انتهت مرحلة المناظرات من إنتخابات الرئاسة الأميركية، دون أن يتمكن أي من المرشحين من إزالة الغموض الذي يلف السباق الى البيت الأبيض، ولكن يمكن القول أن المرشح الجمهوري ميت رومني هو الفائز في مجمل المرحلة وهذا ما عكسته إستطلاعات الرأي التي باتت تميل الى التعادل بين المرشحين بعد أن كانت تميل بوضوح لصالح الرئيس الديمقراطي باراك أوباما قبل انطلاق المناظرات الثلاث.
وإذا كان لتلك المرحلة دورها في جعل الحظوظ متقاربة الى حد التعادل، فإن للمرحلة الراهنة التي بدأت مباشرة بعد مناظرة فلوريدا الأخيرة دورها الحاسم في مصير السباق الذي قد تنقلب موازينه بين يوم وآخر. إذ يؤكد المحللون الأميركيون أن التحرك الميداني للمرشحين هو المؤثر الآن على خيارات الناخبين، لأن المناظرة الأخيرة بينهما كانت محدودة الأثر حيث نتجت عن نصر متواضع لأوباما حول السياسة الخارجية، وهو أمر غير كاف للناخبين المترددين في حسم خياراتهم.
ويركز أوباما ورومني معركتهما في الأسبوعين الأخيرين على التحرك ميدانياً في حوالي عشر ولايات تعتبر حاسمة في السباق الى البيت الأبيض، والتي من المرجح أن تكون ميشيغن واحدة منها.
ورغم أن أوباما استفاد من موقعه كقائد أعلى للقوات المسلحة للتأكيد على عدم خبرة ميت رومني خلص خبراء الى أن المناظرة، التي جرت حول موضوع لا يهم حالياً الأميركيين، سيكون لها أثر محدود على مسار السباق الذي سيستخدم فيه كل مرشح جميع قدراته الميدانية والمالية.
وفي مناظرة فلوريدا وجّه الرئيس أوباما ضربات موجعة الى منافسه رومني، حول مواضيع السياسة الخارجية، في محاولة لوقف زخم رومني الانتخابي واستخدام ورقة الامن القومي لاظهار تفوقه الرئاسي.
ووجّه الرئيس أوباما ضربات موجعة الى منافسه رومني، حول مواضيع السياسة الخارجية، في محاولة لوقف زخم رومني الانتخابي واستخدام ورقة الامن القومي لاظهار تفوقه الرئاسي. لكن رومني استوعب الضربات وخرج من المناظرة بأقل ضرر ممكن واستمرّ السباق مفتوحا على كل الاحتمالات. وأطلق المرشحان في المناظرة سلسلة مواقف حول السياسة الخارجية اقتربت من كونها استعراضية أكثر منها واقعية.
فحول سوريا، شرح اوباما سياسته في «تنظيم» المجتمع الدولي والتأكيد على ضرورة تنحي الرئيس السوري بشار الاسد الذي «باتت أيامه معدودة»، وتوفير المساعدات الانسانية للمعارضة السورية و«التأكد من أننا نعمل على تعبئة القوى المعتدلة داخل سوريا».
واعتبر رومني ان «مقتل 30 ألف شخص على يدي حكومتهم كارثة انسانية»، وأن «رؤية سوريا من دون الأسد أولوية قصوى بالنسبة لنا»، لكنه اضاف «لا نريد تورطا عسكريا هناك. لا نريد الانجرار الى نزاع عسكري». وتحدث عن ضرورة التنسيق مع اسرائيل حول الملف السوري وعن ضرورة ايصال السلاح الى المعارضة بطريقة لا تنعكس سلبا على الاميركيين. ولفت الى محورية سوريا بالنسبة الى ايران باعتبارها الحليف العربي الوحيد و«طريقها الى البحر»، وطبعا سوريا ليست المنفذ البحري الوحيد لايران.
من لحظات التلاسن القليلة خلال المناظرة، قول أوباما لرومني «انا سعيد بأنك تدرك أن تنظيم «القاعدة» يُشكّل تهديدا، لأن قبل أشهر حين تم سؤالك ما هو التهديد الأكثر جيوسياسية الذي يواجه أميركا قلت روسيا»، وسخر أوباما من خصمه بالاشارة الى أن «الحرب الباردة انتهت منذ 20 عاما». ورد عليه رومني «أنا لن أرتدي نظارات وردية عندما يتعلق الأمر بروسيا أو السيد (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين. وأنا بالتأكيد لن اقول له سأكون مرناً أكثر بعد الانتخابات»، في اشارة الى الحديث المسرب على الميكروفون بين أوباما ونظيره الروسي السابق ديميتري ميدفيديف.
واعتبر رومني أن تطورات الشرق الاوسط مصدر قلق أميركي، وأن استراتيجيته هي أبعد من عملية ملاحقة وقتل قيادات تنظيم «القاعدة»، بل تكمن في «السعي الى طريق لجعل العالم الاسلامي قادرا على رفض التشدد من تلقاء نفسه». وأضاف «لا نريد عراقا آخر ولا أفغانستان أخرى. هذا ليس المسار الصحيح بالنسبة لنا».
ومن ناحيته، أبدى أوباما عن عدم ندمه للسعي الى اخراج الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك من الحكم، داعيا النظام الجديد في القاهرة الى الالتزام بمعاهدة السلام مع اسرائيل، قائلا «هذا خط أحمر بالنسبة الينا». كما أكد أوباما ان «ايران نووية تهديد لأمننا القومي وتهديد لأمن اسرائيل القومي. لا يمكننا تحمّل سباق تسلّح نووي في أكثر منطقة اضطرابا في العالم». أما رومني فقد ربط الملف الايراني بإسرائيل قائلا «إذا تعرضت اسرائيل لاعتداء، فسندعمها ليس فقط ديبلوماسيا بل ثقافيا وعسكريا». وأضاف «ليس هناك أي شك في أن إيران القادرة نوويا غير مقبولة بالنسبة الى أميركا».
ومع استطلاعات الرأي الفورية التي اعطته تفوقاً متواضعاً في المناظرة الأخيرة، تابع أوباما توجيه الضربات الى رومني، بحيث اعتبر في اليوم التالي خلال مهرجان انتخابي أن منافسه يعاني فقدان الذاكرة في عبارة يكررها هي «Romnesia» (فقدان الذاكرة عند رومني)، وقال ساخراً «إنها المرحلة الثالثة من هذا المرض، وتشملها تغطية قانون الرعاية الصحية (أوباما كير) الذي أقره الكونغرس».
وتابع المناظرة 59,2 مليون مشاهد المناظرة الثالثة، وفقا لبيانات الإحصاء النهائي لمركز «نيلسن» للإعلام. وتابع 67,2 مليون أميركي المناظرة الأولى في 3 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، بينما شاهد المناظرة الثانية 65,6 مليون أميركي في 16 تشرين الأول.
وبذلك ظلّت المناظرة التي دارت بين الجمهوري رونالد ريغان والديموقراطي جيمي كارتر في العام 1980 الأكثر مشاهدة في التاريخ حيث شاهدها 80,6 مليون أميركي.
الأمتار الأخيرة
ستعتمد تحركات المرشحيين وماكيناتهم الإنتخابية من الآن فصاعداً على العمل الميداني على الأرض أكثر من اعتمادها على الدعاية التي تظهر الإستطلاعات أن تأثيرها كان هامشياً.
وبشكل بعيد عن الاضواء في ولايات حاسمة مثل فرجينيا واوهايو وفلوريدا ووسكونسن، يجوب آلاف المتطوعين والموظفين الأحياء لحث الناخبين على الاقتراع المبكر سواء عبر المراسلة أو شخصيا في بعض الولايات.
وقد صوت حتى الآن أكثر من 4,5 ملايين ناخب بحسب الأرقام الرسمية التي جمعها الخبير مايكل ماكدونالد من جامعة «جورج مايسون». وتاريخياً يصوت الديمقراطيون اكثر في عمليات الاقتراع المبكر هذه.
وكان رومني والحزب الجمهوري يملكان في نهاية أيلول (سبتمبر) تقدماً مالياً على أوباما والديمقراطيين بجمعهما 146 مليون دولار مقابل 104 ملايين. وفي حال انفاقها خلال اسبوعين فقط، فإن هذه المبالغ ستفوق الى حد كبير اجمالي نفقات الجمهوري جون ماكين في 2008 في الشهرين اللذين سبقا تنصيبه رسمياً مرشحاً للانتخابات (84 مليوناً، وهذا السقف العام الذي وافق عليه انذاك).
وخلص تشارلز فرانكلين أحد مؤسسي موقع «بولستر» الإستطلاعي الى القول «حتى الآن، السباق متقارب الى حد أنه يمكننا تصور أن كل شيء سيكون في النهاية رهنًا بولاية واحدة» مذكراً بأنه في العام 2004 استلزم الامر الانتظار الى اليوم التالي بعد الانتخابات لمعرفة النتائج النهائية في أوهايو وبالتالي فوز جورج بوش.
Leave a Reply