للمناسبات الدينية أيضاً، مواسم وتخفيضات وأبواق إعلانية تروج وتدعو لها. ومن الآن، ونحن لازلنا نستقبل حجاج بيت الله الحرام فرحين بقدومهم بالسلامة بعد أداء فريضة الحج، بدأ بعض الشيوخ وعلماء الدين بالترويج لقدوم شهر محرّم وأيام عاشوراء فيه، وحث الناس على البذل والإنفاق بسخاء لشراء البسكوت والراحة وغيرها من الحلويات لتكون مجالس العويل والنواح عامرة بكل ما لذّ وطاب من الأكل والشرب ولمدة أربعين يوماً بدلاً من عشرة حزناً على الإمام الحسين (ع) وأهل بيته.
هلّق اللي بدو يأكل صحتين على قلبو، واللي بدو يبيع الحلويات الخاصة بعاشوراء فهنيئاً له، لكن من غير المقبول أن تسمع البعض من قراء تلك المجالس يحثون، وبإلحاح، الناس على البكاء وذرف الدموع، ومن لا يستطيع فليتظاهر بالتباكي، إي والله! لماذا ياسيدي، لأن الإمام الحسين عليه السلام، سوف يقف يوم الحساب وبيده مسطرة ويقيس دموع كل واحد من المتباكين، ومن يبكي أكثر فسوف يدخل جنة عالية قطوفها دانية ومن لا يبكي فأمه هاوية، وما أدراك ماهي نارٌ حامية.
وللأسف تتكرر هذه الدعوات والتهيؤ للبكاء والنحيب من قبل العديد من الشيوخ والمتكسبين من إحياء المجالس على سبيل تذكيرنا نحن عباد الله المتعبين، وكما لو كنا نعيش في نعيم مقيم في إمارة موناكو، فلا إعصار «ساندي» ولا أخبار سوريا ولا ويلات بلاد العرب أوطاني، وكأننا مثل الشيخ من إياهم نرفل في الهناء والدفء ويأتينا الرزق من حيث لا نعلم وبغير حساب.
لا أدري إذا كان أحدٌ من بعض رجال الدين غير العلماء، يقرأ هذه الكلمات لأني سوف أحكي له حكاية إذ لعلها وعسى تفيد في هذا المقام.
عاش رجلٌ حياته بالطول والعرض مقتنعاً بأن الحياة لعب ولهو وتفاخر بالمال والبنين، رأى في نومه رؤيا تكررت عدة مرّات، فنغّصت حياته وأقلقت منامه فلجأ إلى العرافين والمشعوذين ولم تنفعه حجاباتهم ورقياهم. وقرّر أن يذهب لشيخ عابد زاهد في محراب بسيط يقع على طرف المدينة.
قال الرجل للشيخ: إني أرى نفسي أهوي إلى وادٍ سحيق في قعره نار مستعرة وأستيقظ فجأة قبل الوصول إليها، وأنا خائف جداً أن أموت ويكون مصيري النار وأنا على إستعداد لأفعل أي شيء للنجاة من تلك الرؤيا المخيفة.
قام العابد الزاهد لشأن ما وعاد ومعه قنينة قائلاً للرجل: قبل أي شيء عليك ملء هذه القنينة من ماء النهر الجاري. والماء الداخل لهذه القنينة كافِ لإطفاء النار التي تخشاها!!
حاول الرجل مراراً وتكراراً ملء القنينة من ماء النهر ولم يفلح، ذهب إلى البحر ولم ينجح، فقد كانت فوهة القنينة ضيقة جداً فلم يتسرب الماء اليها.
وفي إحدى المرات، جلس الرجل واضعاً القنينة أمامه على طاولة، وراح يفكر بعمق فيما اقترفه من ذنوب وما سببه من أذى لمن حوله، مستعرضاً شريط أيامه الماضية الغارقة بالآثام والجبروت، فشعر بندم شديد وهو يرى نفسه عاجزاً عن ملء قنينة صغيرة بالماء. إنهمرت من عينيه دمعة ندم حارة وسقطت في القنينة وكانت كافية لملئها.
هذه الدمعة الحارة، دمعة الندم والحسرة لكل ذنبٍ وخطأ إقترفه الإنسان، هي دمعة التوبة لغسل القلب من قسوة الإثم والحقد وخلاص الجسد من شهوة الغرائز الفاسدة وتطهير الروح من تلوث داء التكبّر والطغيان. هذه الدموع يا حضرات السادة العلماء وغير العلماء هي ما يجب أن يتذكره الناس من محبي ومريدي الإمام الحسين، الذين تشلَّهم مجالس العزاء والنواح المزيف في كل سنة، وكأن الإمام الحسين إستشهد وسفك دمه في سبيل معرفة من يتباكى عليه أكثر.
خفّفوا قليلاً عن خلق الله ودعوا الناس تبكي بكاء الندم والحسرة على ما إكتسبوه من آثام ولتكن الدموع دموع التوبة والرجوع إلى الخالق العظيم، قابل التوب وغافر الذنب.
Leave a Reply