ليس من المستغرب أبداً أن يُنبّه رئيس المجلس النيابي نبيه بري اللبنانيين من بلد يقترب من التحوّل الى «عصفورية» مُستقبليّة، فالجعبة اللبنانية الممتلئة بالأحداث المتشابهة المتخبّطة ببعضها لن تتّسع لأي حدث آخر عن قريب بل على الأرجح ستتمزّق تحت رزح ضروب الجنون التي لن يعتادها أحد، إن كان أولئك في الدوائر المحلية أو الإقليمية أو الدولية. أما السؤال الذي يطرح نفسه فهو: كيف لبلد يتراشق ساسته الإتهامات ويتناطحون في أمور تبدأ بالإنتخابات وقوانينها، فيختار بعضهم أسلوب المقاطعة المذيّلة بسخرية «آي لوف حوار» والبعض الآخر أسلوب الرد المباشر وغير المباشر، وتمر على إستباحة الرسائل الخلويّة ولا تنتهي سوى بالبيانات التي تدعو الى نبذ الفتنة والطائفية التي يحقن الساسة اللبنانيون أنصارهم برشفات منها كل يوم، أن لا يكون قد وصل حدّ الجنون قبل الآن؟
ووسط مشهد الفلتان السياسي والأمني، ودّع لبنان احد رموز التعايش المشترك بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس اغناطيوس الرابع هزيم بعد أن توفي إثر تعرّضه لجلطة دماغية.
النائب عقاب صقر |
المشهد اللبناني برهن الأسبوع الماضي على مدى تأثره بالجوار السوري من خلال حدثين طغيا على كل الأحداث الباقية. فقد تمّ نشر أربعة تسجيلات صوتية للنائب عقاب صقر تُورّطه في تأمين السلاح لمقاتلين ينتمون للمعارضة السورية. وقد أشارت التسجيلات أيضاً الى تورّط ضباط استخبارات ينتمون الى قطر وتركيا. إلا أن عضو كتلة المستقبل النيابية رفض أن يخضع للإدانة العامة لوحده فجرّ معه شريكاً أو مُحرضاً وهو رئيس الحكومة السابق سعد الحريري موضحاً أنّ تزويد السلاح «جاء تحت عناوين المساعدات الإنسانية لشعب في أمس الحاجة اليها». وفي حين وجد حلفاء سوريا في القضية فرصة لتصفية حساب سياسي مع عقاب صقر والخط الذي يمثله، ردت كتلة المستقبل النيابية باجراء مقارنة بين ما فعله النائب وبين ادعائها بأن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أرسل مقاتلين الى سوريا، في موقف يعكس حدة النزاع حول الملف السوري. ولم يشفع لصقر مؤتمره الصحفي في اسطنبول حيث زعم أنّه تمّت سرقة تسجيلات وصور له، إذ يُتوقع أن يشهد هذا الملف مداً وجذرا في أروقة المجلس النيابي، خاصة مع تعالي أصوات تدعو الى رفع الحصانة ومحاكمة النائب المذكور.
قتلى تلكلخ
حادث امني آخر شهد على التورط اللبناني في سوريا وأضاف الى الخطاب السياسي سجالاً جديداً تمثلّ بمقتل عدد من الشبّان الاسلاميين من مدينة طرابلس في منطقة تلكلخ السورية. وقد استدعت هذه الحادثة اعادة اشعال البركان الطرابلسي بشكله المعتاد من خلال الاشتباكات على محور جبل محسن – باب التبانة والتي أودت خلال الأسبوع الماضي بعشرات الجرحى والقتلى.
وفي التفاصيل أنّ شبّانا إسلاميين ينتمون الى طرابلس وأحيائها قاموا بالتوجه الى سوريا للإنضمام في القتال الى المجموعات المسلحة في سوريا ففوجئوا بكمين قاتل كان قد أعدّه لهم الجيش السوري. وعلى الرغم من أنّ هذا الحدث أكّد على وجود معابر غير شرعية كان يتوجّه عدد كبير من الشبان عبرها لمناصرة المعارضة السورية، الا أنّه أيضاً خضع للعديد من التكهنات الأمنية والسياسية.
وفي حين لا يزال يتم التحضير لنقل الجثث اللبنانية، أعربت بعض الكوادر السياسية الطرابلسيّة عن قلقها في أن يجرّ ما حدث البلاد الى فتنة، وفي حين انتشر الجيش في طرابلس بُغية حمايتها، انتصرت صيدا على بلبلة كانت مُتوقّعة ولكنها لم تحصل حتى الآن. فقد انطلقت المسيرة التي دعا اليها الشيخ أحد الأسير من أمام مسجد بلال بن رباح بعد أن انضمّ اليها آلاف من الأشخاص وبالرغم من أنّه كان متوقعاً أن يتشابه أسلوب الأسير التحريضي مع أساليبه السابقة في المظاهرات والمسيرات، الا أنّه اختار ابقاء حركته تحت سقف العنف الكلامي، فانبرى الى مهاجمة السيد نصرالله والرئيس بري والرئيس السوري بشار الأسد ومُخابرات الجيش والقضاء.
أما مُراهنات «تيار المستقبل» الإعتيادية التي تُركّز على أعداد الداعمين فقد فشلت في ذكرى مرور 40 يوماً على اغتيال اللواء وسام الحسن فشلاً ذريعاً فجذبت عوضاً عن الآلاف ما يُقارب الألف وخمسمئة فقط لا غير. وقد تضمّن مهرجان الذكرى خطابات سياسية وشعبية وإن تطرّقت الى الإغتيال والرفض للفتنة وإسقاط الحكومة والثورة السورية الا أنها لم تستطع على ما يبدو أن تُبقي الحاضرين في مقاعدهم ربما كدليل على الضجر الشعبي من السياسة وخطاباتها التي لا تُجدي نفعاً. وقد نقل الأمين العام لـ«تيار المستقبل» أحمد الحريري رسالة من رئيس الوزراء السابق سعد الحريري تتعلّق بتضامنه مع الثورة، وهي الرسالة ذاتها التي أكّد عليها سعد الحريري في مُحادثاته مع وفد الإئتلاف الوطني السوري الذي زاره في الرياض.
على الصعيد الأمني، قرّرت شعبة المعلومات أن تضرب خصوصيّة اللبنانيين المرتبطة بالرسائل الخلوية وكلمات الإنترنت المروريّة ضرب الحائط بهدف الحصول على معلومات تسبق اغتيال الحسن بشهرين. وبالرغم من أنّ رئيس الإتصالات نقولا صحناوي رفض الطلب، الا أن صلاحياته فرضت عليه أن يضعه في سلّة الأمانة العامة لمجلس الوزراء بينما أوضح وزير الداخلية مروان شربل بأن الهيئة القضائية رفضت الطلب الذي تقدّم اليها بعد الإغتيال مُباشرة قبل أن يصل اليها طلب آخر مؤخراً بالحصول على المطلوب ضمن مُحافظتي بيروت وجبل لبنان. فإذا كانت الشعبة تُريد الإطّلاع على رسائل أرقام مُحدّدة ، ما السبب وراء طلبها الحصول على رسائل الجميع، وإن كان فلما ضمن محافظتين تحديدا؟
الإنتخابات فـي حزيران
وفي ملف الإنتخابات، تمّ تحديد تاريخ الأحد الواقع في 2 حزيران 2012 بشكل «مبدئي» لإجرائها في يوم واحد، على الرغم من أنّ الأطراف لا تزال تتطاحن في صيغة «عادلة» تُناسب الجميع.
الى ذلك، استكمل «الحزب التقدمي الاشتراكي» الترويج لمبادرة الحوار التي أطلقها وليد جنبلاط من خلال عدّة لقاءات خرجت بالنتيجة والقراءة ذاتها: الإتفاق «النظري على عدّة أفكار».
ففي لقاء جمعهم مع العماد ميشال عون، أبدى الطرفان إيجابية كاملة من خلال مُناقشة مواضيع تدعو الى الحوار البناء، أما في لقاء في الصيفي بينهم وبين الكتائب ورئيسها، في خطوة لافتة تلتقي على أهمية الحوار والتواصل والوصول الى حلول، إن كان على الصعيد السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي، اتّفق المجتمعون على الوقوف في وجه الخلافات القائمة مع تمنيات بمُبادرة مستقبلية بين الحزبين. ومن هذا اللقاء الى لقاء جمع «الإشتراكيين» و«القوات اللبنانية»، وإن كانت نتائجه «الحوارية» لم تختلف كثيراً عن اللقاء بـ«الكتائب»، الا أنّها أبرزت عمق الإختلافات التي لربما قرّر الطرفان نسيانها ظاهرياً ومؤقتاً في سبيل نظريات تقريب وجهات النظر.
Leave a Reply