يحل العام 2013 على المنطقة العربية وهي تقف عند منعطف تاريخي قد تحدد التطورات القريبة على ساحتها الكثير من التغيرات الكبرى، وإذا كانت سوريا هي قلب الصراع بين أضداد المرحلة إلا أن أياً من بقع العالم العربي لم تسلم خلال عام 2012 من التطورات الكبرى التي كان أبرزها وصول تيار الإسلام السياسي المدعوم من دول خليجية الى الحكم والتمكن منه في مصر على الأقل.
فقد ودّع المصريون عاماً حافلاً بالتطورات السياسية، شهدت خلالها مصر تحوّلات خطيرة على المستوى السياسي، تمثلت في وصول جماعة «الإخوان المسلمين» إلى الحكم، للمرة الأولى منذ تأسيسها قبل ثمانية عقود، وإحكام الإسلاميين سيطرتهم على البلاد، من خلال رئيس ينتمي إلى صفوفهم، وحكومة احتكروا تشكيلها، ومجلس شورى خاضع لسيطرتهم، ودستور انفردوا في وضع مسودته.
استطاعت إذاً جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر أن تنتقل إلى «مرحلة التمكين»، وذلك من خلال استيلائها على كافة مفاصل الحكم في البلاد وهو ما بلغ أوجه في أزمة الإعلان الدستوري وتزوير الاستفتاء (حسب المعارضة) وتعطيل القضاء، واستخدام الميليشيات في قمع المعارضين لـ«حكم المرشد».. وإذا كانت التحولات السياسية التي شهدها العام المنصرم ما زالت تحمل للمصريين أملاً بغد أفضل، في ظل بروز مقاومة مدنية قوية ضد «حكم المرشد»، إلا ان جرس الإنذار الذي يدق منذ أيام في البورصة المصرية والسوق النقدية ومؤسسات التصنيف الائتماني في العالم، ينذر بكارثة اقتصادية يخشى كثير من المراقبين من أن تؤدي إلى انفجار ثورة جياع، وذلك على أعتاب الذكرى الثانية لـ«ثورة 25 يناير»، في ظل الغضب الشعبي المتصاعد ضد سياسات مكتب الإرشاد، والتي يؤججها أسلوب الإنكار الذي ينتهجه الرئيس محمد مرسي برغم الأرقام السوداوية الصادرة من هنا وهناك.
وفي تونس، طبع الانقسام الحاد بين الائتلاف الحاكم (الترويكا)، الذي ترأسه حركة «النهضة»، وفصائل المعارضة المشهد السياسي، من دون أن يخلو من اضطرابات أمنية لجأت فيها السلطات إلى القمع عدة مرات. كما تأخرت صياغة الدستور عن موعدها المحدد، 23 تشرين الثاني، ولم ينته من كتابته حتى الآن. وعرفت تونس اضطرابات أمنية في محافظات عدة، أبرزها الاشتباكات المسلحة بين الأمن و«القاعدة» في صفاقس والقصرين. وشهدت سليانة مواجهات بين الحكومة والمحتجين، كما سيدي بوزيد حيث رمي الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بالحجارة.
وفي الجزائر التي تعيش استقراراً نسبياً، فقد «حزب جبهة التحرير الوطني» الجزائري الغالبية في انتخابات تجديد نصف أعضاء مجلس الأمة، الغرفة الثانية في البرلمان، لمصلحة حليفه في الحكومة «التجمع الوطني الديموقراطي»، بينما لم يحصل الإسلاميون على أي مقعد، في الوقت الذي يبدو أن شرار الحرب في مالي بدأ يطال الجزائر، فيما موريتانيا عادت الى استقرارها بعد نجاة رئيسها من محاولة اغتيال.
المشهد الليبي في العام 2012 تمثل بتواصل فوضى انتشار السلاح، والاشتباكات بين الميليشيات المتناحرة لفرض سيطرتها على المناطق، ومواجهات ضارية بين القبائل أدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى. وبالرغم من تخريب أنصار الفدرالية لمقر اللجنة الانتخابية في بنغازي في 7 تموز، فقد انتخب الليبيون، للمرة الأولى منذ 42 سنة تحت حكم العقيد الراحل معمر القذافي، «المؤتمر الوطني العام»، الذي تسلم في آب السلطة من المجلس الوطني الانتقالي، وانتخب المعارض محمد المقريف رئيسا لـ«المؤتمر الوطني». وفي 14 تشرين الثاني منح «المؤتمر الوطني» ثقته للحكومة الليبية الجديدة التي عرضها رئيس الوزراء علي زيدان، بعد أيام من رفضه حكومة مصطفى أبو شاقور. إلا أن ابرز حدث في ليبيا، كان في 11 أيلول الماضي، حيث شنت مجموعات مسلحة، هجوما على القنصلية الأميركية في بنغازي، وقتلت السفير الأميركي كريس ستيفنز و3 أميركيين.
المشهد السوداني في العام 2012 يختصر بجانبين مهمين. الأول، استمرار الأزمة بين الخرطوم وجوبا حول المناطق الحدودية وكلفة تمرير الغاز الجنوبي من أنابيب الشمال. وبالرغم من توصل الجانبين إلى اتفاق نفطي في شهر آب الماضي، إلا أن المفاوضات ما زالت مستمرة، خصوصاً في ما يتعلق بالمناطق الحدودية. وليس واضحاً حتى الآن إن كانت ستصل إلى نتيجة في وقت قريب.
أما الثاني، فيتمثل في الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها الخرطوم للمطالبة بإسقاط النظام على خلفية قرارات حكومية برفع الأسعار، وهو ما قابلته الحكومة بالقمع والاعتقالات. وما زالت الاحتجاجات تتجدد من وقت إلى آخر، وليس مستبعداً أن يشهد العام 2013 أحداثاً مماثلة.
وفي تشرين الأول، ضربت إسرائيل مجمعاً للصناعات العسكرية في الخرطوم، ما أدى إلى مقتل شخصين. ولكن المفارقة أن ذلك لم يلقَ أي رد فعل عربي يذكر.
أما فلسطينياً فقد اختزل حدثان بارزان المشهد الفلسطيني في العام 2012، هما: العدوان على غزة وحصول فلسطين على صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة. وبين النصر الميداني والنجاح الديبلوماسي انتصار من نوع آخر سجله الأسرى في معركة «الأمعاء الخاوية».
في موازاة ذلك، استمرت الحملات الاستيطانية واعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين (خصوصاً في موسم الزيتون)، إلا أنها تصاعدت بعد انتصار غزة ونجاح المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة، حيث تم الترخيص لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس.
وشهد العام 2012 زيارات بارزة إلى قطاع غزة، أبرزها زيارة رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل، وقبلها زيارة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل والوفد الوزاري العربي خلال العدوان، وقبله زيارة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
وشهدت السلطة الفلسطينية أزمة مالية خانقة ستدخل بها العام الجديد. فيما يدخل الأردن العام 2013 بما انتهى عليه العام 2012: تظاهرات أسبوعية متواصلة.
وكان الأردنيون واصلوا، كل يوم جمعة، التظاهر ضد الحكومة وقانون الانتخابات، لكن حدة التظاهرات خفت مؤخرا، خاصة بعد سقوط قتلى وجرحى في احتجاجات على رفع أسعار الوقود، ما اضطر الملك الأردني عبد الله الثاني إلى التدخل وتجميد القرار.
وبعد حل البرلمان، دعا الملك جميع الأردنيين، بمن فيهم المعارضة، إلى المشاركة في الانتخابات النيابية المقرّرة في 23 كانون الثاني، والذي أعلنت حركة «الإخوان المسلمين» مقاطعتها لها.
وكانت الحركات الاحتجاجية في الأردن أدت إلى استقالة رئيس الحكومة عون الخصاونة، ليعقبها تسلم فايز الطراونة رئاسة حكومة في 26 نيسان الماضي، قبل ان يكلف الملك الأردني في 11 تشرين الاول وزير الخارجية السابق وأحد داعمي تعديلاته الدستورية عبد الله النسور تشكيل الحكومة الجديدة خلفاً للطراونة الذي قدم استقالته تمهيداً لإجراء انتخابات نيابية.
أما اليمنيون الذين بدأوا العام 2012 بإجبار الرئيس علي عبد الله صالح على التنحي (25 شباط) بعد حوالي سنة من ثورة شارك فيها الملايين. وأفضت الى تسلم نائب الرئيس عبد ربه منصور الهادي السلطة لفترة انتقالية، لينتخب بعد ذلك رئيساً توافقياً.
تميزت فترة هادي في العام 2012، بالحملة العسكرية التي شنتها السلطات اليمنية بدعم من طائرات أميركية من دون طيار ضد تنظيم «القاعدة» في المحافظات الجنوبية.
واستمرت التظاهرات في صنعاء للمطالبة بمكافحة الفساد والإطاحة بالمفسدين. وكان آخر قرار أصدره منصور هادي خطوة في تحدي موالين للنظام السابق، حيث اقتطع ألوية كاملة من الحرس الجمهوري الذي يقوده ابن الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وبعد التأجيل أكثر من مرة، وفي ظل مقاطعة الحراك الجنوبي، من المفترض أن يعقد الحوار الوطني الذي نصت عليه المبادرة الخليجية في العام 2013.
أما الرئيس صالح فقد أعلن أنه سيسافر للخارج للعلاج، وهو ما يعتبر أنباء سارة لمعارضيه، الذين يرون أن غيابه سيعزز فرص نجاح محادثات المصالحة. وقال مصدر في الحكومة اليمنية إن «بعض الأحزاب السياسية أبلغت هادي بأنها لن تشارك في الحوار الوطني إذا لم يغادر صالح اليمن»، ومن المتوقع أن يتوجه صالح إلى السعودية للعلاج.
وفي العراق تتواصل الأزمة السياسية مع إتساع رقعة التظاهرات حيث امتدت تظاهرات الأنبار الى كركوك ونينوى وصلاح الدين منددة بسياسات حكومة نوري المالكي الذي حذر من تسييس التظاهرات خدمة لأجندات خارجية، داعياً إلى إنهاء العصيان المدني إذ وصفته بأنه مخالف للدستور وهددت بمعاقبة منفذيه. وكان زعيم التيار الصدريّ السيد مقتدى الصدر أعلن تأييده لمطالب المتظاهرين المشروعة، لكنه انتقد رفعهم صور صدام حسين وبعض الشعارات الطائفية. وقد أدّت الإحتجاجات المتواصلة في العراق منذ أيام وتفاقم الأزمة السياسية الداخلية إلى إعادة خلط الأوراق وإفراز تحالفات سياسية جديدة.
وتأتي أزمة الأنبار في وقت تتواصل سلسلة التفجيرات الدامية، في مناطق مختلفة من العراق، وأدت آخر جولة منها الى مقتل 22 شخصاً من بينهم ثمانية من رجال الشرطة وإصابة ثمانين، بحسب ما أفادت مصادر أمنية وطبية.
وقد شهدت الساحة العراقية خلال العام الماضي أزمات سياسية وطائفية وتفجيرات دموية أدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى، وذلك بعد عام على الانسحاب الأميركي. أولى الأزمات السياسية جاءت بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية العراقية المركزية أربعة أحكام غيابية بالإعدام بحق نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، الذي لجأ إلى تركيا بسبب إدانته بتهم إرهابية. واحتدم فتيل المواجهات بين الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية على خلفية تشكيل بغداد «قيادة عمليات دجلة» لتتولى مسؤوليات أمنية في المناطق المتنازع عليها في كركوك وديالى. وخف التوتر بين بغداد واربيل حول المستحقات النفطية، وذلك بعدما اتفقت الحكومة العراقية مع «حكومة» إقليم كردستان في أيلول الماضي على تسوية نزاع بشأن مدفوعات النفط.
أما دول الخليج التي تشهد اضطرابات واسعة مثل البحرين والكويت فلم تشهد خلال العام الماضي تغيرات في المشهد السياسي حتى الآن، حيث حافظ الأمير الكويتي على تفوق حلفائه في الإنتخابات التشريعية التي أقصت الإسلاميين عن البرلمان، فيما تواصل السلطات البحرينية سياسة قمع المعارضين والتظاهرات التي لم تتوقف منذ شباط (فبراير) 2011 وسط تعتيم دولي.
أما السعودية التي تعاني من بعض الإضطرابات لاسيما في شمال شرقي المملكة، حيث الأغلبية الشيعية التي نظمت تظاهرات عديدة قوبلت بقمع قوى الأمن السعودي، فإنها تدخل العام 2013 وسط مخاوف من تصدعات داخل العائلة المالكة في ما بات يعرف بمعركة العرش السعودي. وفيما تواصل قطر دورها في تمويل التيار الإسلامي (الإخواني) الى جانب السعودية (التيار السلفي)، تميزت دولة الإمارات بمواجهتها لهذا التيار حيث كشفت مصادر إماراتية مطلعة الثلاثاء الماضي لوكالات الأنباء عن أسماء أعضاء الخلية الإخوانية التي أعلن عن تفكيكها في الإمارات والتي كانت تقوم بـ«تجنيد مصريين مقيمين وجمع معلومات سرية عسكرية بهدف زعزعة الأمن في البلاد».
وتتهم السلطات الإماراتية الخلية بالتعامل مع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين والذي يسعى للإطاحة بحكومات في عدد من الدول العربية مستغلا حالة الاضطراب التي أوجدها الربيع العربي وتمكن بواسطتها من الوصول إلى الحكم في مصر وتونس وغزة وبعد أن أزاح شركاءه في الحكم.
ويستهدف التنظيم العالمي للإخوان المسلمين دولة الإمارات بشكل خاص بدعوى الإصلاح وهو الأمر الذي يرفضه الإماراتيون بشكل عام، في حين يراهن الأخوان على الحصول على دعم من قيادة التنظيم في قطر أو من أعضاء التنظيم في الخليج ومصر وتونس وفلسطين.
Leave a Reply