القاهرة – توالت التطورات سريعاً على الساحة المصرية فور انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة وإعلان الرئيس المصري محمد مرسي عن تعديل دستوري يمنحه سلطات واسعة على حساب جميع السلطات، في خطوة أشارت على الفور الى أن التيار الإسلامي المتمثل بـ«الإخوان المسلمين» والسلفيين أراد أن يطبق سلطته على البلاد لإقرار دستور جديد لمصر لا يراعي أياً من الشرائح الأخرى من المجتمع المصري المتعدد.
انتفض الشارع سريعاً واستعد المناهضون للتيار «الإخواني-السلفي» بمختلف مشاربهم للمواجهة. ولكن مرسي، لوح بالشارع ضد الشارع، وفي خطابه أمام «قصر الإتحادية» قال وأكد: لن أتراجع.
فهب الشارع المصري بوجه محمد مرسي الذي بات على خطى حسني مبارك. هكذا بدا المشهد السياسي في مصر بعد أسبوعين على بدء أزمة الإعلان الدستوري وإقرار مسودة الدستور. الرئيس «الإخواني»، وبعد تآكل شرعيته في مليونية «الإنذار الأخير»، وإمعانه في تجاهل مطالب القوى الثورية في إلغاء «القرارات الديكتاتورية» الأخيرة وسحب المسودة الخلافية للدستور الجديد، وقع ما يمكن وصفه بـ«موقعة الجمل الثانية»، حيث هاجم الآلاف من «الإخوان المسلمين» المعتصمين السلميين أمام قصر الاتحادية الرئاسي في مصر الجديدة حيث قتل وجرح العشرات.
وبذلك استُفز الشارع المصري مجدداً وامتلأت ميادين مصر بملاييين المتظاهرين الغاضبين المطالبين بإسقاط «التعديل الدستوري» وصولا الى إسقاط «حكم المرشد» (الإخوان). ودفع المتظاهرون مرسي الى مغادرة قصره الرئاسي وهاجموا مقرات «الإخوان المسلمين»، وسط حياد الجيش وتوالي الإستقالات من مساعدي مرسي والمسؤولين المصريين.
اضطر مرسي الى الرجوع خطوة الى الوراء عله يكسب الوقت بما يسمح بالخروج من الأزمة السياسية القائمة، وفق شروط تيار الإسلام السياسي، إذ وجّه دعوة للمعارضة الوطنية والقوى الثورية إلى «حوار شامل» بشروط مسبقة أبرزها الإصرار على إجراء الاستفتاء على مسودة الدستور الجديد في الموعد المحدد، رافضاً في خطابه التلفزيوني التراجع عن الإعلان الدستوري الأخير، في ما عدا وعداً ملتبساً بالتخلي عن المادة السادسة من هذا الإعلان، والتي تمنحه صلاحيات مطلقة بذريعة «حماية الثورة»، ومحدداً سقف الحوار باستكمال تشكيل مجلس الشورى، ومناقشة قانون الانتخابات المقبلة، ووضع خريطة طريق لما بعد الاستفتاء المقرر في الخامس عشر من كانون الأول الحالي.
ولكن طرح مرسي قوبل برفض قاطع من المعارضة التي طالبت بإسقاط الإعلان الدستوري قبل الدخول بأي حوار مع السلطة.
فقد أعلنت المعارضة المصرية أن «باب الحوار أغلق» مع رئيس الجمهورية محمد مرسي، مؤكدة أنه «أصبح من الصعب عليها أن تتفاوض متجاوزة الدماء البريئة التي سالت». وقال رئيس «حزب الدستور» محمد البرادعي، وهو منسق «جبهة الانقاذ الوطني»، الممثلة لقوى المعارضة المدنية في مصر، إن «الجبهة كانت تأمل لو ان رئيس الجمهورية استجاب لمطالبها المتكررة بإلغاء الإعلان الدستوري وتأجيل الاستفتاء إلى حين التوصل إلى توافق وطني»، مضيفاً أنه «أصبح من الصعب على الجبهة أن تتفاوض، متجاوزة الدماء البريئة التي سالت بسبب تخاذل الرئاسة والحكومة في اتخاذ القرارات الكفيلة بحقن الدماء وهو ما افقد السلطة شرعيتها». وتابع البرادعي، الذي يعتبر أحد أبرز قادة المعارضة مع حمدين صباحي وعمرو موسى، أن «الجبهة ترى أن استمرار الرئاسة في تجاهل مطالب الشعب قد أقفل الباب على أي محاولة للتحاور، كما تتمسك بمطالبها المتمثلة بإلغاء الإعلان الدستوري وإلغاء الموعد المقرر للاستفتاء على الدستور وصولاً إلى دستور يكون محلاً للتوافق الوطني العام».
لكن الأخطر في خطاب مرسي الذي انتظره المصريون لساعات، كان في ما تضمنه من تهديدات مباشرة وجهها ضد من أسماهم «مندسين ينتسبون أو ينسبون أنفسهم إلى القوى السياسية»، ما أثار مخاوف في أوساط شباب الثورة من احتمال أن يكون ذلك مقدمة لقمع المعارضين، وإن كان الرئيس المصري قد أصر على التمييز بين «السياسيين والرموز الوطنية المعترضة على بعض المواقف والتصرفات السياسية ومسودة الدستور»، وبين الذين «ينفقون أموالهم الفاسدة لحرق الوطن وهدم بنيانه».
وقال مرسي «إننا وإن كنا نحترم حق التعبير السلمي، فلن أسمح أبداً بأن يعمد أحد بتدبير القتل والتخريب وترويع الآمنين والدعوة إلى الانقلاب على الشرعية القائمة على الخيار الحر لشعب مصر العظيم». وأضاف أن «المتظاهرين السلميين اعتدي عليهم من قبل مندسين اعتداءً صارخاً ومرفوضاً باستخدام السلاح وهذا هو الجديد في الأمر».
وأشار مرسي إلى أن قوات الأمن «ألقت القبض على أكثر من 80 متورطاً في أعمال العنف وحاملاً للسلاح ومستخدماً له»، وأن «بعض هؤلاء المقبوض عليهم لديهم روابط عمل واتصال مع بعض من ينتسبون أو ينسبون أنفسهم إلى القوى السياسية».
وفي ما يتعلق بالإعلان الدستوري، قال مرسي إن «الوقائع التي دفعتني إلى إصدار هذا الإعلان كانت ولا تزال تمثل خطورة هائلة على استقرار الوطن وأمنه». وشدد على أن «تحصين الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات لم يقصد به أصلاً أن نمنع القضاء من ممارسة حقه أو نمنع المواطنين من الطعن في قرارات أو قوانين إذا كانت محلاً لطعن»، مؤكداً أن «هذا التحصين لن يتم العمل فيه إلا في ما يتصل بأعمال السيادة التي تمارسها الدولة بصفتها سلطة حكم، والذي يحدد هذه الأحكام هو ما استقر عليه القضاء المصري».
وحول المادة السادسة من الإعلان الدستوري، التي تمنح الرئيس صلاحيات مطلقة تحت عنوان «حماية الثورة»، قال مرسي إن هذه المادة «لم تكن سوى ضمان لحماية الوطن من التصرفات غير المحسوبة… وإذا كانت هذه المادة تمثل قلقاً لأحد فإنني لست مصراً على بقائها».
وشدد مرسي على أن «الإعلان الدستوري سينتهي كله وجميع آثاره بمجرد إعلان نتيجة الاستفتاء على الدستور، سواء كانت بنعم أم لا»، مضيفاً «لقد أردت بهذا الإعلان أن أصل إلى مرحلة إنجاز الدستور… وبعد كلمة الشعب لا معقب، والكل يخضع لهذه الإرادة».
ووجه مرسي دعوة إلى «الحوار الشامل» تشمل كل الرموز والقوى السياسية ورؤساء الأحزاب وشباب الثورة وكبار رجال القانون، عبر اجتماع يعقد غداً عند الساعة الثانية والنصف ظهراً في مقر رئاسة الجمهورية «للتوصل إلى اتفاق جامع للكلمة وموحّد للأمة». وأضاف أن المقترحات المطروحة في الحوار كثيرة من بينها «استكمال مجلس الشورى، وقانون الانتخابات المقبلة، وخريطة الطريق بعد الاستفتاء سواء كانت كلمة الشعب نعم أم لا». وختم أنه «إذا وافق الشعب على الدستور فسيبدأ بناء مؤسسات الدولة على أساسه. أما إذا رفض الشعب الاستفتاء، فسأدعو إلى تشكيل جمعية تأسيسية جديدة سواء بالتوافق أو بالانتخاب الحر المباشر».
لكن رد المعارضة أتى سريعاً (مع صدور هذا العدد) حيث دعت القوى الثورية والمعارضة الوطنية إلى تظاهرة مليونية يوم الجمعة تحت شعار «كارت أحمر لمرسي» بعد جمعة «الإنذار الأخير». وعشية التظاهرة المنتظرة، يشهد محيط قصر «الاتحادية» هدوءاً حذراً بعد الاشتباكات العنيفة التي شهدتها المنطقة، إثر الهجوم الدامي الذي شنه مؤيدو مرسي على المعتصمين السلميين أمام القصر، والذي انتهى بمقتل 6 أشخاص وإصابة المئات بجروح. وانتشرت قوات من الحرس الجمهوري معززة بمدرعات وآليات حول القصر الرئاسي، وأقامت حواجز إسمنتية ونصبت أسلاكاً شائكة لفض الاشتـباك المحتمل بين مؤيدي مرسي ومعارضيه.
وذكر «حزب الحرية والعدالة» عبر صفحته على «فيسبوك» أن متظاهرين أضرموا النار في المقر الرئيسي لـ«الإخوان» في منطقة المقطم في القاهرة، فيما قام آخرون بإحراق مكتب آخر في زهراء المعادي في جنوب القاهرة، واقتحام مقر للحزب في حي الكيت كات في محافظة الجيزة، إضافة الى مراكز أخرى.
ومن المرجح أن يكتظ في «ميدان التحرير» و«ميادين الثورة» في سائر المحافظات، بالمتظاهرين المطالبين برحيل مرسي، وتحميله مسؤولية دماء الشهداء الذين سقطوا على أبواب القصر الرئاسي. ومن المقرر أن يتقدم زعيم «التيار الشعبي» حمدين صباحي مسيرة حاشدة تنطلق من ميدان مصطفى محمود في حي المهندسين، وأن يتقدم الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى مسيرة من ميدان عابدين في وسط القاهرة، وأن يتقدم محمد البرادعي مسيرة من منطقة دوران شبرا، على أن تتجه المسيرات جميعها إلى التظاهرة المركزية في ميدان التحرير. في حين سيتظاهر الإسلاميون أمام تجمع الإستديوهات المصرية احتجاجاً على «الإعلام المنحاز».
Leave a Reply