طرابلس – لم يحتفل الشعب الليبي بذكرى مرور عام على رحيل نظام معمر القذافي حيث تقف البلاد الممزقة بفوضى المليشيات على شفير حرب أهلية فيما أعلنت الميليشيات الموالية للحكومة الليبية سيطرتها على بني وليد، مع استمرار جيوب المقاومة في بعض أحيائها، فيما تتفاقم الأوضاع الإنسانية للنازحين من المدينة المسكونة بالدمار والتي شهدت أسابيعاً من القتال الدامي.
وتجمع مئات المقاتلين ومعظمهم من متمردي مصراته السابقين، في وسط مدينة بني وليد، وأطلقوا النار في الهواء ابتهاجاً، ورفعوا علم «انتفاضة 17 فبراير» على المباني العامة المهجورة. وجاب المتمردون المدينة في عربات مزودة بأسلحة ثقيلة، معلنين أن المدينة «تحررت بشكل شبه تام»، ولم يتبق فيها سوى بعض جيوب المقاومة في الجزء الجنوبي، وأطلق المتمردون صيحات «الله أكبر» و«اليوم بني وليد منتهية»، وأطلقوا العنان لزمامير سياراتهم. ويكتسي القتال في المدينة بعداً قبلياً، حيث أن مقتحميها الذين سيطروا عليها بعد حصار دام أكثر من ثلاثة أسابيع، تنحدر أغلبيتهم من مدينة مصراته، التي تجمعها خصومات تاريخية مع بني وليد، بدءاً من نزاع يعود إلى أيام الاستعمار الإيطالي، ومروراً بالموقف المتناقض في صراع العام 2011 على السلطة بين العقيد معمر القذافي والمتمردين المدعومين من حلف «الناتو»، حيث ناصرت بني وليد القذافي في حين ناوأته مصراته، وانتهاء بقضية اختطاف متمرد من مصراته في بني وليد.
وفي السياق، نقلت قناة «روسيا اليوم» عن مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، عقب جلسة مجلس الأمن الدولي حول الأحداث في ليبيا، قوله إن الولايات المتحدة حالت دون إصدار بيان رئاسي بهذا الشأن اقترحته روسيا.
وبمقتل القذافي يمكن القول أن ليبيا لم تعد في واقع الأمر دولة كاملة الأركان، فطربلس وبنغازي فقط هما اللتان تخضعان بالكاد لسيطرة السلطات. وفي شرق البلاد أعلن في آذار (مارس) عن قيام إقليم برقة ذي الحكم شبه الذاتي، والمئات من شيوخ القبائل المحلية والسياسيين وقادة التشكيلات العسكرية الذين قاتلوا ضد القذافي اعلنوا في أطراف «سفينة الثورة الليبية» كيانا فدراليا جديدا على الأراضي الغنية بالنفط والممتدة من خليج سرت وحتى الحدود مع مصر.
بينما يرى الخبراء أن ملامح صراع، قد يكون مسلحا، يلوح في الآفق على النفط. فسكان برقة يشكلون 20 بالمئة من إجمالي سكان البلاد، في حين تحوي المدينة 80 بالمئة من إحتياطي النفط، والصراع قد يظهر على وجه الخصوص حول الصناعات اليدوية في الحي الواقع على الحدود بين برقة وطرابلس. وهذا الوضع من شأنه أن يكون مربحا لشركات النفط التي من الأسهل بالنسبة لها التعامل مع عدة حكومات ضعيفة مقارنة بحكومة واحدة قوية. فالقذافي بالنسبة للشركات النفطية كان شريكا صعبا، يملي شروطه على الدوام.
وقد اكتست الحركات التي جاءت على موجة الثورة بسرعة بأشكال محددة وواضحة للأسلمة، وتولدت في كل الأنحاء مجموعات متطرفة، كل منها يرى واجبه في أن تكون متصلة بـ«تنظيم القاعدة».
ويؤكد المراقبون إن تفكك الدولة الجامعة الذي بدأ بالفعل سيشمل طرابلس أيضا في الغرب من العاصمة، فالخصائص الجغرافية لا تسمح بضم قبائل الطوارق التي تقطن الجنوب الغربي إلى حقل قانوني عام، وبوجه عام لا يدور الحديث عنه من الأساس.
وعلى الرغم من الإنتخابات التي جرت، والتي خسرها الإسلاميون بالمناسبة، ليس هناك في البلاد برلمان، في واقع الأمر، وحتى اللحظة يتعثر تشكيل الحكومة، وحتى رئيس الوزراء تغير في خلال الأشهر الأخيرة ثلاث مرات.
وفي الذكرى السنوية الآولى لإعلان المجلس الوطني الإنتقالي عن الإنتصار على نظام القذافي و«التحرير» الكامل للبلاد يبقى السؤال: مم تحررت البلاد؟ فالمحللون السياسيون سبق وتوقعوا الوضع، أما هؤلاء الذين يتحكمون حاليا في منابع وموارد النفط لهذه الدولة الشمال إفريقية ويحرسونها بميليشيات مرتزقة، فأخر ما يعنيهم هو ما يجري ويحدث في ليبيا.
Leave a Reply