القاهرة – بعد ساعات من إعلان التهدئة في غزة تفرغ الرئيس المصري محمد مرسي، ومن خلفه «الإخوان المسلمون» للإنقضاض على مفاصل الحكم في البلاد عبر إقالة النائب العام وإصدار إعلان دستوري يمنح الرئيس صلاحيات واسعة تحت عنوان حماية الثورة.
ويطرح التزامن المثير للجدل بين هدنة غزة و«انقلاب مرسي» أسئلة كثيرة حول استغلال «الإخوان المسلمون» لأحداث إقليمية لمحاولة إحكام سيطرتهم على مصر وتأسيس تحالف إقليمي جديد لتثبيت حكمهم، في وقت يتم فيه الحديث عن اتفاق إخواني-إسرائيلي لـ«هدنة طويلة» في غرة وفق «كامب ديفيد».
وفي خطوته التي وصفت بالإنقلابية أصدر الرئيس المصري محمد مرسي قرارا يقضي باقالة النائب العام عبد المجيد محمود وتعيين المستشار طلعت عبد الله نائبا عاماً جديداً كما أصدر إعلانا دستوريا جديدا عزز بموجبه صلاحياته. وتمسك مرسي بقراره رغم المعارضة الشعبية الواسعة التي قرر «الإخوان» مواجهتها بتظاهرة مؤيدة أمام قصر «الإتحادية» الرئاسي، فيما ألقى الرئيس كلمة أمام المتظاهرين تحدث فيها عن «وضوح» أهداف الثورة وتمسكه بتحقيقها. لكن المعارضة نددت بـ«جريمة مرسي» واتهمته بالانقلاب على الشرعية ومحاولة تنصيب نفسه «حاكما بأمر الله»، فيما خرجت مظاهرات حاشدة تطالب بـ«إسقاط حكم المرشد» بمصر، قوبلت بالقمع في ميدان التحرير.
وهذه هي المحاولة الثانية التي يعمد فيها مرسي لإقالة النائب العام بعد فشل محاولته الأولى التي قوبلت برفض كبير من الشارع المصري، فضلا عن رفض عبد المجيد محمود قرار مرسي باعتباره مخالفا للدستور، ما تسبب بأزمة كبيرة في البلاد انتهت بعدول مرسي عن قراره.
الإعلان الدستوري
وكان مرسي قد أصدر إعلانا دستوريا جديدا نص على أن الرئيس يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب، وألا يقل سنه عن 40 عاماً، ويسري هذا النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر فوري، ليطيح بذلك بالنائب العام عبد المجيد محمود.
وعزز الإعلان الدستوري سلطات الرئيس التنفيذية والتشريعية، ومنح قراراته الحصانة من السلطة القضائية، في الوقت الذي يحتفظ فيه الرئيس أساسا بالسلطة التشريعية لغياب برلمان منتخب. وأعطى الإعلان الدستوري لرئيس الجمهورية حق اتخاذ أي تدابير أو قرارات «لحماية الثورة» على النحو الذي ينظمه القانون. كما حصن الإعلان الدستوري الجديد الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات الصادرة من الرئيس حتى نفاذ الدستور، بجعلها نهائية ونافذة ولا يجوز الطعن فيها.
وشمل الإعلان الدستوري النص على أنه «لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور». ومدد الإعلان الدستوري عمل الجمعية التأسيسية شهرين إضافيين.
وتضمن الإعلان الدستوري أيضاً مادة تنص على إعادة التحقيقات والمحاكمات في جرائم القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار بواسطة كل من تولى منصباً سياسياً أو تنفيذياً في ظل النظام السابق، وذلك وفقاً لقانون حماية الثورة وغيره من القوانين.
انقسام شعبي وسياسي
وقد أعلنت قوى سياسية مصرية معارضتها لإعلان مرسي الديكتاتوري الطابع، فيما وصف رئيس نادي قضاة مصر المستشار أحمد الزند الإعلان بأنه تجريف لدولة القانون ومخالف لمبدأ فصل السلطات، في المقابل أيدت قوى أخرى في مقدمتها التيارات الإسلامية قرارات مرسي ووصفتها «بالثورية». وفي مؤتمر صحفي عقد بمقر حزب «الوفد» عقب اجتماع لأحزاب سياسية وبحضور مرشحيْ الرئاسة السابقين عمرو موسى وحمدين صباحي ورئيس حزب الدستور محمد البرادعي، تلا رئيس الحزب الناصري سامح عاشور بيانا أكد فيه أن قرارات الرئيس تمثل انقلابا كاملا على الشرعية التي أتت به إلى الحكم واستحواذا على كل سلطات الدولة. وقال عاشور الذي دعا الى تظاهرة مليونية إن ما يحدث هو تمهيد لحكم مصر «بالأحكام العرفية». وقال عاشور إن الرئيس مرسي بدلا من التصرف كرئيس لمصر كلها وهي في لحظة شقاق حول الدستور، «صب الزيت على النار وسيشعل البلاد بجحيم سياسي قد يحرقها كلها». وأوضح أن القرارات تصنع «ديكتاتورا» لم تعرفه مصر إلا أيام الرئيس السابق حسني مبارك، وأضاف أنه يقوم بتصفية الحسابات مع السلطة القضائية التي «تحمي الحريات» في البلاد. وطالب البيان بإسقاط الإعلان الدستوري «الغاشم»، وحل الجمعية التأسيسية «المرفوضة من المجتمع التي فقدت مشروعيتها الأخلاقية والسياسية وإعادة تشكيلها بضم مختلف الطوائف المصرية» يذكر أن الهيئة التأسيسية التي تقوم بكتابة الدستور شهدت انسحابات واسعة (٤٢ من ١٠٠) ولم يبق فيها سوى الإسلاميين ما ينذر بكتابة دستور مفصل على قياسهم، رغم التعددية الموجودة في مصر.
وشهد الأسبوع الماضي تسلّم قائمقام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية الأنبا باخوميوس، عصا الرعاية إلى البابا تواضروس الثاني، في حفل تنصيب كبير في الكاتدرائية المرقسية في القاهرة، غاب عنه الرئيس مرسي. وجاء تنصيب البابا الجديد بعد يوم من إعلان الكنائس المصرية الرئيسية الثلاث انسحابها من الجمعية التأسيسية، ما يعكس غضب المسيحيين المصريين على محاولات تهميشهم ومضايقتهم من قبل القوى المتشددة في معسكر الإسلام السياسي. كما انسحب عدد من السياسيين من التيار الليبرالي وقالوا انهم لم يحصلوا على فرصة لبحث المواد الواردة في مسودة الدستور فضلا عن تجاهل مقترحاتهم.
Leave a Reply