القاهرة – يبدو أن مصر قد باتت على عتبة المجهول بعد سلسلة تطورات بدأها الرئيس مرسي فور الإعلان عن وقف إطلاق النار بين الإحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لتثبيت إمساك تيار الإسلام السياسي – ممثلاً بجماعة «الإخوان المسلمين» والسلفيين – بزمام الحكم في مصر عبر إعلان دستوري أعطى الرئيس صلاحيات واسعة على حساب السلطات التشريعية والقضائية ممدداً أهلية اللجنة التأسيسية المعنية بكتابة دستور جديد للبلاد رغم الإنسحابات الواسعة منه وسط معارضة شعبية واسعة ومتواصلة. ويبدو أن إصرار مرسي على إقصاء القوى الوطنية من المشاركة في وضع الدستور الجديد، يعكس سياسة الإسلاميين التي تكرّست الخميس الماضي في الجلسة «المسرحية» التي عقدتها الجمعية التأسيسية، والتي أقرت مواد الدستور الجديد كافة، الذي سيسلك منذ الآن طريقه إلى قصر الاتحادية في مصر الجديدة، تمهيداً لإصدار قرار بدعوة الناخبين للاستفتاء عليه من قبل الرئيس محمد مرسي، الذي جدد تمسكه بقراراته الديكتاتورية، مجدداً القول إن الإعلان الدستوري الذي أصدره مؤخراً ذو طبيعة «مؤقتة».
من احتجاجات ميدان التحرير |
وفي ظل المخاوف من أن يؤدي انفراد الإسلاميين في عملية وضع الدستور من جهة، وتعنت الرئاسة المصرية في مسألة الإعلان الدستوري من جهة ثانية، إلى حدوث اضطرابات خطيرة تصل إلى حد الصدام في الشارع، إذ تتجه الأنظار مجدداً إلى ميدان التحرير، حيث تستعد القوى المدنية لتنظيم تظاهرة مليونية جديدة تحت شعارَي «حلم الشهيد» و«التراجع أو الرحيل» بعد مليونية «للثورة شعب يحميها»، فيما كان لافتاً تراجع الإسلاميين عن خطتهم تنظيم تظاهرة مليونية أخرى في ميدان التحرير، حيث قررت قياداتهم نقل التظاهرة المرتقبة هذا السبت (مع صدور هذا العدد) إلى محيط جامعة القاهرة، وذلك بعدما أكدت القوى المدنية عزمها التصدي لأي محاولة من قبل الإخوان والسلفيين لاقتحام الميدان وربما تكرار سيناريو «موقعة الجمل».
وفي ظل غياب تام لممثلي القوى المدنية والكنيسة الوطنية المصرية، مررت الجمعية الـتأسيسية بنود دستور مصر الجديد، الذي شهد خلال الفترة الماضية خلافاً شديداً بين قوى تيار الإسلام السياسي بمكونيه «الإخواني» والسلفي من جهة، وبين القوى المدنية على اختلاف أجنحتها اليسارية والقومية والليبرالية من جهة ثانية.
وشهدت جلسة إقرار مسودة الدستور الجديد، والتي حضرها 85 عضواً – من بينهم 11 كانوا في قائمة الأعضاء الاحتياطيين وتم استبدالهم بالأعضاء المنسحبين قبل دقائق من بدء الاقتراع – هدوءاً شديداً، برغم محاولات بعض الأعضاء طلب الكلمة من رئيس الجمعية التأسيسية المستشار حسام الغرياني. وقد سمح هذا الهدوء بتمرير مواد الدستور من دون إثارة أي خلافات بشأنها.
وفي بداية الجلسة، أسقط الغرياني عضوية 11 عضواً من المنسحبين، وعلى رأسهم الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، فيما تمّ تصعيد آخرين مكانهم، ومعظم هؤلاء من المنتمين إلى «حزب الحرية والعدالة»، الجناح السياسي لـ«الإخوان»، والأحزاب السلفية.
وتمّت الموافقة على معظم المواد بالإجماع او بغالبية كبيرة، ما دفع بممثل «حزب غد الثورة» محمود محيي الدين إلى المطالبة بتأجيل التصويت على المسودة، متسائلاً «طالما أن الرئيس محمد مرسي منح اللجنة شهرين فلماذا التعجل في الأمور؟».
وكان لافتاً في جلسة إقرار المسودة النهائية أن المادة الثانية المثيرة للجدل قد جرى تمريرها بإجماع أعضاء الجمعية التأسيسية، إذ لم يبد السلفيون خصوصاً أي اعتراض على عبارة «مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع»، علماً بأنهم سبق أن أثاروا أزمة حادة بإصرارهم على اعتماد عبارة «أحكام الشريعة».
وخلت المسودة النهائية من أي إشارة إلى منصب نائب الرئيس، كما أبقت على مواد اعترض عليها الأعضاء المنسحبون من الجمعية التأسيسية، خصوصاً تلك التي تتيح حل النقابات وتعطيل الصحف بحكم قضائي.
كما تضمنت المسودة مادة تؤكد انه «لا يجوز إسقاط عضوية أي عضو في مجلس الشعب إلا بموافقة ثلثي أعضائه» وهو ما يفتح الباب أمام عودة ما كان يُعرف في عهد مبارك بـ«المجلس سيد قراره».
وتقع المسودة في 234 مادة وستحال إلى الرئيس المصري من أجل أن يدعو الناخبين للاستفتاء عليها قبل أن تصبح دستوراً نافذاً معمولاً به.
في هذا الوقت، رفض مرسي، في مقابلة بثها التلفزيون المصري الخميس الماضي، التراجع عن قراراته الأخيرة، وفي مقدمتها الإعلان الدستوري. وقال مرسي إن الإعلان الدستوري «مؤقت وينتهي العمل به» بمجرد أن يقر الشعب المصري مشروع الدستور الجديد. ووصف مرسي الإعلان الدستوري بأنه «جراحة دقيقة» كانت ضرورية لإنقاذ الوطن في المرحلة الحالية، بعدما وصلته معلومات دقيقة استشعر منها خطراً على البلاد. ورفض مرسي الكشف عن تفاصيل بشأن هذه المعلومات، قائلاً «ليس بالضرورة إتاحة كل التفاصيل الآن، لأنها ستضر ولن تنفع». وتعليقاً على التظاهرات الحاشدة التي خرجت احتجاجاً على الإعلان الدستوري، قال مرسي «أنا سعيد جداً أن الشعب المصري في حالة ممتازة… نحن نعبر عن رأينا ونقول ما نريده ولكن نحافظ على بلدنا ومصالحنا».
وفي واشنطن، الذي يرجح المراقبون أنها أعطت الضوء الأخضر لتعديلات مرسي الدستورية كمكافأة على «الدور المصري الإيجابي» في تحقيق التهدئة في غزة، انتقد بيان للخارجية الأميركية القرارات الدستورية لمرسي، بعد صمت من جانب البيت الأبيض، فيما قال مصدر فى الخارجية الأميركية لصحيفة «الشرق الأوسط» إن الرئيس باراك أوباما «يراهن» على مرسى، ليس فقط للخروج من المشكلة الحالية مع المعارضة المصرية، ولكن لمساعدته فى تقريب وجهات النظر بين العرب وإسرائيل مع بداية أربع سنوات أخرى لأوباما فى البيت الأبيض.
Leave a Reply