القاهرة – تزايدت أعداد المرضى النفسيين في مصر بعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، وواكب تلك الزيادة تكاثر في عدد المستشفيات النفسية لاستيعاب المرضى الجدد، وكذلك معدلات استهلاك الأدوية النفسية لتصبح الثانية عالمياَ خلف أدوية القلب مباشرة بعد أن كانت في المرتبة التاسعة.
ويرجع أطباء مشاركون في المؤتمر الدولي الثامن في الطب النفسي الذي انعقد في القاهرة السبب الى الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها المصريون منذ الثورة وحتى الآن.

ويقول الدكتور محمد غانم لصحيفة «الأهرام»، رئيس قسم الطب النفسي في جامعة عين شمس، ورئيس المؤتمر إن «ثورة 25 يناير» غيرت في تركيبة المجتمع المصري، «فغالبية المصريين اتفقوا على هدف رئيسي «إسقاط النظام» وإخرجوا كل الشحنات الإيجابية من أجل تحقيق الهدف، وبعد سقوط النظام ظهرت مشاكل نفسية لدى شريحة كبيرة من المجتمع بسبب اصابة الكثيرين منهم بما يشبه الصدمة».
وظهرت فئات كانت مهمشة تبحث عن دور في المجتمع، وهي غير مؤهله لهذا الدور، فارتفع معها سقف المطالب بالنسبة لهؤلاء الأفراد، خاصة وإنهم يعانون ظروفاَ اقتصادية صعبة، فانعكس ذلك عليهم في صورة مشاكل نفسية.
وأضاف غانم ان «نتائج دراسة بحثية أجريت على 15 ألف شخص في خمس محافظات اكدت ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض النفسية بعد الثورة كنتيجة للضغوط التي يتعرض لها معظم المصريين الآن».
وأوضح ان 17 بالمئة من المصريين ممن شملتهم الدراسة «عينة الدراسة تمثل المصريين من سن 18 حتى 64، وتم اختيارهم بطريقة عشوائية» مرضى نفسيون، ويعانون أمراضاَ أهمها الاكتئاب والقلق والاضطرابات الجسدية والنفسية. وأضاف ان مرض الوسواس القهري أصبح يصيب 10 بالمئة من المصريين، إذ يعانون أفكاراَ وسواسية، كما ان المظاهر الدينية دخلت في إطار الوسوسة، مشيراَ الى ان العلاج النفسي ساعد في شفاء 60 بالمئة من المرضى نهائياَ و30 بالمئة يحتاجون لاستمرارية العلاج.
ويرى الدكتور مصطفى حسين، مدير مستشفى العباسية للأمراض النفسية ان «المجتمع المصري لا يقوم بدوره في إعادة تأهيل المريض واستيعابه، لأن الكثير من المرضى ضحية للظروف القاسية، خاصة ظلم الأقارب»، كاشفاً عن أن «بعضهم موهوب في فنون بعينها».
ويضيف لصحيفة «المصري اليوم» إن «المجتمع يخشى التعامل من قريب أو بعيد مع المريض النفسي، وإن أُجبر على التعامل معه فإنه يلفظه. ومن المؤسف ان المجتمع يتلقى معلوماته عن المرض النفسي من الأعمال الدرامية التي صورت المريض للمجتمع بأنه شخص لا يُشفى، ولا أمل في علاجه، وبالتالي.. لا مكان له في واقعنا».
وتؤكد الإخصائية النفسية بمستشفى العباسية أميرة فتحي ان «المرضى تغيروا عن الماضي، وأصبحوا يعرفون حقوقهم، ومتى يقولون نعم، ومتى يرفضون. وكل من يخرج من المستشفى يعود إليها ثانية لعدة أسباب، منها عدم استيعاب المجتمع له، أو انتكاسة صحية، وربما للعشرة مع زملائه من المرضى، فبعضهم يقضي سنوات داخل المستشفى، قد تصل إلى 50 عاماً».
وتقول إحدى المريضات بمستشفى العباسية إنها تتمنى أن تعيش في المستشفى بقية حياتها، بعد ان دخلت المستشفى بسبب أحد شقيقيها (ضابط أمن دولة) حاول رميها من الدور الرابع، لأنها رفضت التوقيع على توكيل يمكنه من التصرف في ممتلكاتها، فكرهت المال بوصفه «السبب في ضياع الرحمة بين الناس».
وترى عبير أن «ثورة 25 يناير» «أحسن حاجة في الدنيا»، لأنها أعادت للشعب كرامته الضائعة، وجعلت الناس يعبرون عن رأيهم بحرية، دون خوف من أمن الدولة أو الاعتقالات، متهمة مبارك بأنه «ضيع نفسه وشعبه» وكان «يريد تسليم رقبتنا لإسرائيل».
وتقول الحاجة مبروكة التي عبرت أولى كلماتها عن تمنيات «الخروج من هنا بفارغ الصبر، والرجوع لأولادها»، مرجعة دخولها المستشفى، إلى تعرضها لحالة صحية قبل 20 عاماً، عقب ولادة ابنها الأصغر جعلتها تصرخ بشكل هستيري دون إبداء أسباب، لينتهي الأمر بإيداعها المستشفى، على فترات متتالية.
وأوضح الدكتور مصطفى حسين أن «سعة المستشفى 1700 سرير، مشغول منها الآن 1340، وباقي الأسرة تحت الصيانة والتجديد، ومعظم النزلاء رجال»، وأنه بمجرد دخول المريض، توضع له خطة علاجية من فريق متخصص.
وقال ان غالبية المرضى، الذين يتم علاجهم يتعرضون لانتكاسه بعد خروجهم من المستشفى، خاصة قسم الإدمان، صاحب النسبة الكبرى في الانتكاسة لعدم تقبل المجتمع لهم، وعدم مساعدتهم في إعادة التأهيل.
وكشف حسين عن وجود مرضى منذ 50 عاماً، لا يعرفون شيئاً عن المجتمع بالخارج، شاكياً من أن الكثير من الأهالي يأتون بذويهم بغرض الإيداع لا العلاج، وفي المقابل الكثير من الأهالي لا يعرفون أن ذويهم نزلاء هنا، وربما يكتشفون ذلك بعد سنوات.
ويؤكد الدكتور عارف خويلد، أمين عام مستشفيات الصحة النفسية بوزارة الصحة على زيادة عدد المترددين على مستشفيات الصحة النفسية في فترة ما بعد الثورة، ليس فقط لتزايد أحداث العنف والمتغيرات التي شهدها المجتمع عقب الثورة، وإنما لزيادة الوعي لدى المجتمع بالمرض النفسي، ولانضمام مستشفيات جديدة تابعة للأمانة، حيث كانت عام 2010، سبع مستشفيات وأصبحت 16 يضاف لها مركزان لعلاج الإدمان.
وقال خويلد إن عدد المترددين على مستشفيات الأمانة خلال الشهر الماضي بلغ حوالي 2500 مريض بسبب أن المواطن كان يتوقع أن «تتحسن حالته المعيشية بعد الثورة، وأن تنخفض الأسعار ويجد العاطلون عملاَ، وتنخفض معدلات العنوسة، لكن مع الوقت اكتشفوا العكس»، فأصيبوا بالإحباط ثم عادوا مرة أخرى يتفاءلون بتحسن الاوضاع ثم يكتشفون استمرار المشاكل ذاتها، وهكذا استمر الوضع بين التفاؤل والإحباط لينعكس ذلك سلباً على الحالة النفسية فيما يشبه تجربة «الفأر ولقمة العيش».
وقال خويلد إن كانون الثاني 2011 شهر الثورة كانت نسبة الإقبال خلاله على المستشفى أقل من سابقه عام 2010، حيث وصل عدد المترددين على مستشفيات الصحة إلى 900 مريض، وكانون الثاني 2011 إلى 1200 مريض، وكانون الثاني 2012 إلى 1300 مريض.
Leave a Reply