غزة – سطرت المقاومة الفلسطينية الأسبوع الماضي انتصاراً جديداً في «زمن الإنتصارات» بعد أن أرغمت إسرائيل على رفع «الراية البيضاء» واستجداء وقف إطلاق النار علّها تحفظ بعضاً من ماء وجه رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو قبل الإنتخابات. فبعد أن ظن نتنياهو أنه بإمكان إسرائيل أن تعيد هيبتها الى المنطقة وتستعيد قدرتها الردعية من بوابة القطاع المحاصر عبر استهداف القائد العسكري لكتائب «حماس» أحمد الجعبري وخلخلة البنية التحتية لفصائل المقاومة في غزة عبر القصف الجوي، ذهل الكيان الصهيوني بوتيرة الرد المتصاعدة التي قادتها الفصائل المختلفة على مدى ثمانية أيام بتناغم غير مسبوق.. فمن استهداف مستوطنات ومدن «غلاف غزة» الى قصف تل أبيب والقدس المحتلة وصولاً الى التفجيرات في عاصمة الكيان، وإشهار سلاح «الكورنيت» الروسي المتطور المضاد للدروع، والكفيل بإفشال أي اجتياح بري كما حصل في لبنان العام 2006، وقفت إسرائيل عاجزة عن فرض هيبتها أمام قدرات وتصميم المقاومة الفلسطينية على تحقيق النصر رغم الضغوطات التي تعرضت لها من أشقائها العرب.
هنية محتفلاً في غزة. (رويترز) |
انتصرت المقاومة الفلسطينية في غزة، بعد ثمانية أيام من العدوان الإسرائيلي المتواصل. استطاعت بصمود أهلها وسواعد مقاوميها وصواريخها التي دكت مدناً كانت رمزاً للاستقرار في الأراضي المحتلة، أن تفرض على العدوّ شروطاً للتهدئة، برعاية مصرية و«شهادة أميركية».
بعد ثمانية أيام من المواجهة دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس»، حيّز التنفيذ الأربعاء الماضي وسط ترحيب دولي واسع، وذلك بعد استشهاد 155 فلسطينياً ومقتل ستة إسرائيليين، بينهم جنديان.
وجاءت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لتُعلن رسمياً وقف إطلاق النار في مؤتمر صحافي مع نظيرها المصري محمد كامل عمرو، في القاهرة. هذا الإعلان من قبل كلينتون نفسها يعزّز من انتصار المقاومة. فبحسب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، إن واشنطن باتت «شاهدة» على هذا الاتفاق الذي تم برعاية مصرية. ونجحت المقاومة عبر اتفاق وقف إطلاق النار في كسر الحصار البري والبحري والجوي عن القطاع، الذي قارب سبع سنوات، وألزمت إسرائيل بأن تكفّ عن أعمالها العدوانية ضدّ القطاع، ومن ضمنها استهداف الأشخاص، بمعنى آخر وقف الاغتيالات. وكان لافتاً أن الاتفاق لم يشر من قريب ولا من بعيد الى مسألة وقف نقل الأسلحة إلى القطاع، ما يدلّ على أنّ الاحتلال لم يستطع أن يحقق أي نقطة لصالحه، رغم أنه يعتقد أنه حقق وقف إطلاق الصواريخ من القطاع.
وبينما تواصلت الاحتفالات الشعبية بالنصر في غزة، ظل انعدام الثقة واضحا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ في حين أكد الطرفان العمل باتفاق الهدنة، فإنهما تبادلا التهديد بالرد في حال خرقها. كما أشادت الفصائل الفلسطينية بالدعم الإيراني الذي مكنها من تحقيق النصر. ففيما طغت الزغاريد وإطلاق النيران ابتهاجاً بالنصر في غزة، على النواح والبكاء في تل أبيب، أقرّ المسؤولون الاسرائيليون بالهزيمة. وعلّقت وسائل الإعلام الإسرائيلية اليمينية على إعلان وقف إطلاق النار قائلةً إن الإسرائيليين تلقّوا الخبر بمرارة، وهم يشعرون أنه تم إنهاء العملية العسكرية دون تحقيق أي انجاز حقيقي، بل على العكس أبدت حركتا «حماس» و«الجهاد» قدرات على إطلاق الصواريخ لتطال حتى تل أبيب والقدس، بينما إسرائيل لم تنجح في وقف تلك الصواريخ بـ«قبتها الحديدية» المكلفة والفاشلة. وأكدت وسائل الإعلام الاسرائيلية إن «إسرائيل خضعت لشروط المقاومة، وستوقف سياسة الاغتيالات وسترفع الحصار عن غزة، مقابل وقف «حماس» لإطلاق النار».
زعيم المعارضة ورئيس حزب «كديما» شاؤول موفاز قال إن «فصائل غزة انتصرت في هذه الجولة وإسرائيل هي الخاسر الأكبر». وأعلن كلّ من عضو الكنيست عن اليمين ميخائيل بن أري وأرييه الداد أنّ «وقف إطلاق النار بمثابة رفع الراية البيضاء أمام حماس». وأضافا أنّه «بدلاً من السماح للجيش الإسرائيلي بالعمل على تدمير «حماس» و«الجهاد»، خرجت حكومة نتنياهو من هذه الحملة وهي تجرّ ذيول الخزيّ والعار، ودون تحقيق أي هدف من أهداف العملية العسكرية التي خرجت إليها»، مطالبين نتنياهو بضرورة الاستقالة.
وفي حين أكد كل من نتنياهو، ووزير دفاع حكومته إيهود باراك، استعداد إسرائيل للرد على أي انتهاك للهدنة، توجّه رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية إلى حكومة الاحتلال بالقول «إن عدتم عدنا». وطالب هنية جميع الفصائل الفلسطينية باحترام اتفاق التهدئة وتنفيذه، داعياً أجهزة الأمن في حكومته إلى متابعة تنفيذ الاتفاق.
وأكد هنية، في كلمة وجهها إلى الشعب الفلسطيني، أن «متغيرات الواقع الفلسطيني والعربي والدولي لم تكن لصالح العدو الإسرائيلي، الذي سعى لإنهاء العدوان على غزة». واعتبر أن «أحد أهداف الحرب على غزة كان قراءة الموقف المصري مما يحدث».
وشكر هنية، «من قدم السلاح والمال للمقاومة وخاصة إيران». وأضاف «سنتابع مع الأشقاء في مصر مدى التزام الاحتلال به ونقول للاحتلال إن عدتم عدنا» في إشارة إلى الرد الفلسطيني على أية هجمات إسرائيلية.
من جهتها، أوضحت «سرايا القدس» الذراع العسكري لـ«حركة الجهاد الإسلامي»، أن «المقاومة فرضت إرادتها وعزيمتها وأسلوبا جديدا في معادلة الردع»، لافتة إلى أن ذلك «ساهم في إرباك حسابات العدو».
وقال متحدث باسم السرايا في مؤتمر صحافي، إنه تم إطلاق 620 صاروخاً وقذيفة في معركة «الحرب الزرقاء»، من بينها صواريخ «غراد» و«فجر 5» و«كورنيت» لأول مرة، مضيفاً «استطعنا اختراق أكثر من خمسة آلاف جهاز اتصال لضباط إسرائيليين خلال العدوان».
كما توجهت «السرايا» بالشكر إلى «إيران ومصر وكل الشرفاء الذين ساندوا المقاومة»، في وقوفها بوجه العدوان الإسرائيلي على غزة.
في مقابل ذلك، أثار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، احتمال استئناف إسرائيل هجماتها في حال لم تحترم «حماس» وقف إطلاق النار.
وقال باراك للإذاعة العامة الإسرائيلية، إن وقف إطلاق النار «يمكن أن يستمر تسعة أيام، تسعة أسابيع أو أكثر، لكنه إذا لم يصمد فسنعرف كيف نتصرف وسننظر بالتأكيد حينئذ باحتمال استئناف أنشطتنا العسكرية، في حال إطلاق النار أو القيام باستفزازات».
نص الإتفاق
1- أ. تقوم إسرائيل بوقف كل الأعمال العدائية على قطاع غزة براً، بحراً وجواً بما في ذلك الاجتياحات وعمليات استهداف الأشخاص.
ب. تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات على خط الحدود.
ج. فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم في المناطق الحدودية، والتعامل مع إجراءات تنفيذ ذلك بعد 24 ساعة من دخول الاتفاق حيّز التنفيذ.
د. يتم تناول القضايا الأخرى إذا ما تم طلب ذلك.
2- آلية التنفيذ:
أ. تحديد ساعة الصفر لدخول تفاهمات التهدئة حيّز التنفيذ.
ب. حصول مصر على ضمانات من كل طرف بالالتزام بما تم الاتفاق عليه.
ج. التزام كل طرف بعدم القيام بأي أفعال من شأنها خرق هذه التفاهمات، وفي حال وجود أي ملاحظات يتم الرجوع إلى مصر راعية الاتفاق.
Leave a Reply