قلبت المناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس باراك أوباما ومنافسه الجمهوري ميت رومني، موازين السباق للبيت الأبيض بعد أن كانت تميل لصالح المرشح الديمقراطي. فحقق رومني تقدماً ملحوظاً في استطلاعات الرأي محافظاً طوال الأسبوع الماضي على «صورته الجديدة» التي ظهرت في مناظرة «جامعة دنفر»، وذلك عبر تصريحات معتدلة داخلياً وخارجياً حملته الى منطقة الوسط التي تجذب الناخبين المترددين. أما أوباما، الذي التقط أنفاسه بعد تقرير حكومي عن انخفاض مفاجئ للبطالة (تفاصيل صفحة ٢٧)، فسعى الى تبديد الصورة الهزيلة التي بدا عليها في المناظرة، وذلك عبر شنه هجوماً عنيفاً على رومني مستنداً الى «تسجيل الـ٤٧ بالمئة» واتهامه بأنه يسعى لتخفيض الضرائب لصالح الأثرياء بقيمة «خمسة تريليونات دولار».
وجاء تحسن حظوظ رومني في استطلاعات الرأي صريحاً بعد المناظرة، حتى أن بعضها كشف عن تقدم هو الأول له منذ قبول ترشيح حزبه. فللمرة الأولى تصدر رومني مجموعة استطلاعات للرأي اجراها موقع «ريل كلير بوليتيكس» لكن بفارق 0,7 بالمئة فقط. كما تقدم على أوباما بنقطتين في استطلاعات الرأي اليومية التي يجريها «معهد غالوب» و«انفستورز بيزنيس ديلي». كما أظهر استطلاع أجرته مؤسسة «أبسوس» ونشرت نتائجه الثلاثاء الماضي أن رومني أنهى الفارق الذي كان يفصله الرئيس الأميركي، وأن المرشحين متساويان حاليا في تأييد الناخبين، ووفقاً للاستطلاع فإن كلا من رومني وأوباما يتمتع بتأييد 45 بالمئة من الناخبين، وذلك قبل نحو أربعة أسابيع من الانتخابات.
وخلال نشاطاته الإنتخابية خلال الأسبوع الماضي لم يخف رومني سعادته الكبرى لانتعاش حملته. وقال أمام حشد ضم حوالي 12 ألف شخص في كوياهوغا فولز (جنوبي كليفلاند في ولاية أوهايو) «اليوم هناك 28 يوما متبقية قبل الانتخابات». وأضاف «أعتقد انه يجب أن نردد لهم: أربعة أسابيع متبقية فقط».
وتابع رومني في اشارة الى أوباما، «لقد آن الآوان لكي يروه يغادر البيت الأبيض ويودّعونه في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر)». في هذا الوقت كان ١٥ ألفاً من مؤيدي أوباما يرددون في تجمع في كولومبوس (عاصمة ولاية أوهايو) «أربع سنوات إضافية!» بعدما اعتلى الرئيس المنصة. وقال «أريد أن تكونوا جاهزين للتصويت، لأنه لدينا انتخابات علينا الفوز بها».
وهاجم الرئيس خصمه الحاكم السابق لولاية ماساتشوستس لأنه «وصف تعامله مع حوالي نصف الشعب على أساس مبدأ الربح والخسارة» في إشارة الى فيديو ظهر فيه رومني وهو يتحدث فيه عن 47 بالمئة من الأميركيين الذين يؤيدون أوباما لأنهم يتلقون الإعانات الحكومية ولا يدفعون الضرائب.
ورغم التقدم الذي أحرزه رومني، إلا ان استطلاعات الرأي على الصعيد الوطني تتوقع نتيجة التصويت الشعبي وليس من سيفوز. إذ مسؤولو الحملتين على تسع أو عشر ولايات هي التي سترجح كفة الانتخابات. ويعتبر أوباما متقدما في معظم الولايات المتنازع عليها، رغم ان الارقام الكاملة حول السباق المحلي بعد المناظرة لا تزال منتظرة.
وفي ما يعتبر مؤشرا جيداً لفريق حملة الرئيس، أظهر استطلاع اجرته شبكة «سي أن أن» ومعهد «أو أر سي» أن نسب التأييد لأوباما لا تزال على حالها في أوهايو التي ركزت عليها الحملتين خلال الأسبوع الماضي باعتبارها من أبرز الولايات المتأرجحة بعد فلوريدا.
ويتقدم أوباما بنسبة 51 بالمئة مقابل 47 بالمئة لرومني لدى ناخبي هذه الولاية التي لم يخسرها أي جمهوري وصل الى البيت الأبيض، ويعتبرها فريق أوباما خطوة كبرى نحو الفوز بأصوات كبار الناخبين الـ270 المطلوبة للوصول الى البيت الأبيض، مع العلم أن أوهايو تضم ٢٢ ناخباً كبيراً.
رومني يستعرض سياسته الخارجية
وتحضيراً للمناظرة الرئاسية الثانية، أطلق رومني عدة مواقف حول السياسة الخارجية لبلاده متهماً أوباما بالتسبب بإضعافها. وقال إن أوباما فشل في تسوية النزاع السوري. والتزم رومني بهدف قيام دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل، متعهداً بمزيد من الحزم في التعامل مع الملف النووي الإيراني قبل أن يستبعد في مقابلة لاحقة توجيه ضربة عسكرية لها.
وألقى رومني خطابه، الذي وصف بالهام، في قاعدة عسكرية بولاية فرجينيا، قال رومني إن منافسه فشل في إيجاد حل للأزمة السورية «حيث ارتكبت مجازر بحق أكثر من ثلاثين ألف رجل وامرأة وطفل على يد نظام الأسد خلال الأشهر العشرين الماضية، وبدأ متطرفون عنيفون يلتحقون بالقتال، وحليفتنا تركيا تعرضت لهجوم والصراع يهدد الاستقرار في المنطقة». وأوضح أنه في حال انتخابه، سيعمل مع حلفاء الولايات المتحدة على تحديد وتنظيم أعضاء المعارضة «الذين يتشاركون قيمنا»، ودعمهم عبر تزويدهم بالأسلحة التي يحتاجونها لهزم قوات الرئيس السوري بشار الأسد، وهو طرح وصف بالإنتخابي أكثر من اعتباره قابلاً للتطبيق بفعالية.
وفيما يتعلق بالملف الفلسطيني قال رومني إنه سيؤكد على علاقات بلاده التاريخية بإسرائيل والتزامها تجاه أمنها، وأوضح أنه ملتزم بهدف قيام «دولة فلسطينية ديمقراطية مزدهرة تعيش جنباً إلى جنب بسلام وأمان مع دولة إسرائيل اليهودية».
وتطرق إلى الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي الشهر الماضي، وطالب بعدم النظر إلى تلك الهجمات كأعمال عشوائية، «بل هي تعبير عن أعمال أوسع تجري في الشرق الأوسط»، وتابع «لا يمكن إلقاء اللوم بمثل هذا الهجوم على الفيديو المسيء للإسلام، رغم أن الإدارة الأميركية حاولت إقناعنا بذلك.. إن هذه الهجمات عمل متعمّد من إرهابيين يستخدمون العنف لفرض أيدولوجيتهم السوداء على الآخرين، ويسعون لشن حرب دائمة على الغرب».
وفي حديثه عن الملف الروسي تعهد رومني بنشر الدفاعات المضادة للصواريخ لحماية بلاده من التهديدات، وأكد عدم اعتماد «أي مرونة» مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذا المجال، وهو ما يناقض تصريحات أوباما الذي قال في نيسان (أبريل) الماضي إنه ستكون هناك «مرونة أكبر» في هذا الخصوص إذا أعيد انتخابه. ويعني تصريح أورباما أن ملف العلاقات الأميركية الروسية سيكون ماثلاً بقوة في المناظرة الرئاسية حول السياسة الخارجية.
واعتبر رومني أن «العلاقات بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي -أقرب حليف لنا في المنطقة- شهدت توترات شديدة»، معتبرا أن ذلك «وضع خطير أجّل الأمل بالسلام في الشرق الأوسط وشجّع خصومنا المشترَكين خصوصا إيران». وأشار إلى أن طهران «لم تكن قريبة من امتلاك أسلحة نووية، ولم تطرح أبدا تهديدا كبيرا علينا وعلى أصدقائنا وحلفائنا مثلما تفعل اليوم».
وقال إنه لن يتردد في تشديد العقوبات المفروضة على طهران وفرض عقوبات جديدة، وأكد أنه سيعيد التواجد الدائم لحاملات الطائرات في شرق المتوسط والخليج، وسيعمل مع إسرائيل لزيادة المساعدات العسكرية المقدمة إليها والتنسيق معها.
ولكنه عاد للتخفيف من تصريحاته العدائية تجاه إيران، بالتأكيد على قدرة العقوبات والضغوط الديبلوماسية على ثني إيران عن استكمال مشروعها النووي، وبالتالي فإن «واشنطن لا زالت بعيدة عن خوض أي عمل عسكري ضدها»، بحسب ما صرّح به في مقابلة مع محطة «سي أن أن».
وأكد رومني أنه سيعمل على منع إيران من الحصول على القدرات النووية، وليس فقط القنبلة النووية. لكنه أضاف «يتوجب علينا أن نقرّ أننا ما زلنا بعيدين عن وضع يحتم علينا اللجوء إلى العمل العسكري… آمل أن نتمكن عبر العقوبات القاسية جداً وعملنا الديبلوماسي من منع إيران من سلوك طريق يجعلها تجتاز هذا الخط (القدرات)».
وفي خطوة أخرى للاقتراب من ناخبي الوسط، بعد مواقفه حيال السياسة الخارجية المعتدلة نسبياً، تعهد رومني في لقاء صحفي خلال زيارته لولاية آيوا إنه لن يستصدر قوانين خاصة بالإجهاض إذا انتخب رئيساً.
والجدير بالذكر أن المناظرة الثانية ستقام يوم الثلاثاء المقبل في ١٦ الجاري في مدينة نيويورك، في حين ستقام المناظرة الثالثة والأخيرة في ٢٢ منه في فلوريدا.
التمويل الإنتخابي
في موازاة إستطلاعات الرأي، تظهَر التبرعات التي تتلقاه الحملتان كمؤشر أساسي في أفق المعركة الإنتخابية، فقد أفاد فريق الحملة الانتخابية للرئيس أوباما، السبت الماضي، أنه تم خلال أيلول (سبتمبر) الماضي جمع 181 مليون دولار لصالحها. أما حملة رومني فقد جمع خلال الأشهر القليلة الماضية اكثر مما جمعه الديمقراطيون باستثناء شهر آب (غسطس).
وبهذا التبرع سيكون فريق أوباما قادراً على اغراق البلاد بالدعايات المتلفزة، فيما تملك حملة رومني أكبر لاسيما بعد تقشفها الدعائي خلال الشهر الماضي.
وقام جيم مسينا رئيس حملة أوباما بابلاغ المناصرين عبر البريد الالكتروني بما تم جمعه، وكتب «نحن لم نتجاوز فحسب عتبة العشرة ملايين متبرع خلال حملة 2012 وهو رقم قياسي، بل تمكنا ايضا من جمع 181 مليون دولار خلال أيلول من قِبل 1,8 مليون اميركي بينهم 567 ألفاً يتبرعون للمرة الأولى». وأضاف مسينا إن متوسط تبرع الشخص خلال ايلول كان 53 دولاراً وإن 98 بالمئة من التبرعات كانت أقل من 250 دولاراً.
Leave a Reply