كلما اشتاق إلى ديترويت أذهب إليها ولكني أصبحت متشبعاً بنظامها القانوني والإجتماعي وبكل أنواع الضمانات فماذا تراني أفعل لأغادر مكاني إليها.
أنا لا أقصد أن أخون وطني وأشتهي أوطان الآخرين، ولكني تعبت من انتظار الدولة.. دولة القانون في وطني وتعبت من تقنين الخدمات ومن مصادرة الحرية ومن غياب الحقوق.
أنا أقصد أن أصدقائي الذين ذهبوا إلى ديترويت من زمن بعيد أكثر احساساً بأعمارهم وكانوا يريدون تفسير أحلامهم لا البقاء في ليل كوابيسنا.
الآن ربما تأخر الوقت لكي ألتحق بهم وربما تكون أسبابي لحمل حقيبتي وإغلاق باب الوادي ورائي غير مفهومة أو مبررة وربما سيكون من الصعب علي أن أواصل بقية عمري في محاسبة نفسي على شعارات حملتها وأطلقتها.
ربما تأخر الوقت، نعم، ولكن ماذا تراني أفعل بالوقت المتبقي من عمري؟ هل أواصل انتظار خرير مياه الشفة في شبكة مياه بلدتنا كما نفعل منذ ستة عقود رغم الاستقلال والتحرير؟ هل أواصل انتظار تشكيل مجلس إدارة جديد لمستشفى بلدتي بمستوى البناء والمعدات الطبية الحديثة الموجودة وطموحاتنا؟ هل أواصل موقفي كشاهد زور على أعمال التحديد والتمرير التي تتم فوق ومن خلف القانون؟
هل أواصل انتظار أن يتوافق ركائز نمط السلطة العجيب الغريب في لبنان على قانون عصري للانتخابات؟ هل هناك منا من يصدق أنه سيصدر قانون عصري للإنتخابات؟ هل هناك منا من يصدق أنه سيصدر قانون عصري وحديث وإن عناوين السلطة الذين يمثلون كل أحجار الزمان القديمة سيبنون بيتاً جديداً؟ هل هناك منا من يصدق أنه سيجري فتح الباب أمام تمثيل الاغتراب اللبناني وأنه سيجري خفض سن الاقتراع أمام الشباب وأن الشباب والمرأة والمغتربين سيتمكنون من المشاركة في كل ما يصنع حياة الدولة والمجتمع في لبنان؟
أنا شخصياً لا أصدق، وقد تعبت من الإنتظار وسيتعب مثلي كل من كافح وسيكافح من أجل إلغاء الطائفية والعبور الى الدولة. سوف لا يصل أحد منا إلى مكان أفضل وسنبقى نحن في لبنان نعيش ليل كل الفصول العربية لأننا لا نملك مواصفات وطن.
ربما تأخر الوقت لكي أغادر الأمكنة والناس الذين أحب ولكن أغادرهم سواء بقيت على رقعة المكان أو اغتربت إلى المجهول وأنا في النصف اليابس من عمري.
ولكن قبل أن أقبل استضافة ديترويت لي فإني أعلن أني سوف أتعبكم بدق الجرس من أجل وقف إعمار مغاسل للموتى وأمكنة من أجل تبييض صفحة حياتنا أمام الله وقد استغرق البعض منا في أعمال غسل الأموال وغسل الأفكار وغسل الأيدي من الأعمال اليومية.
إنني أدعوكم لوقف صرف الأموال على إقامة المآدب التكريمية لضيوفكم وأنفسكم فكما أنتم تملكون طعاماً في منازلكم فكل ضيف قادم صرف نصف عمره على الأكل والشرب والثرثرة.
أنا أدعوكم بصدق إلى تأسيس صندوق وإنشاء مركز ثقافي لبناني أميركي لبناء منبر ثقافي للكلمة، منبر ثقافي للقصيدة وللقصة وللنص الأدبي، مركز لعرض الفنون التشيكيلية ولمحو الامية المعلوماتية ولتعليم اللغة، مركز للتلاقي والمحبة.
ألا هذه دعوة تستحق المبادرة؟
هل تراني جدير بأن أنقل كوابيسي إلى نهاركم؟
Leave a Reply