نيوتاون، واشنطن – مجزرة جديدة وأكثر إيلاماً وقعت يوم الجمعة الماضي، ١٤ كانون الأول (ديسمبر) الجاري، حيث قتل 27 شخصا أغلبهم من الأطفال برصاص شاب اطلق النار داخل مدرسة ابتدائية بولاية كونيتيكت شرق البلاد، ليعود الى الواجهة ثانية النقاش حول حق الأميركيين بحمل السلاح، المكفول بالتعديل الثاني من الدستور الأميركي.
فبعد مجازر سابقة وقعت في الجامعات والمدارس الثانوية، سجلت مجزرة ابتدائية «ساندي هوك» في نيوتاون سابقات عديدة سواءً في عدد الضحايا أو أعمارهم أو حتى مدى وحشية مرتكب الجريمة الذي لم تتجل دوافعها بعد.
ومع شيوع الخبر بين الأميركيين غرقت البلاد بأكملها في حالة من الحزن والذهول امام مجزرة قد تكون الأسوأ في تاريخ المؤسسات التعليمية في هذا البلد، لتضع الأميركيين أمام معضلة كبيرة: فإما المساس بالدستور وما قد يترتب على ذلك من انتزاع للحقوق، أو مكافحة انتشار الجريمة.
الرئيس باراك أوباما، اختار الخيار الثاني مطالباً بوضع حد «للمآسي» ملوحاًً باستخدام صلاحياته الرئاسية لمكافحة انتشار الأسلحة بين الأميركيين، حيث سارع لحظر أكثر من مئة سلاح.
قال أوباما في كلمة في نيوتاون خلال حفل تأبين للضحايا إن هذه المجزرة تنم عن «عنف يفوق الوصف» وإن الولايات المتحدة «تقدم حبها وصلواتها» للضحايا، داعيا الى «جعل بلدنا جديراً» بذكرى هؤلاء الضحايا وغالبيتهم أطفال في السادسة من العمر.
وفي كلمته في حفل التأبين الذي اقيم في قاعة كبرى في ثانوية نيوتاون دعا أوباما مواطنيه الى التفكير معه في «ما اذا كنا قمنا بما فيه الكفاية لحماية اطفالنا». واضاف «لقد فكرت في هذا خلال الأيام الماضية وإذا كنا صادقين مع أنفسنا فإن الجواب هو كلا»، مذكراً أن نيوتاون هي رابع مدينة يزورها للتعزية بضحايا مجزرة مماثلة منذ توليه الرئاسة قبل اربع سنوات. وتابع أوباما «لم يعد بامكاننا التساهل مع هذا الأمر. هذه المآسي يجب أن تنتهي. ولكي تنتهي علينا أن نتغير»، مؤكداً أنه «يمكننا القيام بأفضل مما نقوم به. إذا لم يكن هناك إلا إجراء واحد نقوم به لإنقاذ حياة طفل أو والد.. فعلينا واجب أن نحاول». وقال أيضا «في الاسابيع المقبلة سأسخر لهذا الأمر كل الصلاحيات التي يخولني إياها منصبي من أجل أن أتباحث مع مواطني، من قوى الأمن الى خبراء علم النفس مرورا بالأهالي والمعلمين للعمل على منع وقوع مآس مماثلة».
وتساءل أوباما «أي خيار آخر لدينا؟ لا يمكننا القبول بأن تصبح حوادث كهذه أمراً روتينيا. هل نحن مستعدون للقول بأننا عاجزون امام هكذا مجازر؟ وبأن الوضع السياسي صعب جدا؟»، في اشارة الى السجال الدائر في البلاد بين مؤيدي حرية حيازة الأسلحة ورافضيها.
مشروع قانون فـي الكونغرس
وأحيت هذه المجزرة الجدل حول الأسلحة الفردية في الولايات المتحدة. والأميركيون منقسمون حول ضرورة تعزيز التشريعات المتعلقة بالأسلحة النارية الفردية التي ادت في 2009 الى مقتل 31 ألف شخص بينهم أكثر من 18 الفاً انتحاراً.
وجاء تحرك الديمقراطيين سريعاً في الكونغرس الأميركي عبر طرح مشروع قانون في الكونغرس بهدف حظر بيع ونقل وتصنيع واستيراد مئة نوع من الأسلحة الرشاشة في الولايات المتحدة. وأعلن البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، تأييده لمشروع القانون الذي تقدمت به السناتور الديمقراطية دايان فاينشتاين. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني رداً على سؤال حول الخطوات التي سيتخذها أوباما، إن الرئيس «يدعم بقوة مثلا عزم السناتور فاينشتاين». وأضاف إن أوباما سيؤيد أيضا أي محاولة لحظر استخدام المماشط الكبيرة التي تحوي عشرات الرصاصات ولمنع الأفراد من بيع الأسلحة من دون ترخيص.
ويشمل اقتراح فاينشتاين البنادق والمسدسات نصف الآلية إضافة الى المماشط التي تحوي أكثر من عشر رصاصات. لكن الموافقة على هذا الاقتراح تبقى رهناً بتأييد النواب القريبين من لوبي الأسلحة (أن آر أي) في الكونغرس وفي مقدمتهم أعضاء مجلس النواب الجمهوريين. ويذكر أن المشرعين الأميركيين لم يوافقوا على أي قانون جديد يتعلق بالأسلحة منذ عام 1994، ويملك حوالي نصف الأسر الأميركية بندقية واحدة على الأقل، وهناك أكثر من 200 مليون قطعة من الأسلحة النارية المملوكة لأفراد في أميركا.
المجزرة
قتل آدم لانزا برصاصة والدته نانسي الشقراء الانيقة، التي كان يعيش معها في منزل فخم بحي هادىء في نيوتاون. وبعدها توجه الى المدرسة عند الساعة ٩:٣٠ صباحاً وارتكب المجزرة في مدرسة «ساندي هوك».
وقال كبير الأطباء الشرعيين بالولاية واين كارفر إن جميع الضحايا تعرضوا لأكثر من طلق ناري، لافتا إلى أن السلاح الرئيسي لمنفذ الهجوم كان بندقية، وأن كل واحدة من الجثث التي فحصها أصيبت بما يتراوح بين ثلاث رصاصات و11 رصاصة. يشار إلى أن 12 فتاة و8 صبيان تتراوح أعمارهم بين السادسة والسابعة، إضافة إلى 6 نساء بالغات قتلوا في الحادث بينهم والدة مرتكب المجزرة التي عثر على جثتها في منزلها الذي كانت تقتني به الأسلحة التي استخدمها ابنها آدم (لانزا) في هجومه على المدرسة.
وكانت السلطات قالت إن لانزا قتل نفسه في الهجوم، وقال بول فانس من شرطة ولاية كونيتيكت في مؤتمر صحفي: «قدم محققونا في موقع الجريمة بعض الأدلة الجيدة للغاية في هذا التحقيق الذي سيكون في مقدور محققينا استخدامها على أمل رسم صورة كاملة بشأن الكيفية التي حدث بها هذا والأهم حول سبب حدوثه».
ولم يصف فانس الأدلة لكنه قال إن المهاجم اقتحم المدرسة خلافا لما تردد عن أنه سمح له بالدخول.
وقال مسؤولون بالشرطة إن نانسي لانزا، والدة منفذ الجريمة كانت تملك بشكل قانوني مسدسين من طرازين يستخدمان عادة في الشرطة وبندقية قصيرة الماسورة من طراز بوشماستر 223إم4.
وفي تفاصيل المجزرة فان مطلق النار وصل الى المدرسة بعيد الساعة 9,30 مسلحا بمسدسين الاول سيغ سور والثاني غلوك وتركز هجومه على اثنين من الصفوف الدراسية حيث قتل بدم بارد 20 طفلاً وستة بالغين.
وبحسب الشرطة فإن 18 طفلا قضوا في الحال في حين توفي الطفلان الاخران بعيد نقلهما الى المستشفى. ونجت من المجزرة جريحة واحدة. ومن بين البالغين الستة الذين ارداهم القاتل مديرة المدرسة والمعالجة النفسية فيها.
وحتى مساء الجمعة، كانت جثث الأطفال الصغار وكذلك ايضا جثث البالغين لا تزال في داخل المدرسة بانتظار انتهاء التحقيقات بحلول السبت، في حين فرضت طوقا امنيا حول المدرسة الواقعة في منطقة حرجية في البلدة التي تضم ٢٧ ألف نسمة. ولم تكشف الشرطة على الفور عن اسم القاتل، ولكن وسائل الاعلام قالت في بادئ الامر إنه يدعى راين ولكنها عادت وقالت إن اسمه آدم لانزا وعمره 20 عاماً، وان الشرطة استجوبت شقيقه راين البالغ من العمر 24 عاماً. وبحسب إفادات بعض من أهالي التلامذة وموظفين في المدرسة فإن أكثر من مئة رصاصة تم اطلاقها خلال الهجوم.
مسلسل طويل ومؤلم
وهذه المجزرة هي الحلقة الأخيرة في مسلسل طويل من الحوادث المماثلة التي تكاثرت في الاونة الاخيرة.
ففي تموز (يوليو) الفائت قتل 12 شخصاً في اطلاق نار في سينما في مدينة أورورا بولاية كولورادو، وبعدها ببضعة اسابيع قتل جندي سابق ستة اشخاص في معبد للسيخ في أوك كريك في وسكونسن ثم انتحر.
ومجزرة نيوتاون هي احدى أسوأ المجازر في تاريخ المؤسسات التعليمية الأميركية، إن لم تكن الأكثر وحشية على الإطلاق. ففي نيسان (أبريل) 1999 في كولومبين بولاية كولورادو أيضا أطلق فتيان النار في مدرستهما فقتلا 12 تلميذاً ومدرساً واحدا ثم انتحرا. وفي نيسان 2007 قتل طالب في الـ23 من العمر 32 شخصاً قبل ان ينتحر وذلك في مسكن الطلاب في معهد فيرجينيا للعلوم (فرجينيا).
Leave a Reply