شغلت نهاية العالم وما زالت تشغل بال الكثيرين في مشارق الأرض ومغاربها، وهي قضية وان خّفت حدتها، إلا أنها سرعان ما تتصاعد بين الفينة والأخرى، آخرها ما أوردته بعض وسائل الاعلام، حول القرية التركية الوحيدة، كما يزعمون، التي ستنجو من اهوال يوم 21 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، يوم نهاية العالم، حسب حضارة «المايا»، وقد استثنى أبناء سيرينس قريتهم الواقعة غرب تركيا من الدمار، إذ يعتقد المؤمنون هذه القرية ستتمتع بموجات من الطاقة الإيجابية، وذلك لأنها -حسب اعتقادهم- المكان الذي سترفع منه السيدة العذراء (ع) الى الجنة، بينما يعتقد آخرون انهم سيحملون الى مكان آخر. هذه الاخبار رفعت من المد السياحي للقرية التي صار يؤمها اعداد كبيرة من السياح.
يبدو ان المخاوف ما زالت تعتري بعض المؤمنين بدنو نهاية العالم، على الرغم من تأكيدات وكالة «ناسا» الفضائية، بأن كوكبنا (الأرض) بخير لما لا يقل عن أربعة مليارات عام مقبلة، واستشهادها برأي العلماء المتخصصين القائل ان لا تهديد للأرض بحلول 21 كانون الاول من عام 2012. وقد ارجعت الوكالة موجة الرعب والترقب التي نشرتها وكالات الأنباء والفضائيات، وعمت بعض الأوساط الدينية والعلمانية المختلفة بـ«قرب الساعة» منذ عام 2009، الى ان اصل الحكاية يعود الى ان كوكب «نيبيرو»، المفترض والذي اكتشفه السومريون، كان من المتوقع أن يصطدم بكوكب الأرض في أواخر أيار (مايو) عام 2003. لما لم يحدث ذلك، زحف توقع الحدث الى 21 كانون الاول 2012 ليتطابق هذه المرة مع تقويم حضارة «المايا» الأميركية الجنوبية التي تحدد نهاية العالم بهذا التاريخ. وبالطبع سارعت وسائل الاعلام وصناعة الأفلام لالتقاط لهذا الخبر، وبثته في أنحاء المعمورة لينتشر كالنار في الهشيم، وسط مبالغات وسجالات كثيرة حول هذا الموضوع. ووصل الحد ببعض المتطرفين الى الانزواء في كهوف أو النزول الى خنادق تحت الأرض مع اسرهم وتخزينهم لمؤن تكفيهم فترات طويلة، هربا من ويلات ما سيحدث من كوارث وزلازل متوقعة ستلم بالكرة الارضية، خاصة وأن الأديان باختلافها تحدثت بنفس الشأن من غير تحديد موعد وربطته بعلامات تسبق اليوم الموعود.
«صدى الوطن» استطلعت آراء قراء ومختصين وكان لها حوارات سريعة حملت آراءً متباينة:
ويقول الشيخ محمد مارديني إمام «المركز الإسلامي الأميركي» في ديربورن، «إن الله سبحانه وتعالى وحده يعلم متى سوف تأتي ساعة النهاية. والنبي محمد (ص) قال الكثير لأصحابه عن علامات الساعة، الكبرى والصغرى، ولن يكون هناك أحد على وجه الأرض. هذا ما نؤمن به، وهذا ما يؤمن به جميع الأنبياء، بحسب ما جاء في القرآن الكريم».
أما الشيخ محمد إلاهي إمام «دار الحكمة الاسلامية» في ديربورن هايتس فقد أعرب عن رفضه التام للحديث عن موعد محدد لنهاية العالم وقال: «أنا لا أؤمن بهذا النوع من الدعاية. فالساعة علمها عند الله. وحتى لو سرنا مع العلم، فإن حياة نظامنا الشمسي الإفتراضية قد تمتد مليارات السنوات».
وأضاف «نحن كمؤمنين ننظر إلى المستقبل نظرة إيجابية، وننتظر عالماً مليئاً بالسلام والعدالة. نحن نعتقد في ظهور الإمام المهدي (عج) والسيد المسيح (ع). ونرى أن الوقت سياتي في المستقبل الذي يقام فيه عالم خال من الظلم والقمع والفساد والجريمة والحرب والعنف». وتابع إلاهي «نحن بحاجة إلى العمل معاً لجعل العالم مهيأ لتحول وتغيير كبيرين. أما الحديث السلبي وتخويف الناس بالأخبار المرعبة فهو من مصلحة الشركات الجشعة، أو هو نوع من الجهل والحماقة. أما نحن فنتحدث عن الأمل والإيمان، والمستقبل المشرق».
أما الأستاذ الأكاديمي نبيل رومايا فعبر عن رأيه بقوله «إن أساطير نهاية العالم ترتبط عادة بالأديان السماوية وغير السماوية، فحسب اعتقاد هؤلاء ان العالم الذي نعيش فيه سينتهي ليبدأ عالم آخر أفضل يكافأ فيه المؤمن ويعاقب المسيء. ونرى أن قصص نهاية العالم ملازمة لتطور الإنسان وارتباطه بمحيطه الروحي. وهي بشكل عام تنبؤات قد يقتنع بها اتباعها بأن هناك عوالم اخرى غيبية يعيش فيها الانسان سعيداً للأبد».
ويضيف رومايا «كل هذه التنبؤات أثبتت عدم جدواها لأننا لانزال هنا بالرغم من عشرات القصص على مر التاريخ. أما حول ما يطرح اليوم من تنبؤات حضارة «المايا» ونهاية العالم يوم الجمعة المقبل، فهذا ليس إلا انتهاء تقويم المايا». ويختم رومايا حديثه بالقول «إن الحياة على كوكبنا لن تنتهي بسبب تنبؤ أحدهم بنهاية العالم ولكن نحن البشر يجب ان نرتفع لمستوى المسؤولية للحفاظ على هذا الكوكب فاستمرار استغلال الموارد الطبيعية للأرض بدون تخطيط وعدم المحافظة على المياه والانحباس الحراري والانفجار السكاني والحروب كلها ربما ستؤدي الى نهاية لنمط حياتنا الذي نعرفه اليوم».
ويعتقد القاص الأستاذ نشأت المندوي «انه حينما تتأزم النفس البشرية فإن الدعاء اول طقس يمارسه الإنسان، لا شعورياً، لاجتياز المحنة، أما الشعوب التي يشتد عليها البؤس ويحاصرها الشقاء والجور وتعجز عن المجابهة، فتلجأ الى خلاص وجداني جمعي، أي أنها تعاقب الشر بالخير، وهي عملية إفراغ شحنة غضب سوداء، أو تنفيس يائس في انتظار فوز وهمي غير منطقي، فالحديث عن نهاية العالم فكرة مشلولة سيئة المذاق، وبتعبير ادق هي نظرية المتشائمين».
وعبرت الطالبة في علم النفس، حوراء الطائي، عن رايها بالقول: «سبق وجربنا الكثير من الإنذارات الكاذبة ومنها دمار العالم في العام 2000. حيث كانت هناك تنبؤات بأن النظام التكنولوجي سينهار بحلول عام 2000 (واي تو كاي)، ومع ذلك لم يحدث شيء، ودفع الكثير من الناس ثمن هذا الاعتقاد. أرى ان مثل هذه الاخبار تدفع الناس لمزيد من التفكير في العالم. وبمجرد مرور التاريخ الموعود سيعود البعض للبحث عن تاريخ جديد».
أما سنان سمرين الطالب في كلية هنري فورد في قسم إدارة الأعمال، تحدث عن هذا الموضوع فقال «إن التاريخ البشري والحضارة الإنسانية يمتلكون شغفاً وفضولاً بنهاية العالم، ويحاول الناس الربط بين نهاية العالم وأية مؤشرات أو أزمات اقتصادية أو اجتماعية أو نشوب حروب محلياً أو عالمياً، كما أنهم يربطون ذلك بالتغييرات الكونية أو المناخية أو الكوارث الطبيعية». وترى الطالبة أن هذا الموضوع «لن يتوقف ما دام الجنس البشري موجود ويتطور. وكل جيل سيواجه قضية نهاية العالم مرتين أو ثلاث. فبالنسبة لي ان نهاية العالم كان يمكن ان تحدث عندما سقطت على اليابان قنبلتين نوويتين، لكن ذلك لم يحدث، وتكرر هذا الموضوع عندما حدث التسونامي. وبالنسبة لروما كان نهاية العالم عندما أفلت حضارتها. ونحن في عصر العولمة اتسع نطاق فهمنا لنهاية العالم لتصبح القضية كونية، بعد ان كانت محلية».
الحاجة ام علي واكثم عبد الجبار ومحمد عبد الله اتفقوا على رد مشترك، وباسلوب ينم عن عدم الرضى عن السؤال: «لا يعلم الغيب الا الله، وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا لا ما كتبت المايا».
وقال علي المالكي الطالب في كلية الطب ساخرا: «ربما لا أكون أفضل شخص يجيب على هكذا سؤال، لكن يبدو ان الجميع ومنذ عام تقريباً بدأ يرتبك عندما اشيع خبر نهاية العالم، لكننا الآن وكلما اقتربنا من ذلك التاريخ، فإن الناس يبدون أكثر هدوءاً. أشعر أن لدينا تقدماً للفهم والسيطرة على كوكبنا ولكن عندما يأتي ذلك التاريخ، فإن الجميع سينظر إلى السماء للحصول على إجابات».
Leave a Reply