إنتهت الانتخابات الرئاسية الأميركية على خير ولم تنزل نقطة دم ولم تقع ضربة كف واحدة ولم يحرد الخصم الخاسر بعد فشل حملته الإنتخابية (إلا قليلاً)، ولم تقع فتنة مذهبية بين طائفة «المورمون» وبين «السبتيين» أو «الانجيليين» أو «الكاثوليك». العملية الإنتخابية مرت بسلام وشفافية وديمقراطية تضمنت إعتراف الخصم ميت رومني بهزيمته ومكالمة الرئيس الفائز لتهنئته على الفوز ثم دعوته المخلصة لكل الشعب الأميركي، من الذين أيدوه أو لم يؤيدوه، إلى الإلتفاف حول الرئيس الفائز باراك حسين أوباما في ولايته الثانية من أجل إنجاح مهمته الصعبة لقيادة البلد لأربع سنوات جديدة. إنه تداول للسلطة في أرقى معانيه، تماماً مثل سلوك أشباه الرجال في بلادنا العربية الذين ابتلينا بهم لقرون طويلة حتى إذا حصل ما يسمى بـ«الرمد الربيعي العربي» استبدلنا الصعاليك بأقزام.
حال أميركا يشبه خصيصاً حال «مصيبة الوطن» عندنا (بلا قياس وتشبيه)! فعندما تم طرد سعد الحريري من الخدمة كما يحدث في أي بلد عادي في العالم (فكيف الذي يدعي الحضارة الفينيقية وفلسفة سعيد عقل و«نضال» عقل هاشم) وتم إستبداله بحوت مالٍ آخر، قامت الدنيا ولم تقعد حتى هذه الساعة واشتعلت مدينة طرابلس «الجريحة» بنار يوم الغضب، لكنها لم تغضب للإساءة للرسول الأعظم التي ألهبت العالم الاسلامي.
خالد الضاهر لم يستح عند ظهوره على الشاشة من تبرير ذلك بأن الرد على المشوهين لصورة النبي لايكون بالتظاهر حتى ولو سلمياً، بل بالدعوة والتثقيف والرسالة لكن لم يقل أن الرد على إقصاء الحريري من السلطة لا يكون بحرق البلد والعبور على «جدث الدولة أولاً». وبلغ حقد الفريق الخاسر حد تأنيب وعزل مفتي الجمهورية وتحريم الصلاة وراءه ثم منعه من الصلاة على جثمان وسام الحسن. المفتي قباني حول السرايا إلى «خلية حمد» تقام فيها الصلاة مع «سنيورة» المؤمنين رغم تظاهر نصف الشعب اللبناني ضده، لكن خدماته الجلى «للزرق» لم تشفع له بل «احمرت» عليه عين «المستقبل» أكثر ندما رفض إسقاط ميقاتي في الشارع وإقتحام السرايا الحكومية إنسجاماً مع موقفه السابق إلى درجة أن نديم قطيش كاد أن يدعو لإقتحام دار الفتوى، طبعاً بعد الحصول على اذنٍ مسبق من المدام!
وإذا كان الخاسر في السباق الرئاسي الأميركي أدلى بخطابٍ عقلاني أقر فيه بهزيمته، إلا أن أنصار «التيار الزرقاوي» يريدون رحيل ميقاتي بأي ثمن ولو ثمن الفوضى وعدم الإستقرار في أكثر الظروف حرجاً ودقة، عملاً بالقول المأثور «علي وعلى أعدائي يا رب». أما بالنسبة للمناظرات المتلفزة فلا فرق كبير بين بول راين ومصطفى علوش من فرقة «الدنيا هيك»! الأول حافظ على هدوئه واتزانه أمام استفزازات نائب الرئيس وزكزكاته، أما الثاني فساهم في تطيير الكراسي وتهشيم الرؤوس مع العنتريات والكلام السوقي البذيء الذي يخدش الحياء وأمام المشاهدين الكبار والصغار معاً. المناظرات في بلادنا إن وجدت فهي «للتنمير» والسخرية من الآخر أما في بلد العم سام فهي لتقديم برامج وخطط عمل واحترام الناخب عن طريق الإجابة عن تساؤلاته المشروعة! أما قوانين الإنتخاب في بلد مثل لبنان فتعود الى عصر «فلينستون» الحجري وفي حين يصوت ٢٠٠ مليون في أميركا في يومٍ واحد وتظهر النتائج في نفس اليوم، يختلف الساسة عندنا على ايجاد قانون عصري للانتخاب يمنع التزوير والرشوة ثم يتحول إلى مسلسل طويل.
الحاكم عندنا يجدد لنفسه ولسلالته عشرات السنين ودائماً يتسبب في لبنان بحربٍ أهلية طاحنة بسبب التجديد أو التمديد، وفي البلاد العربية يطاح بالسيء ليأتي بالأسوأ. فمن قال أن أللامنصف اللامرزوقي في تونس ومحمد مرسي في مصر ومصطفى عبد الناتو في ليبيا أفضل من بن علي أوحسني مبارك أو معمر الأثافي؟ إلا أن فلتة الشوط هو مرسي الذي بزّ أنورالسادات في تملقه وتزلفه لشمعون بيريز قاتل أطفال مصر وسوريا ولبنان والأردن. لقد انجلى الغبار عن أمرٍ مهم جداً وهو أن «إخوان الصفا» كانوا لمدة طويلة يدعون الجهاد المقدس والنصرة لفلسطين كغطاء لكن كان همهم الأوحد السلطة ثم السلطة. رحم الله عبد الناصر الذي كشف أمرهم مبكراً.
لا مكان للديمقراطية المستحيلة في عالمنا العاشر، إزاء القبلية والوراثية والمذهبية وألف رحمة عليها قبل أن تولد وبعد معجزة الولادة وبعد أن تموت موؤودة بتراب «الربيع العربي»!
Leave a Reply