خاص «صدى الوطن»، وكالات
أعطى الناخبون الأميركيون، بعد معركة اعتبرت الأشرس في تاريخ البلاد، الرئيس باراك أوباما تفويضا جديدا لقيادة أقوى دولة في العام لولاية رئاسية ثانية تستمر لأربع سنوات يبدؤها الرئيس الديمقراطي بمواجهة أزمة اقتصادية مستمرة وتحديات خارجية كبرى في مقدمتها ملفّا إيران وسوريا.
فوز أوباما جاء ساحقاً ومفاجئاً للكثيرين فقد حصل على 303 من اصوات الناخبين الكبار مقابل ٢٠٦ لرومني، أي بما يزيد كثيراً عن الـ270 صوتا اللازمة للفوز بالرئاسة، ما دفع بمنافسه الجمهوري ميت رومني الى الاعتراف بهزيمته رسميا بعد تردد لم يدم أكثر من ساعة إثر الإعلان عن فوز أوباما في ولاية أوهايو المحورية. كما حقق أوباما تفوقاً طفيفاً على رومني في الأصوات الشعبية حيث حصل على 50,2 بالمئة من الاصوات في مقابل 48,3 بالمئة لرومني، أي بفارق 2,5 مليون صوت (61,7 مليون صوت لأوباما مقابل 59,3 مليون لرومني)، وذلك بعد فرز أكثر من 122 مليون صوت، ما عزز الصورة القائمة بأن الولايات المتحدة تعاني فعلياً من انقسام حزبي واضح.
وحقق أوباما انتصارات قوية في سبع من تسع ولايات حاسمة تتقدمها أوهايو، فيما تتواصل عملية إحصاء الأصوات في ولاية فلوريدا.
وقد نجح الرئيس أوباما من خلال ماكينته الانتخابية في تشويه صورة رومني في الأمتار الأخيرة من السباق، الأمر الذي ساهم كثيراً في تحقيقه الفوز في السباق الرئاسي، مع التركيز على أن المرشح الديمقراطي تصدى أيضاً للأزمة الاقتصادية، كما نجح في تصفية أسامة بن لادن.
وقد راهن فريق الحملة الديمقراطية على جعل صورة رومني سلبية فوصفت حملات الاعلانات الدعائية والخطابية العنيفة رومني بأنه من كواسر المال يشتري ويبيع شركات لمنفعته الشخصية على حساب أصحاب الاجور الاميركيين الذين يرمي بهم في احضان البطالة.
ودفاع رومني عن ماضيه كرجل اعمال وارتكاب اخطاء عدة متلاحقة لم تسوَّ الامور بالنسبة له. وهكذا فان السوء قد وقع حتى قبل ادائه الرائع اثناء المناظرة الرئاسية الأولى.
وعولت الحملة الديمقراطية على غرار العام 2008، على اصوات الشبان والناخبين من الاصول الاميركية اللاتينية والسود وعلى الناخبين من اصحاب الشهادات العليا في الطبقة الوسطى من البيض.
وافادت استطلاعات الرأي لدى الخروج من صناديق الاقتراع أن 93 بالمئة من السود صوتوا لأوباما، وكذلك 69 بالمئة من ذوي الاصول اللاتينية. وقد حدت حملة الرئيس أوباما أيضا من الأضرار في الفئات الأخرى، كما حقق نجاحاً كبيراً لدى النساء غير المتأهلات اللواتي صوتن له بنسبة 68 بالمئة.
وتدل النتيجة بوضوح، الى أن الوتيرة التصاعدية التي اتخذتها حملة رومني عرقلها بوضوح إعصار «ساندي» الذي علّق بشكل قصري حملته وملايين الدولارات المرصودة لها فيما كان أوباما يحظى بدعاية انتخابية مجانية من خلال تعاطية مع الكارثة التي أصابت السواحل الشرقية للبلاد. بالمحصلة قرر الناخبون الأميركيين منح أوباما فرصة ثانية لاصلاح البلاد. فالبطالة تصيب 7,9 بالمئة ويواجه الاقتصاد الأميركي، الأكبر في العالم، صعوبات مع ارتفاع نمو اجمالي الناتج الداخلي بمعدل 2,0 بالمئة فقط في الفصل الثالث من العام الحاري، وهو دون الحد المطلوب بحسب رأي الخبراء الاقتصاديين لنمو سوق الوظائف. أما الخبر السيئ فمتعلق بالدين العام (يقارب 16 تريليون دولار)، فيما لا تزال الخلافات قائمة حول طرق معالجته مع اقتراب سقوط البلاد في «الهاوية المالية» في حال فشل الرئيس الجديد في التوصل الى «تسوية كبرى» مع الجمهوريين لإقرار الميزانية العامة قبل نهاية العام الجاري.
انتصار أوباما
وقد نجح أوباما، الذي وصل الى البيت الأبيض قبل أربع سنوات بناء على شعار «الأمل والتغيير»، في اقناع غالبية من الأميركيين بانه الافضل لقيادتهم خلال السنوات الاربع المقبلة، رغم حصيلة اقتصادية فاترة.
وفاز الرئيس المنتهية ولايته بعدد كاف من الولايات الأساسية للقضاء على أمل رومني بالحلول محله في البيت الأبيض، في ختام سباق شهد منافسة شديدة وحقق نتائج متقاربة في المناطق الاساسية التي قضى المرشحان أشهرا يعقدان تجمعات انتخابية فيها.
ولم يسبق منذ الثلاثينيات أن فاز رئيس أميركي في ظل نسبة بطالة تفوق 7,2 بالمئة، كما أن ديموقراطياً واحداً هو بيل كلينتون سبق ان شغل البيت الأبيض لولايتين رئاسيتين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وفاز أوباما بسهولة في عدد من الولايات التي كان من المرجح أن تشهد معارك محتدمة محتدمة منها نيوهامبشير وبنسيلفانيا وميشيغن وويسكونسن قبل أن يحسم ولاية أوهايو لينهي لسباق لمصلحته، بعد أن تمكن من أن يحصد ما يكفي من أصوات الناخبين البيض، وهي كلها ولايات كان رومني يأمل في الفوز بكبار ناخبيها.
غير ان فوز أوباما تم هذه السنة بفارق أضيق منه في العام 2008 حين تفوق بفارق شاسع على جون ماكين، وقد فاز رومني بولايات سبق أن حصل أوباما على اصواتها في الانتخابات الماضية، مثل نورث كارولاينا وإنديانا.
وأعلن أوباما في تغريدة على صفحته الرسمية على موقع «تويتر» فوزه، متوجها لناخبيه بالقول «هذا حصل بفضلكم. شكرا»، وذلك قبل أن يلقي خطاب النصر أمام آلاف المؤيدين في مقر حملته في مدينة شيكاغو.
وأطل أوباما على أنصاره في شيكاغو بـ«خطاب النصر»، معرباً عن تفاؤله بمستقبل أفضل للولايات المتحدة، كما شكر خصمه الجمهوري مؤكداً نيته الاجتماع به خلال الأسابيع المقبلة للنظر في «كيفية السير قدماً». وتوجه أوباما بالشكر للناخبين قائلاً إن «الأفضل قادم». وأشاد أوباما بالذين صوتوا له، وكذلك بالذين اختاروا رومني، مشيراً إلى أن شراسة المعركة الانتخابية تعود إلى رغبة كل طرف في خدمة البلاد.
وأضاف أوباما: «لكل منا رأيه واعتقاداته وقد تسبب ذلك بإثارة التناقضات والجدل، وهذا لن يتغير بعد هذا اليوم ولا يجب أن يتغيّر لأنه جزء من حريتنا وديمقراطيتنا، وهناك من يقاتل في دول أخرى لمجرد نيل حق النقاش».
وتابع بالقول: «المهم أننا نريد الأفضل لبلدنا وأولادنا ونريد الوصول إلى أمة هي الأفضل ويحميها أقوى جيش في العالم، وكذلك دولة تتحرك بثقة بعد الحروب لبناء سلام يقوم على احترام كل إنسان».
وأكد أوباما نيته العمل على تحسين معدلات توفير الوظائف، كاشفاً عن توجهه للقاء قادة كل القوى السياسية من أجل بحث تحسين أوضاع الاقتصاد والتوصل إلى طرق للاستغناء عن النفط المستورد من الخارج في قطاع الطاقة وحل مشاكل الهجرة.
لا وقت للاحتفال
ولكن في الواقع لن تتاح الفرصة أمام أوباما ليحتفل بفوزه، في ظل ما يواجهه من مشكلات عالمية، تنطوي على تحديات كبرى، بينها برنامج إيران النووي واتساع نطاق حالة عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، الذي يثير الصراع الطائفي والفوضى والاضطرابات، بدءاً من سوريا وانتهاءً بشمال أفريقيا. إلى جانب تلك المشكلات، سيتعيّن على أوباما أن يعيد النظر في سياسات بلاده تجاه الصين، في ضوء قوتها الاقتصادية المتنامية وقوتها العسكرية المنتشرة في المحيط الهادئ.
في غضون ذلك، تتزايد الضغوط على الولايات المتحدة لدعم تدخل عسكري في كل من سوريا ومالي، والبحث عن حلول لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بعد جمود دام قرابة العامين. كما سيواجه أوباما ضغوطًا من أجل تعزيز التواصل مع أميركا اللاتينية، بينما بدأت تبرز المكسيك والبرازيل، باعتبارهما شريكين تجاريين كبيرين لأميركا، من دون نسيان خطر عصابات الاتجار بالمخدرات على الحدود مع المكسيك.
دلالات فوز أوباما
قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن انتصار أوباما «ليس علامة على أن أمة مفككة توحدت أخيرا يوم الانتخابات»، بل هو «قبول قوي بسياسات اقتصادية تشدد على أهمية توفير الوظائف وإصلاح الرعاية الصحية وزيادة الضرائب والخفض المتوازن لعجز الميزانية».
وأضافت الصحيفة في افتتاحيتها عقب إعلان فوز أوباما بفترة رئاسية ثانية أن هذا الانتصار يشير أيضا إلى «القبول الواسع بالسياسات المعتدلة» تجاه الهجرة والإجهاض. «إنها رفض لأفكار عهد ريغان حول خفض الضرائب، وحرية السوق المتوحشة، وسياسة الخوف وعدم التسامح والخداع».
وأشارت إلى أن انتصار الرئيس اعتمد كثيرا على منطقة الغرب الأوسط مثل ولاية أوهايو حيث أثبت الإنقاذ المالي لصناعة السيارات، الذي نفذه أوباما وعارضه المرشح الجمهوري ميت رومني، أنه وجد ترحيباً شعبياً كبيراً.
وذكرت «نيويورك تايمز» أنه وبمعنى أوسع، يبدو أن الناخبين بوسط الغرب يتبنون حجة الرئيس أوباما بأن للحكومة دوراً هاماً في توفير الوظائف بالقطاع الخاص وتعزيز مكانة الاقتصاد، ويرفضون موقف رومني الداعي إلى أن ترفع واشنطن يدها عن هذه الأمور وتدع السوق الحرة تعمل بإرادتها.
وقالت لقد اتضح الآن أن رومني اتخذ قرارا قاتلا خلال الانتخابات الأولية داخل صفوف الحزب الجمهوري بتبنيه خطا متشددا ضد الهجرة، الأمر الذي ألب ضده الناخبين من أصول لاتينية. وذكرت أن ثلث الناخبين فقط يوافقون على ترحيل جميع المهاجرين بشكل غير قانوني، بينما يوافق الثلثان الآخران على إيجاد مخارج لهم ليصبحوا مهاجرين شرعيين. وقالت إن موقف الجمهوريين من الهجرة سيكلفهم كثيراً.
انقسامات الناخبين
وتناولت وسائل الإعلام الأميركي انقسامات الناخبين من حيث الدخل المالي، الجنس والعمر والعرق والدين، وقالت إن الأغنياء والرجال البيض صوتوا لرومني، بينما صوت الفقراء والأفارقة واللاتينيون بأغلبية كبيرة لصالح أوباما. كما صوت لرومني من يعارضون الإجهاض ويدعمون الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين، وقالت إن هذه المواقف لم تعد تجد قبولا لدى الغالبية في الولايات المتحدة. وأشارت إلى أن الناخبين كانوا أذكى مما كان يتوقع رومني، الذي اكتفى بإلقاء اللوم على أوباما في كل شيء دون أن يقدم بديلا واضحا ومقنعا، خاصة في الشؤون الاقتصادية.
وقالت «نيويورك تايمز» إن الجمهوريين يجب أن يشعروا بخيبة الأمل تجاه نتائج انتقادهم القاسي لقانون أوباما لإصلاح الرعاية الصحية. فقد قال 25 بالمئة فقط من الأميركيين بوجوب رفضه بالكامل.
الأمر اللافت، الذي أظهرته استطلاعات بخصوص الانتصار الذي حققه أوباما على حساب ميت رومني، هو أنه جاء في وقت مازال ينقسم فيه جمهور الناخبين بين رجال ونساء، وبيض وأقليات، وأغنياء وفقراء، وكبار وصغار.
وفي السياق، اظهرت دراسة نشرت نتائجها الأربعاء الماضي أن الاقليات بشكل خاص، اضافة الى الشباب والنساء، ساهموا بإعادة انتخاب أوباما، في حين كان العدد الأكبر من ناخبي رومني من البيض غير المتحدرين من أصول لاتينية.
وعلى الصعيد الوطني، يمثل غير البيض 28 بالمئة من الناخبين (مقابل 26 بالمئة عام 2008) حيث حصل أوباما على 80 بالمئة من أصواتهم، بحسب دراسة أجراها معهد «بيو» وشملت تحليل بيانات من أشخاص ومن الصحافة، استناداً الى أرقام مجموعة لتحليل البيانات الصحافية. وصوت 93 بالمئة من السود لصالح أوباما ومعهم 71 بالمئة من المتحدرين من أصول أميركية لاتينية و55 بالمئة من النساء و60 بالمئة من فئة 18-29 عاماً و52 بالمئة من فئة 30-44 عاماً. ولدى المتحدرين من أصول لاتينية، وحده بيل كلينتون حقق نتيجة افضل بحصوله على 72 بالمئة من أصوات هذه الفئة عام 1996.
وبموازاة ذلك، 52 بالمئة من الرجال صوتوا لصالح رومني ومعهم 59 بالمئة من البيض، 51 بالمئة من ناخبي فئة 45-64 عاماً و56 بالمئة من فئة 65 عاماً وما فوق.
رومني يعترف بالهزيمة
لم تجرِ الرياح، إذاً، كما اشتهى المرشح الجمهوري ميت رومني الذي أعد خطاب النصر قبل إعلان نتيجة الانتخابات الأميركية، ووجد رومني نفسه مجبراً على إلقاء خطاب الهزيمة معلنًا أنه اتصل بأوباما «لتهنئته» على فوزه. وفي خطاب الاعتراف بالهزيمة الذي ألقاه رومني أمام مناصريه في بوسطن قال إنه اتصل بالرئيس أوباما «لتهنئته» على فوزه. وقال «لقد قدمنا كل شيء خلال هذه الحملة»، وشكرهم على جهودهم.
واضاف متحدثًا عن اوباما «أن مؤيديه وفريق حملته يستحقان التهنئة ايضاً» قائلاً «أوجه اطيب تمنياتي لهم جميعًا لكن خصوصاً الرئيس والسيدة الاولى وابنتيهما». وكذلك شكر مرشحه لمنصب نائب الرئيس بول راين. وأضاف رومني أن اختيار راين «كان أفضل خيار» قام به.
وقال حاكم ماساتشوستس السابق الذي علت وجهه ابتسامة وتكلم بلهجة لا تخلو من عزة النفس أنه «يصلي من اجل نجاح الرئيس في هذه الاوقات التي تشهد تحديات كبرى لأميركا».
وفي ختام انتخابات الثلاثاء بقي التوازن هو نفسه في مجلسي النواب والشيوخ. وأضاف «في مثل هذه الاوقات، لا يمكننا السماح بالتموضع الحزبي».
وكان رومني قال قبل صدور النتائج الرئاسية إنه مقتنع عقلياً وعاطفياً بأنه سيفوز في الانتخابات الرئاسية، مؤكدًا أنه انتهى من كتابة خطاب النصر وهو من 1118 كلمة. واكد رومني على الثقة التي أعرب عنها فريق حملته الانتخابية منذ اسابيع رغم أن الاستطلاعات اظهرت أن امامه طريقا صعبا للفوز في الولايات الحاسمة.
Leave a Reply