«حليب.. بطانيات ومُساعدات انسانية».. لربما لم تحظَ هذه الكلمات بشهرتها التي تستحقها دون أدنى شك قبل أن تَرِد على لسان النائب عقاب صقر. وإن كانت دول العالم الثالث لا تُدرك الحقيقة المختبئة وراء مجازية هذه الكلمات، الا أنّ لبنان وسوريا أجزما بمعرفتهما التامة لها.. لدرجة أنّ سوريا بسلطاتها القضائية قرّرت أن تُرسل مُذكرات توقيف غيابية في حق صقر، رئيس الحكومة السابق سعد الحريري والناطق باسم المجلس الأعلى للجيش السوري الحر لؤي المقداد، لتورطّهم في جرائم إرهابية تضمّنت ما تضمّنه مدّ المعارضة السورية بالسلاح. أما لبنان، فبالرغم من أنّ مجلسه النيابي رفض أن يُناقش هذه المسألة لوجود مواضيع أهم على لائحة وظائفه المتعدّدة إلا أنّ اللبنانيين بمعظمهم أصبحوا خُبراء في الفبركات الصوتية التي أهانت الذكاء الموروث والمكتسب من البيئة السياسية. وفي حين جلس الحريري في الرياض يُحاول اختصار كلماته قدر الإمكان من خلال لوم الرئيس بشار الأسد لئلا يرتكب الغلطة التي ارتكبها صديقه صقر، جلس صقر في اسطنبول مُنتظراً الآتي والذي لربما سيلقى عند مجيئه كلمات ذات عيار شبيه بالذي استعمله خلال مؤتمره الصحفي الأخير.
الجيش اللبناني ينتشر في باب التبانة في طرابلس. |
وفي حين استطاع الجيش الإمساك بزمام الأمور في طرابلس، التي تأثّرت أكثر من المدن الأخرى بمسلسل وصول أصابع الأزمة السورية الى لُبنان، في هدنة تبانية-مُحسنية يدعو أولئك الذين يريدون الخير للبنان، أن تدوم، ويدعو البعض الآخر أن تتطوّر الى صراع طائفي بامتياز، أكّد رفعت عيد، مسؤول العلاقات السياسية في «الحزب العربي الديمقراطي» أنّ جبل مُحسن يعرف كيف يُدافع عن نفسه في حال حصل ما لا تحمد عقباه مُشدداً على أنّ تسليم السلاح وارد شرط توافر ضمانات. أما الجيش الذي يقول البعض أنه يتم زجه في حرب سياسية بامتياز لا دخل له فيها سوى أنّه مُتكفّل في حماية لبنان، فتتم المراهنة على دوره في إبقاء الأحداث الطرابلسية قيد السيطرة قبل أن تفقدها مرة أخرى. أما المؤكّد فهو أنّ طرابلس بحاجة الى حل سياسي جذري قبل كل شيء وهو ما عبّر عنه رئيس الداخلية مروان شربل في مؤتمر صحفي عندما طالب الدولة والقضاء بمعالجة المسألة. فطرابلس على ما يبدو يتأرجح واقعها بين مد وجزر، وكأنّ كبسة زر سياسية فقط تتحكّم بهذا الواقع. أما في جديد ملف تلكلخ الذي لا يزال يُعدّ لغزاً مُشتقاً من مؤامرة لا يتّفق مخترعوها حتى على عدد جثثها، فقد تسلّم لبنان ثلاث جثث وصوراً للضحايا للتأكّد من هوياتهم.
أمنياً أيضاً، وافق مجلس الوزراء على تسليم «الداتا» المتعلّقة بالمشتبه بهم فقط لا غير الى الأجهزة الأمنية كما اجتمع رئيــس الحكــومة نجيب ميقاتي مع وزير الداخلية والبلــديات مروان شربل والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم وآخرين للإتّفاق على السُبل المثلى لتوفير الحماية للسياسيين. ولربما الآن تكون أمنية رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قد تحقّقت بعد أن كان يُردّد في الأشهر الماضية في كل فرصة مُمكنة كلامه المعتاد عن الإغتيالات، عسى أن تتحقّق أماني اللبنانيين في سُبل توفير الحماية لهم ولشؤونهم الإقتصادية والإجتماعية التي يصرّ مجلس الوزراء على تجاهلها. فالمجلس الذي لا يعرف أولوياته كما يتبيّن يوماً بعد يوم، قام بوضع أحداث طرابلس الأمنية جنباً الى جنب مع موضوع تأمين مصادر تمويل سلسلة الرتب والرواتب في جلسة واحدة وكأنّه كان يُفتّش عن عذر للتسويف المتواصل في البتّ في السلسلة، فلم يجد أمامه عذراً في الوقت الراهن سوى أنّ الأحداث الأمنية على قدر أكبر من الأهمية من الوضع الإجتماعي والإقتصادي. وكرد على التأجيل الى أمد غير معروف، اعتصمت هيئة التنسيق النقابية على طريق بعبدا ثم انطلق آلاف من الموظفين والأساتذة والمعلمين البارحة في مسيرة من البربير الى السرايا الحكومية فشدّد عضو هيئة التنسيق ورئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب ونقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض وآخرون على التصعيد المستمر الذي سيبدأ بشل للقطاع العام مُرفقاً بخطوات أخرى.
الى ذلك، استمرّت مُبادرة وليد جنبلاط الحوارية في مساعيها فدّقت في الأسبوع الماضي على باب «الجماعة الإسلامية» لتخرج منه كما خرجت من غيره: بإيجابية نظرية مُشتقة من السياسة التي يعتمدها الطرفان فتتشابه في بعض النقاط وتختلف في البعض الآخر وخاصة فيما يخصّ موضوع إسقاط الحكومة. أما زيارة رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة الى جنبلاط فقد تطرّقت بالإضافة للمبادرة، الى الأحداث السورية-اللبنانية. وقد فتحت هذه الزيارة على ما يبدو آفاقاً جديدة للحوار فتشابهت في هذه الناحية مع زيارة الرئيس أمين الجميّل الى الرئيس نبيه بري والتشديد على الوصول الى قانون عادل للإنتخابات. وقد أوضحت بعض المصادر أنّ الكتائب تُوافق على المشاركة في جلسة نيابية تتضمّن فقط إقرار قانون انتخابي عادل. وبالرغم من أنّ موضوع الإنتخابات على ما يبدو خاضع للمد والجزر السياسي، إلا أنّ هذا الأسبوع حمل معه هاجساً وحيداً هو «قانون الستين» الذي على ما يبدو هناك اتفاق سارٍ برفض الإنتخابات في وجوده.
على صعيد آخر مُختلف، وإنما مُتشابه، سافر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى اليونان حيث التقى بنظيره اليوناني كارلوس بابولياس ومسؤولين يونانيين فتمّت مناقشة العديد من الموضوعات التي طغى عليها الطابع الإقتصادي وإيجاد سُبل للتعاون في قضايا صناعية-تجارية-مصرفية-نفطية. أما زيارة رئيس الحكومة ميقاتي الى روما فقد تناولت أيضاً التعاون الإقتصادي وشدّدت على موضوع الحوار. وبهذا، يكون كل من سليمان وبري وميقاتي وجنبلاط قد حمل راية الحوار التي برزت أيضاً في اللقاء الذي جمع سليمان وبري بنائب الأمين العام للأمم المتحدة يان إلياسون.
Leave a Reply