب التاريخية.
على الضفة الشمالية، تراجعت احتمالات انتشار شرارة القصف التركي-السوري، بعدما انهالت دعوات التهدئة وضبط النفس من حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وإيران والصين بالاضافة الى الامم المتحدة، بينما بدا أن الحرب السورية محكومة بضوابط الجغرافيا السورية، وممنوعة من التمدد الى دول الجوار.
هكذا انتهت تطورات حدودية حافلة بدأت بقتل الأتراك لكرديين داخل الأراضي السورية قبل أن تسقط قذيفة سورية في تركيا وتقتل خمسة أشخاص، التي تلاها القصف الذي شنه الجيش التركي على مواقع سورية. وبعدما سارعت دمشق الى تقديم العزاء بالقتلى الأتراك الخمسة واعلنت فتح تحقيق في الحادث، فإن أنقرة التي صعدت لهجتها، وتبنى برلمانها مذكرة تجيز لحكومة رجب طيب أردوغان، شن عمليات داخل الأراضي السورية، حرصت على التوضيح مباشرة أن المذكرة لا تعني قرارا بشن حرب. وبينما كان نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي يلتقي أردوغان، كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تجري اتصالاً مع نظيرها التركي أحمد داود أوغلو، بينما اعتبرت واشنطن أن الرد التركي كاف.
وفي بيان صدر مساء الخميس الماضي دان مجلس الأمن الدولي «بأقسى العبارات القذائف التي أطلقتها القوات السورية»، لكنه دعا من جهة ثانية، إلى «ضبط النفس». وقال أعضاء في عدة بعثات في الأمم المتحدة إن مجلس الأمن توصل إلى توافق حول نص البيان، الذي جاء وسطاً بين مشروع تسانده القوى الغربية ونسخة مخففة وزعتها روسيا.
وتضاربت التصريحات السورية والتركية حول ما إذا كانت دمشق «اعتذرت» لأنقرة حول مقتل المدنيين الخمسة. ونفى مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أن تكون بلاده اعتذرت عن سقوط القتلى، مشيرا الى ان التحقيق في الحادث ما زال مستمرا، موضحا أن «وزير الإعلام عمران الزعبي قدم التعازي باسم الحكومة للشعب التركي، وهو لم يقل إن سوريا تعتذر ولم يقدم أي اعتذار»، مجدداً تقديم التعازي للشعب التركي «الشقيق». ودعا الجعفري تركيا إلى «التعاون من أجل مراقبة الحدود» المشتركة بهدف منع «تسلل مجموعات مسلحة». وأوضح أن القصف التركي على مواقع سورية من الجانب الآخر من الحدود «جرح مسؤولين عسكريين سوريين اثنين».
وأكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، في مؤتمر صحافي مشترك مع نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي في أنقرة، أن بلاده «لا تنوي خوض حرب». وقال «كل ما نريده في هذه المنطقة هو السلام والأمن. تلك هي نيتنا. لا ننوي خوض حرب مع سوريا»، لكنه حذر دمشق من مغبة اختبار صبر تركيا. وقال إن «الجمهورية التركية دولة قادرة على حماية مواطنيها وحدودها، فلا يخطرن ببال احد أن يختبر عزيمتنا في هذا الشأن».
وبعيداً عن التطورات الحدودية مع تركيا استمرت حالة المراوحة السورية على المسارين السياسي والعسكري. وبينما بدت جهود التسوية بانتظار العودة القريبة للمبعوث المشترك الاخضر الابراهيمي الى القاهرة، او اعادة تحريك مبادرة «اللجنة الرباعية» الاقليمية، فان معركة حلب لا تزال تنتظر الحسم فيما يعزز الجيش السوري حشوده العسكرية مع فشل مسلحي المعارضة في تحقيق تعهدهم بالسيطرة عليها.
خارجياً حافظت روسيا على موقفها الحازم من الأزمة السورية، حيث حذرت من التمدد الاقليمي للنزاع المسلح، فيما دعت الدول الغربية، خصوصا حلف شمال الاطلسي، الى التخلي عن افكار التدخل العسكري مهما كان شكله، بعدما برهنت «ديبلوماسية القنابل» عن عقمها في نزاعات اخرى وزعزعت استقرار الدول.
وحذرت طهران من أن الصراع في سوريا يمكن أن يبتلع المنطقة، مكررة ان السبيل لحل الأزمة هو الحوار الوطني وانتخابات جديدة وليس الحرب وإن الشعب السوري ينبغي أن يختار طريقه بنفسه.
وبدوره أعلن نائب الأمين العام للأمم المتحدة يان الياسون، في مؤتمر صحافي في نيويورك، إن الإبراهيمي سيعود إلى المنطقة لمحاولة خفض حدة القتال تمهيدا لإجراء حوار سياسي. وأشار إلى أن السيناريو الايجابي هو أن توافق الحكومة السورية على وقف «قصف شعبها»، معتبراً أن هذه التهدئة يمكن أن «يعقبها خفض للعنف من قبل الفريق الآخر، ووقف إطلاق نار في أفضل الأحوال»، موضحا ان ذلك «سيحسن فرص التقدم على الصعيد السياسي» بين دمشق والمعارضة السورية.
وبشأن المبادرة التي طرحها الرئيس المصري محمد مرسي بتنظيم لقاء في القاهرة حول سوريا يضم إيران والسعودية وتركيا، أوضح الياسون أن «الإبراهيمي سيعمل من القاهرة اعتباراً من الأسبوع المقبل، ليكون أكثر قرباً من المنطقة وليعمل بشكل وثيق مع المسؤولين المصريين».
وعلى المسار الدبلوماسي أيضاً، أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم، خلال لقائه الإبراهيمي ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان في نيويورك، أن بدء الحوار لحل الأزمة السورية يعتمد على توقف الدول الأخرى عن دعم المعارضة السورية وتزويدها بالمال والسلاح. وجاء السقف الذي رسمه المعلم على وقع التطورات الميدانية التي تصب في صالح الجيش السوري، وقبل إلقاء كلمته أمام الجمعية العمومية التي أكد خلالها على أن «كل الدول الممثلة في هذه الجمعية مدعوة إلى الضغط لإنهاء العنف في سوريا عبر وقف تسليح المجموعات المسلحة وتمويلها وإيوائها وتدريبها»، منتقداً دعوات مسؤولي بعض الدول للرئيس السوري بشار الأسد للتنحي، معتبراً ذلك «تدخلاً سافراً في شؤون سوريا الداخلية»، مشيراً إلى أن القول الفصل في هذا الأمر هو لـ«صناديق الاقتراع». وناشد السوريين النازحين إلى دول الجوار العودة إلى سوريا، متهماً البعض بالمتاجرة بقضيتهم. واعتبر أن دمشق «التزمت بالمبادرات السياسية التي طرحت»، مكرراً ترحيب بلاده بخطة عمل المبعوث الأممي لسوريا الأخضر الإبراهيمي والنقاط الست لسلفه كوفي عنان كما اتفاق جنيف. وقال المعلم إن «أعضاء دائمين في مجلس الأمن، ممن شنوا الحروب بذريعة مكافحة الإرهاب، يقومون بدعم الإرهاب في بلادي من دون أي اعتبار لقرارات الأمم المتحدة».
وعلى المسار العربي، توجت مواقف بعض الدول العربية من الأزمة السورية ارتفاع حدة الإنتقادات حيث أكد الكاتب والإعلامي محمد الفوال في مقال له في صحيفة «الجمهورية» المصرية أن الدعوتين اللتين خرجتا من قطر إحداها لتعقيد الأزمة السورية وجاءت على لسان رئيس وزرائها حمد بن جاسم وتدعو لفرض منطقة حظر طيران كما حدث في ليبيا وتلاها عدوان «الناتو»، والثانية لتفجير المنطقة برمتها وخلق فتنة عربية وأطلقها أميرها حمد بن خليفة آل ثاني وتطالب بتدخل عسكري عربي.
وتساءل الفوال: «لماذا طرحت قطر هذه الألغام رغم أن مهمة الأخضر الإبراهيمي في بدايتها ولم تفشل بعد، وهناك لجنة الاتصال الرباعية التي دعت إليها مصر واستبعدت منها قطر لأنها جزء من المشكلة، فهل تريد كعادتها إفشال مهمة الإبراهيمي لغضب من تعنتها وعرقلة المبادرة المصرية انتقاماً لتجاهلها وإجهاض بوادر الحل السلمي والمقاربات والتفاهمات بين قوى المعارضة على رفض العنف والتدخل العسكري واللجوء للحوار».
ومن جهته، طالب المستشار السياسي «للجيش السوري الحر» بسام الدادا، «بالعمل على تنفيذ حظر جوي على الجيش النظامي السوري»، وذلك بعد القصف الذي طال قرية تركية.
وقال الدادا، لوكالة «الأناضول»، «حان وقت الحظر الجوي، بعد أن بات نظامه المجرم لا يكتفي بقصف شعبه، ووسع نشاطه لقصف الشعوب الأخرى»!. وأعرب عن «ثقته في أن فرض مثل هذا الحظر الجوي يعني سقوط نظام بشار الأسد في أقل من أسبوع على يد قوات الجيش الحر»، مضيفاً «إذا أرادت تركيا أن تتدخل، ولها المبرر الآن بعد القصف الذي تعرضت له أراضيها، فيمكنها أن تقضي على هذا النظام في أقل من 24 ساعة».
لكن الدادا استبعد حدوث مثل هذا التدخل رغم أنه يتمنى ذلك «بسبب الدعم الذي يتلقاه نظام بشار من بعض الأطراف الدولية». وقال «لولا أنه يعرف بوجود هذا الدعم، لما تجرأ على هذه الخطوة».
Leave a Reply