استخدم حاكم ولاية ميشيغن، ريك سنايدر، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قانون رفعه اليه كونغرس الولاية يسمح بحيازة سلاح مخفي في المدارس والملاعب ودور العبادة وغيرها من الاماكن العامة، التي كان يحظر فيها عادةً حمل السلاح.
وإذا كان مشروع القانون يتضمن بنداً بضرورة أن يكون السلاح مرخصاً وأن يكون حامله قد أتم دورات تدريبية، إلا أن مجزرة مدرسة «ساندي هوك» في كونتيكيت قلبت الطاولة على المشرعين الجمهوريين الذين يتمتعون بالأغلبية في مجلسي الكونغرس ورأوا الفرصة سانحة لـ«رد الجميل» للوبي السلاح الداعم القوي لحملاتهم الإنتخابية.
ولكن بعد مأساة مدرسة «ساندي هوك» الإبتدائية التي راح ضحيتها ٢٤ شخصاً معظمهم من الأطفال، وجد سنايدر نفسه مضطراً الى استخدام حق النقض ضد إرادة حزبه، نزولاً عند الضغط الإعلامي والشعبي الرافض لانتشار السلاح بين الأميركيين، لاسيما بعد وقوع سلسلة من المجازر الدامية التي وضعت حق حمل السلاح الذي يكفله الدستور الأميركي في «التعديل الثاني» على المحك وسط تردد الأميركيين بين خيارين أخلاهما مر، إما المساس بالدستور أو ترك البلاد عرضة لمجازر يرتكبها، على الأغلب، مختلون عقليون لم يجدوا أي صعوبة في الوصول الى سلاح جرائمهم.
فهل لك أن تتصور وأنت جالس في مقهى أو صالة مسرح، أو حتى في دار للعبادة، أن يهدد حياتك ممسوسٌ ما بمسدس؟ وماذا سيحدث لو كان بحوزتك سلاح تخفيه في مكان ما؟ هل تتسع المخيلة لتصوير مثل هذا المشهد. وربما يكون الأدهى والأمرّ ان حصل شجار بين تلاميذ في مدرسة، وكان في متناول يد أحدهم سلاحاً.
المشهد سيكون وحشياً خاصة وان المجتمع الأميركي يحمل من ثقافة العنف بما فيه الكفاية، والفضل في ذلك يعود الى وسائل الاعلام وانتاجات هوليوود. والنتيجة العملية الحتمية هي المزيد من الضحايا. هذه توقعات يشير لها عديدون من ذوي الاختصاص، فيما لو وقع حاكم ميشيغن مشروع القرار، الذي وجد من يدعمه ويقترحه في أروقة «الكابيتول» في لانسنغ تحت عنوان الحق في الدفاع عن النفس في حالة تعرض الحياة للخطر. يتزامن هذا الموضوع مع مشاعر الغضب والحزن والاسف التي عمت ارجاء الولايات المتحدة، اثر سقوط 28 قتيلاً، من بينهم 20 طفلاً، في مدرسة ابتدائية، يوم 14 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، عندما أطلق شاب مسلح النار بشكل عشوائي على كل من صادفه في مدرسة ابتدائية «ساندي هوك» في مدينة نيوتاون. حادث أبدى الرئيس الأميركي باراك اوباما تأثره الشديد لسقوط الضحايا، مؤكداً على أنه سيستخدم صلاحيات مكتبه للحيلولة دون تكرار مثل هذه الحوادث (التفاصيل صفحة ١٠).
ولابد ان نشير الى ان مشروع القانون الجديد في ولاية ميشيغن لا يرتبط بحق اقتناء السلاح والدفاع عن النفس في حالة تعرض الحياة للخطر، لأن حمل السلاح أمر مكفول في الدستور الأميركي، ضمن «التعديل الثاني» الذي أقر عام 1791، وتنص هذه المادة على «إن وجود مليشيات منظمة جيد وضروري لأمن الدولة الحرة، وإن حق الناس في الاحتفاظ بالاسلحة وحملها لا يمس، ولا يحق لمجلس الشيوخ سنّ قانون يمنع المواطنين من حمل السلاح أو اقتنائه أو بيعه أو شرائه». ومن هنا فالمقترح الجمهوري في ميشيغن تعلق بتوسيع نطاق حيازة السلاح واستخدامه لتشمل الأماكن المحظور فيها حمله واستخدامه تماشيا مع الدستور.
ولكن خطوة الجمهوريين التي جاءت قبل مجزرة «ساندي هوك» بيوم واحد، أثارت موجة احتجاجات ساخطة في ولاية ميشيغن، حيث احتج البعض على إضاعة الوقت في الجدل حول قوانين تبرر المزيد من التسليح بدلا من مناقشة برامج الصحة النفسية والعقلية، والزام اولياء امور المرضى باخضاعهم لعلاج في المستشفيات والمصحات، وعدم تركهم طلقاء ليرتكبوا، بين فترة وأخرى، المزيد من الجرائم التي يذهب ضحيتها عشرات الأبرياء.
في حوار مع النائبة الديمقراطية عن ديترويت في كونغرس ميشيغن، رشيدة طليب، قالت لـ«صدى الوطن» إنها صوتت ضد مشروع القانون «ولذلك أنا سعيدة جداً أن الحاكم، استخدم حق النقض ضد المشروع»، مضيفة ان السماح بمزيد من الأسلحة في الأماكن العامة سيعزز إمكانية وقوع حوادث مماثلة لما حصل في مدرسة «ساندي هوك».
وافادت طليب بأن الكونغرس الذي انتهت ولايته في 17 الجاري، مرر مشروع القانون في جلسته الأخيرة، دون تشاور او تداول كاف كما تجري العادة» في إشارة منها الى استعجال الجمهوريين لإقراره قبل تولي المجلس الجديدالذي انتخب في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أعماله مطلع العام المقبل.
وكشف المحامي نبيه عياد، رئيس «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية»، أن مشروع القانون كان يهدف أيضاً الى تسهيل عملية الحصول على رخص حمل السلاح و«يجعل من تسليح الناس أكثر سهولة».
ويرى عياد أنه لولا مجزرة «ساندي هوك» لما اضطر الحاكم سنايدر الى إجهاض القانون الذي أبدى الدعم له سابقاً. وقال عياد «هو وقت عصيب تشهده الولايات المتحدة. ولكن يبدو أنه علينا ان نجرب المآسي قبل إدراك أخطار الأسلحة وعواقب انتشارها وتحولها الى أدوات قتل».
واعتبر المحامي علي حمود أن مشروع القانون «محاولة أخرى من الجمهوريين في لانسنغ لدفع جدول أعمالهم الراديكالي في الوقت الذي يسيطرون فيه على مجلس النواب ومجلس الشيوخ ومكتب الحاكم».
وقال حمود إن «قوانين حيازة الأسلحة في ميشيغن، هي قوانين جيدة كما هي الآن». مبدياً شكوكه بمدى «عقلانية» خطوة كهذه «تسمح للمواطنين بحمل الأسلحة في المدارس والكنائس». وأضاف «الأطفال يربطون المسدسات بالعنف، كما انهم يرون في المدرسة بيتاً ثانياً لهم، ولذلك فإن حمل المدرسون أو العاملون بالمدرسة الاسلحة فذلك سيزعزع الأمان والطمأنينة لدى الأطفال».
وعلى صعيد الجدوى الإقتصادية من السماح بحمل السلاح في الأماكن العامة يقول حمود «إن هذا سيشكل ضغطاً على المجتمعات التي تواجه عجزاً وركوداً في اقتصادها، لان ذلك يتطلب توظيف حراس في المدارس والمستشفيات، والكنائس، مما يؤدي الى زيادة الأعباء المالية عليها.
أما المدير الإقليمي «للجنة العربية الأميركية لمكافحة التمييز» (أي دي سي)-ميشيغن، عماد حمد، فقد أكد على أن حمل السلاح حق دستوري.. ولكن ضمن مقتضيات القوانين، غير أن ما كان يصح قبل سنوات ليس بالضرورة أن يكون كما هو الآن»، مطالباً بتشديد القوانين لتفادي المجازر الدموية التي تعصف بالمجتمع الأميركي. وأضاف حماد «عندما نتحدث عن حمل السلاح واستخدامه لاقتراف الجرائم، يجب علينا التوقف ملياً والتمعن بالتحديات التي تواجه المجتمع الأميركي». وانتقد حمد مشروع القانون الذي تقدم به جمهوريو الولاية، مطالباً بدل ذلك «بوضع ضوابط لمنع استغلال الحق الدستوري، وكبح جماح اية جرائم مستقبلية أو استخدام السلاح بطريقة غير مشروعة». وأضاف «القانون الذي يعطي هامشاً أوسع لحمل السلاح، هو موضوع حساس ودقيق ويجب عدم السماح به، وعليه يجب ان يكون حمل السلاح بشكل محصور ومحدود، لكن تغيير هذا القانون يتطلب تعديلاً دستورياً، وهو أمر ليس سهلاً على الإطلاق، لاسيما أن له امتدادات مرتبطة بصناعة الأسلحة».
وأوضح حمد بأن «شركات بيع السلاح في الولايات المتحدة تتمتع بلوبي سياسي لا يستهان به، وله تأثيره في منع أي قانون يحد من انتشار السلاح في السوق الأميركي».
وانتهى حمد بقوله «بدل توسيع فسحة التسليح يجب حصرها»، مشيرا الى ظاهرة انتشار حمل واقتناء السلاح بدأت تنتشر بين أوساط شباب الجالية العربية، «إنها ظاهرة مثيرة للقلق»، وإن كان ذلك من حق العرب، كسائر الأميركيين.
أما الاستاذ جمال دكروب منسق العلاقات الطلابية في ثانوية «فوردسون» في ديربورن فأعرب عن مواساته لعائلات ضحايا «ساندي هوك» وعموم الأميركيين قائلاً إن هذه الحادثة الأليمة «تذكرنا بأن نكون حذرين ونتخذ الخطوات الضرورية لكي نحمي أبناءنا وكل من يعمل في مدارسنا».
وأكد دكروب على أن «ثانوية فوردسن ستبقى دائماً حريصة على رعاية طلابها والعاملين فيها من أساتذة وموظفين. هدفنا دائماً هو حماية طلابنا والقوانين المعتمدة والتدريب على الحالات الطارئة في ثانوية فوردسن هي التي تساعد على تحقيق هذا الهدف».
وأضاف دكروب «نحن نطالب الأهالي والجالية الكريمة المساعدة كعائلة واحدة لحث أبنائنا على تفهم خطورة انتشار الأسلحة.. علينا جميعا أن نعمل سوياً لكي تكون فوردسن وباقي مدارسنا المكان الأكثر أماناً لأبنائنا».
وبما يتعلق بموقف دكروب من مشروع قانون حمل السلاح في الولاية قال باقتضاب: «مهما تكن القوانين التي تسنها الولاية، علينا اتباعها بشكل أن لا يتناقض مع قوانين المدرسة، وبما يؤمن الحماية المطلوبة لطلابنا والعاملين في مدارسنا خلال الدوام الرسمي».
وبدوره استنكر الفنان المسرحي سعدون الموسوي، وهو أب لطفلين، طرح مثل هذا المشروع، «ألا يدركون أن فيه الكثير من المجازفة بحياة الاطفال.. هو خطر خطر». ويتابع الموسوي «لا ارى أي مبرر لحمل الأسلحة في أماكن الدراسة والعبادة واللهو، هل نصنع الرعب في الواقع كما يصنع في الأفلام أم ماذا؟!».
وقال نادر زيدان، وهو أب لـثلاثة أطفال يذهبون الى المدرسة الابتدائية، ولديه رخصة لحمل السلاح: «انا لا ادخل السلاح الى بيتي بسبب وجود الأطفال، فما بالكم بالمدرسة، طبعاً هذا أمر مرفوض». وأكد زيدان على أن «اقرار مشروع هذا القانون غير منطقي، ونقضه من قبل سنايدر صحيح 100 بالمئة»، واضاف «أنا مثلاً أحمل السلاح كي ادافع عن نفسي، لأني أعمل تاجراً للسيارات في منطقة غير آمنة، وبشكل عام فإن من يحمل السلاح يجب ان يتحلى بالمسؤولية، كي يتمكن من استخدامه عقلانياً، وهو أمر لا يملكه الجميع، لذلك ارى من الضروري الحد من اعطاء رخص حيازة السلاح».
وفي السياق، قالت السيدة حنان التميمي «في كل مرة يروعنا حادث مؤسف يذهب ضحيته أبرياء، ونطلع على التحقيقات الأولية في الصحف وهي تعلن أن الجاني يعاني من حالة نفسية، أو مشكلة عقلية، وعليه أقترح ان تكون وثيقة السلامة العقلية والنفسية احدى الشروط التأهيلية لحيازة السلاح».
Leave a Reply