تنتظر وزير الخارجية الأميركي المرشح جون كيري العديد من ملفات السياسة الخارجية التي لا تزال عالقة في أروقة ودهاليز وزارة الخارجية والبيت الأبيض في الوقت الذي يرى فيه العديد من المحللين والخبراء أن خلفية كيري السياسية وخبراته في السياسة الخارجية تؤهله للعمل على إحداث تقدم في هذه الملفات من خلال تعزيز دور المفاوضات في هذا الشأن. وفي مقدمة هذه الملفات تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي والملف النووي الإيراني والأزمة السورية. وقال ليزلي غيلب رئيس مجلس العلاقات الخارجية في مقابلة مع مجلة «بوليتيكو»، إن كيري «سيحظى بصوت أقوى على الطاولة أكثر من أي مسؤول في حكومة أوباما الأولى» وأضاف «لن يتردد كيري في التعبير بصوت عال عن موقفه… وأنا متأكد من رؤية ذلك في جلسات الاستماع أو في المؤتمرات الصحفية».
بالرغم من حرص كيري على عدم الابتعاد عن الخط العام للرئيس أوباما في فترة ولايته الأولى فيما يتعلق بسياسته الخارجية إلا أنه لوحظ تغيرا طفيفا في موقفه تجاه سياسة حكومة أوباما في التركيز على مسألة ضرورة وقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية واعتبارها حجر الزاوية في نهجها لإقناع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لاستئناف المفاوضات المباشرة بدون شروط مسبقة وتجنب القيام بأي عمل «استفزازي» من جانب واحد من شأنه تعطيل عودة الجانبين إلى طاولة المفاوضات. وبالرغم من معارضته للاستيطان الإسرائيلي إلا أنه كان قد وصف نهج حكومة أوباما بأنه «فاشل» وقد سبق له أن قال في هذا الشأن «لقد عارضت هذا الجهد الذي طال بشكل علني حول المستوطنات نظرا لأنني لم أعتقد أنه سينجح وفي الواقع فإننا أهدرنا عاما ونصف حول أمر لم يكن لأسباب عديدة أن يتحقق.. وأعتقد أنه مثل وضع العربة قبل الحصان». وهو يعتبر أن الاستيطان «يشكل عقبة في طريق السلام»، ومعبرا عن تأييده حل الدولتين على أساس حدود عام 1967 مع تعديلات بسيطة.
ويعتقد شبلي تلحمي من مركز «سابان» لسياسات الشرق الأوسط أنه قد ينظر إلى كيري بشكل ودي أكثر في المنطقة العربية مقارنة بكلينتون وقال «لقد وضعت كلينتون نفسها أكثر قربا لتيار الوسط مقارنة بكيري». وأضاف موضحا «تحظى هيلاري كلينتون بصدقية قوية للغاية مع إسرائيل وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل وخاصة أنها كانت عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك».. مشيرا إلى أن تحالفها مع الجماعات المؤيدة لإسرائيل التي تحظى بنفوذ في الدوائر الانتخابية بالولاية قد ساهم بصياغة نهجها في السياسة الخارجية فيما يتعلق بالمنطقة وخاصة الصراع العربي الإسرائيلي.
لذلك فإن المحللين يعتقدون أن أحد الأسئلة المهمة هو ما إذا كان كيري سيعمل على تنشيط المناقشات الرئيسية في سياسة البيت الأبيض الخارجية. ويعتقد مسؤول سابق بوزارة الخارجية الأميركية أنه «بينما كانت هيلاري شخصية كبيرة فإنها خضعت بالكامل والسؤال هو ما إذا كان كيري هو الآخر سيحذو حذوها.. وماذ سيحدث لو خرج كيري عن هذا الخط». وقال «أعتقد أن كيري سوف يمشي بصعوبة جدا فيما يتعلق بالشرق الأوسط».
وفيما يتعلق بإيران، فإن ملفها النووي يعتبر أكبر تحد دبلوماسي سيواجهه كيري والذي يرجح العديد من المحللين أن يكون لكيري دور رئيسي في محادثات محتملة بين الولايات المتحدة وإيران وقد يشارك شخصيا في أي حوار مباشر مع إيران. إذ لا يستبعد غيلب ذلك حيث يقول «هذه قضية سوف يمسك بها كيري من كافة جوانبها» فيما يعتقد إليوت أبرامز المحسوب على المحافظين الجدد في حكومة بوش الإبن أن عام 2013 سيكون صعبا جدا على إيران وأن كيري سيشرف بشكل مباشر على التفاوض مع إيران وليس البيت الأبيض.
ويذكر أنه سبق لكيري أن عمل كمبعوث للرئيس أوباما في السنوات الأخيرة حيث وصفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون هذا الدور في بيان تأييدها ترشيحه بالقول «إنها مهمات دبلوماسية حساسة» في أماكن مثل سوريا، أفغانستان، باكستان والسودان. وكان كيري قد ساعد في شباط (فبراير) 2011 على تهدئة التوتر الذي نشب في أعقاب سجن باكستان لمقاول أمني يعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) أطلق النار على اثنين من الباكستانيين وهو ما أثار احتجاجات غاضبة، وقال الناطق السابق باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي إن كيري «كان له دور أساسي في المساعدة على وقف النزيف في العلاقات الأميركية- الباكستانية». فيما أوضح ساندي بيرغر، مستشار الأمن القومي السابق في عهد الرئيس بيل كلينتون أن هذا بالفعل ما كان يفعله كيري طوال 30 عاما من عضويته في مجلس الشيوخ.
وفيما يتعلق بسوريا فإن البيت الأبيض يدعم المعارضة السورية بما فيها الجماعات المسلحة للإطاحة بنظام حكم الرئيس بشار الأسد، وأوباما بالرغم من أن أوباما وكبار مساعديه يؤكدون علنا أنهم لا يقدمون أسلحة للمعارضة إلا أنها لا تمنع أياً من حلفائها وخاصة الخليجيين منهم من تمويل وتزويد الجماعات السورية المعارضة بالأسلحة ومن غير المتوقع أن يطرا أي تغيير جوهري على هذه السياسة بالرغم من أن كيري كان محاورا رئيسيا بين البيت الأبيض والرئيس الأسد خلال السنوات الماضية التي سبقت اندلاع التمرد الحالي في سوريا حيث سبق أن عقد خمسة اجتماعات مع الرئيس الأسد منذ عام 2009 تناول في إحداها طعام العشاء مع الرئيس الأسد وزوجته.
ويرى محللون وخبراء أن هدف كيري من تلك اللقاءات كان محاولة إغراء الرئيس الأسد للصلح مع إسرائيل. وقال غيلب إن جماعات المعارضة السورية تريد الحصول على الكثير بمجرد تولي كيري منصب وزير الخارجية، وأضاف «حتى الإسرائيليون يريدون ذلك أيضا، لذلك فمن الصعب أن تهاجمه حول هذه المسألة».
Leave a Reply