دمشق – عادت لغة التهديد بتدخل عسكري خارجي مباشر في سوريا، لكن هذه المرة من بوابة الأسلحة الكيميائية، التي يرجح أن تكون بحوزة الجيش السوري و«يخشى» الغرب أن يستخدمها الرئيس بشار الأسد «ضد شعبه»، حيث توالت الأسبوع الماضي التصريحات الملوحة بالحرب على سوريا ابتداء من الرئيس الأميركي، في الوقت الذي كان وزيرا خارجية موسكو وواشنطن يتفاوضان في دبلن بحضور المبعوث الدولي الى سوريا الأخضر الإبراهيمي.
وجاءت قضية الأسلحة الكيميائية بعد تمكن الجيش السوري من إنزال خسائر بالغة بالميليشيات المسلحة في ريف دمشق، بعد إجهاض هجوم ضخم للمسلحين يهدف الى الإستيلاء على مطار دمشق الدولي، فكانت النتيجة أن وقع المهاجمون بين فكي كماشة الجيش السوري، مما ساهم في تشتيتهم والقضاء على العديد منهم، في ظل قطع تام لخدمات الإنترت لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية قبل ٢١ شهراً. وجاء الهجوم الفاشل في ظل تصعيد إعلامي واسع مع مواصلة الجيش السوري لاستهداف المناطق الريفية التي ينتشر فيها المسلحون والتي لطالما كانت خطوط إمداد لهم وملاذات بعد «الإنسحابات التكتيكية» من المدن.
وتشير التقارير الى توجه مسلحي المعارضة لشن هجوم كبير جديد قريباً على دمشق فيما يعرف بـ«ساعة الصفر» التي يعول عليها معارضو الأسد، لزعزعة النظام الذي لا يزال متماسكاً وقادر على منع محاولات خلق «مناطق آمنة» تسيطر عليها المعارضة.
ومع استمرار العمليات العسكرية الواسعة في حلب وإدلب ودير الزور وحمص، علت الأصوات الدولية المهددة بالتدخل الخارجي بحجة وجود أسلحة كيميائية بحوزة النظام السوري، وذلك بالتزامن مع نشر «الناتو» لشبكة صواريخ «باتريوت» الدفاعية على الحدود التركية، في خطوة اعتبرها البعض تمهيدية لتطبيق حظر جوي (التجربة الليبية)، فيما اعتبرها البعض الآخر مجرد تهويل غربي لتعزيز موقعهم التفاوضي مع روسيا، التي نعت على لسان وزير خارجيتها فرص الحل القريب للأزمة السورية، وسط تسريبات عن نية موسكو بتزويد الجيش السوري بمنظومة صواريخ «إسكندر» الهجومية-الدفاعية، والتي تعد فخر صناعة الصواريخ الروسية المتفوقة في العالم.
حذّر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون النظام السوري من أن «استخدام الأسلحة الكيميائية في النزاع الدائر في سوريا، سيؤدي الى ملاحقته قضائياً»، بينما عبر نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد عن خشيته من قيام «اعداء سوريا باعطاء الارهابيين أسلحة كيميائية ثم يلقون اللوم في استخدامها على دمشق»، وذلك بعد سلسلة تصريحات أخرى تلوح باستخدام التدخل العسكري «لمنع النظام السوري من استخدام أسلحة الدمار الشامل التي يملكها». وقد عبّر المقداد، في مقابلة مع قناة «المنار»، عن خشيته «أن يكون تعبير الدول الغربية عن خوفها من احتمال استخدام دمشق أسلحة كيميائية، هو للتمهيد للتدخل في البلاد رغم اعلان دمشق المتكرر أنها لن تستخدمها».
ولفت المقداد الى أن «التقارير الإعلامية التي نقلت عن مسؤولي استخبارات أميركيين وأوروبيين قولهم ان سوريا تُجهّز أسلحة كيميائية ويحتمل أن تستخدمها مسرحية». وقال ان «سوريا تؤكد مجددا للمرة العاشرة بعد المئة انها اذا كانت تملك هذه الأسلحة فلن تستخدمها ضد الشعب، لأنها لا تريد أن تقدم على الانتحار».
وأعلن المقداد انه اذا فكرت القوى الاجنبية فعليا في «العدوان» فعليها ان تفكر في العواقب. وعبر عن اعتقاده أن الثمن سيكون باهظا وان على هذه القوى ان تفهم انها تعرض المنطقة كلها ومحيطها للخطر اذا ارتكبت هذه الحماقة. وقال ان «اعداء سوريا قد يعطون الارهابيين أسلحة كيميائية ثم يلقون اللوم في استخدامها على دمشق».
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد حذر الأسد من اللجوء الى استخدام أسلحة كيمياوية، وأشار الى أن العالم يراقب وانه ستكون هناك «عواقب» اذا استخدم النظام السوري مثل هذه الأسلحة ضد شعبه.
وأضاف «سنواصل دعم التطلعات المشروعة للسوريين وسنتعاون مع المعارضة وسنقدم لها المساعدة الانسانية وسنعمل على عملية انتقالية نحو سوريا محررة من نظام الأسد».
ولكن في المقابل سجلت واشنطن الأسبوع الماضي موقفاً مندداً بالمجموعات الجهادية في سورية ومن بينها «جبهة النصرة» التي ترتكب الجرائم بحق الشعب السوري الى جانب مجموعات أخرى تتخذ طابعاً «جهادياً». وقال مساعد المتحدثة باسم وزارة الخارجية مارك تونر إن «وجود هذه المجموعات المتطرفة في سوريا يشكل بالنسبة لنا مصدر قلق. بالرغم من انهم يشكلون قسما صغيرا نسبيا من المعارضة» رغم أن التقارير الإعلامية الغربية تؤكد أن المجموعات الإسلامية هي أساس المعارضة المسلحة للنظام السوري وقد تم توثيق العديد من جرائمها ضد الإنسانية، وهي غالباً ما تتألف من مقاتلين عرب وأجانب تسللوا الى البلاد عبر الحدود السورية من كافة الإتجاهات.
وعلى المسار الروسي، تجد موسكو أن شهرين سيمضيان قبل أن تتقدم أي محاولة جديدة للحلّ السياسي في سوريا، حسب وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، ويتوقع الروس أيضاً نهاية عام صاخب في دمشق وحولها، بسبب ارتفاع الرهان على الحلّ العسكري أكثر من أي وقت مضى، رغم الإنجازات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري في ملاحقة المجموعات المسلحة، إلا أن احتفاظ هؤلاء بخطوط إمدادهم الحدودية، ولاسيما عبر لبنان وتركيا، سيجعل الحسم الأمني مستحيلاً، في الوقت الذي يصر فيه المناوئون للنظام السوري على إسقاطه وهذا ما ظهر في «اجتماع دبلن» الذي جمع لافروف بنظيرته كلينتون.
ولكن الروس يعولون بجدية على حليفهم الأهم على الساحة العالمية اليوم، حيث كشفت صحيفة أسبوعية روسية أن الاستخبارات الروسية ساهمت في إفشال خطة اقتحام دمشق من قبل المعارضة المسلحة عبر المطار، بعد أن قدمت المشورة للقوات السورية في كيفية القيام بهجوم مسبق على المسلحين. وقالت صحيفة «أرغومينتي نيديلي» الروسية إن الجيش السوري تمكن من دحر المسلحين الذين كانوا يستعدون لمهاجمة العاصمة. وأشارت إلى أن «الجيش السوري الحر كان يعد عدته لاقتحام دمشق وسبق ذلك قصف مدفعي للعاصمة دام عدة أيام».
لكن الرد الغربي جاء سريعاً مع موافقة ألمانية على إرسال منظومة «باتريوت» تابعة لحلف «الناتو» إلى تركيا، حيث أعلنت وزارتا الخارجية والدفاع الألمانيتان، أن مجلس الوزراء وافق على إرسال صواريخ «باتريوت» وحوالى 400 جندي إلى تركيا، وذلك بعد يومين من موافقة حلف شمال الأطلسي على طلب أنقرة نشر «باتريوت» على الحدود مع سوريا. وذكرت الوزارتان، في بيان، إن البرلمان الألماني سيصوت على التفويض بنشر الصواريخ بين 12 و14 كانون الأول الحالي. وتوقع وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيله أن يوافق البرلمان بغالبية كبيرة على نشر الصواريخ. وذكرت الخارجية الألمانية أن التفويض المقترح سيستمر حتى نهاية كانون الثاني العام 2014.
ولكن في المقابل أيضاً، وقع تطور عسكري روسي يتمثل بوصول سفينتي إنزال كبيرتين تابعتين لمجموعة سفن أسطول البحر الأسود إلى ميناء طرطوس. بعد معلومات تؤكد أن موسكو قررت تزويد سوريا ببطاريات صواريخ باليستية من نوع «إسكندر» الذي دخل الخدمة في الجيش الروسي في العام ٢٠٠٧ وهو يتمتع بقدرة عالية على المناورة تجعله يفلت بسهولة من صواريخ «باتريوت». وكانت موسكو قد أجلت تزويد الجيش السوري بهذة التقنية العالية بعد ضغوط إسرائيلية كبيرة في العام ٢٠١٠.
Leave a Reply